د. رشا سمير تكتب: مسلمون ضد الإسلام

مقالات الرأي



ماذا بعد التريليونات من الصلوات على النبى.. هل تغيرت أخلاقنا.. هل استطعنا أن نقدم صورة جيدة لدين عظيم؟!

هل أساء المسلمون إلى الإسلام؟ هل وصم أتباع الدين العظيم دينهم بوصمة العنف والتطرف والإرهاب؟ هل كان للمسلمون ماض يروى قصتهم وأصبح حاضرهم مجرد صورة مهزوزة لدين كان أهل للسماحة والخير والسلام؟ هل تركنا الجوهر وأصبح المظهر فقط هو عنواننا؟

كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يحارب من أجل نشر رسالة للبشرية، رجل يحارب بمفرده ليصبح عنواناً لدين جديد قادر على إحداث تغيير..


هكذا تحمل الإهانة والظلم والقهر.. تحمل إيذاء سادة قريش ويهود مكة وحمالة الحطب.. تحمل صامتا دون أن يرد الإساءة بالإساءة.. تحمل مبتسما حامدا ربه باحثا عن المأوى فى قلوب من قرروا إتباع دينه وسنته..

ثم توفى محمد رسول الإنسانية وتصارع بعض من جاءوا بعده ورفعوا السلاح من أجل انتشار الدين الجديد ولفرض سطوتهم على شبه الجزيرة العربية..ثم...

ثم راحت أجيال وجاءت أجيال وتبدل الحال حتى تسبب المسلمون فى وضع دينهم خلف القضبان وكأن الدين أصبح متهما!..

أصبحت الصورة هى صورة الإخوان المسلمون الباحثين عن الحُكم.. والمتطرفون العائشون فى وهم الخلافة وصراع العروش، سافكين دم البشر بسيف الباطل..أصبحت الصورة هى صورة الجلباب واللُحى والنقاب والشكليات التى ابتعدت عن جوهر القضية الحقيقية وهى قضية الحق والسماحة والعدل..

أين نحن من أمم تتقدم؟ أين نحن من شعوب وضعتنا فى قفص الاتهام بسبب التخلف الذى آل إليه متطرفو العقيدة؟

هذا هو السؤال الذى يطرحه كتاب (مسلمون ضد الإسلام) للباحث الإسلامى محمد الدويك الصادر عن دار نشر كيان فى 217 صفحة من القطع المتوسط..

كتاب يطرح سؤال ويناقش قضية هامة وهى قضية الهوية الدينية لدين أساء إليه بعض أتباعه.

الكتاب يقع فى ثلاثة فصول.. الفصل الأول يلقى الضوء على شخصية الرسول (ص) وموقع الإنسان من الإسلام ويناقش عدة قضايا شغلت الرأى العام مثل قضية إطلاق اللحية من عدمه.

والفصل الثانى يستعرض مساحتنا فى التجديد، وقضية التعارض بين النص والفهم، والحدود فى الإسلام.

والفصل الثالث، وهو فصل يتناول قضية المرأة فى الإسلام، والبحث عن صيغة للمصالحة بين المرأة وبين التشريع الإسلامى.. والفصل الأخير يرسخ إلى تصحيح المفردات المهمة الشائعة فى حياتنا ونرددها دون معنى ثابت، والعلاقات المشتركة بين البشر.

من وجهة نظرى أرى أن الفصول كانت تحتاج إلى إعادة ترتيب بشكل آخر بحيث تسمح للمواضيع بأن تترابط لأنى كمتلقى للمعلومة لم أشعر بترابط بين أفكار الفصل الواحد، بقدر ما كانت المعلومات تأتى من كل صوب وحدب، لأن طريقة السرد بدت وكأنها ترتحل بين المواضيع دون تسلسل يشد القارئ.

البداية من الخاتمة:

سأبدأ بخاتمة الكتاب لأنها هى خلاصة الفكرة، فقد كتب الدويك قصة تندرج تحتها المشكلة برمتها وهى أن إعمال العقل وأن يكون للإنسان وجهة نظر شىء يخيف الآخرين.. وهناك مفهوم موحد يدفع الناس لتقبل الأشياء كما هى ولا يسمح لهم بالتفكير فيما يتلقونه وهذا هو المحور الرئيسى الذى يتسلل منه الإرهاب على يد المتطرفين إلى عقول من لا يفكرون.

الحكاية تقول:

عندما قبض اليهود على السيد المسيح بتهمة نشر أفكار هدامة فى المجتمع وكان ذلك بوازع من المؤسسة الدينية اليهودية، ورجال الدين، ثم قدموه للوالى الرومانى (حاكم المدينة) وكان وثنيا، فطالبوا بإعدامه، لكن الوالى كان يرى فى ذلك مهمة ثقيلة.. وكان يقف إلى جوار المسيح فى المحاكمة لص مقبوض عليه اسمه باربس، فأراد الوالى أن يصدر عفوا رئاسيا يشمل أحدهما وهو يختار المسيح، فرفض الناس، و اختاروا اللص لعفو الإمبراطور.

إذن فهؤلاء الناس كانوا متساهلين مع اللصوص والفاسدين، وذلك لأنهم يشبهونهم أو لأنهم يتعاطفون مع أجزاء مع طباعهم التى يخفونها عن الجميع..إنهم يعلمون أنه من الممكن أن يكون أحدهم مكان هذا اللص يوما ما، لكنهم لا يتسامحون مع الذى يثير عقولهم لنقد موروثهم القديم، أو الذى يحررهم من إرث الماضى الثقيل ليصنعوا حياة معقولة، كان باربس قاطع طريق و مثيرا للشغب. و كان المسيح مصلحا دينيا و اجتماعيا ولا يحوز أى قوة غير كلماته الهادئة. لكن الجموع الهائجة ارتضت أن تعايش و تعفو عن قاطعى الطريق، وتصلب صاحب الرسالة.

محمد رسول الإنسانية:

يتطرق الكاتب إلى حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف تكبد مشقة دين حمله على ظهره وجهر به فى قوم لم يؤمنوا به وحاربوه وهو صابر، تحمل طرده من وطنه والاغتراب.

يُحكى أن النبى الكريم سمع يوما أحد قيادات جيشه يقول بعدما تمكن منه قومه وقتلوا عمه حمزة: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تهلك قريش» فرد عليه الصلاة والسلام: «لا، بل هو يوم المرحمة، اليوم يوم بر ووفاء»..

فهكذا يتصرف النبلاء حين ينتصرون، بل كان يدخل عليهم خافضا رأسه على فرسه حتى كاد أن يلامس رقبة الفرس، خشية أن يظنوه ملكا منتصرا يتعالى عليهم.

كما عفا النبى أيضا عن حاطب بن أبى بلتعة، وعفا عن شاعر فى الجاهلية هو أبو عزة الذى كان يحارب الرسول ويعين الأعداء عليه، وحين وعده الرجل أن يكف عن قتال المسلمين عفا الرسول الكريم عنه.

هكذا يشير الباحث إلى سماحة الرسول الذى قاد جيشه فى الحق ويعقد مقارنة مستترة بين السطور بينه وبين ما آلت إليه اليوم الجماعات المتطرفة التى تسفك الدماء وتقتل الأبرياء دون وجه حق.

فهكذا كانت البداية وهكذا إنتهت الحكاية إلى بشر تعمدوا تشويه الدين متصورين أنهم يرفعون الرايات السوداء للحق.. الذى أبدا لم يكن وجهه أسود!.

هل صليت على النبى اليوم؟

ينتقل الباحث إلى فصل آخر يتناول فيه الكاتب ملصقاً تبنته الجماعات الإسلامية يوما، فكانوا يلصقونه على السيارات والحوائط والأبواب.. ملصق يحمل جُملة (هل صليت على النبى اليوم؟) ويطرح الباحث سؤال: وماذا بعد التريليونات من الصلوات على النبى، هل تغير شىء؟

هل تغيرت أخلاقنا؟ هلى تقدمنا؟ هل استطعنا أن نُعطى صورة جيدة لدين عظيم؟ الحقيقة أن الإجابة هى..لا.. وألف لا.

فهل تعلمنا الحب بعد الصلاة على النبى أم أننا نصلى عليه وفى قلوبنا حقد وكراهية وأمراض الدنيا.

من هذا المنطلق أؤيد رأى الباحث وأراه وضع يده على نقطة تتكرر فى ألف شكل، فالجماعات المتطرفة فى الواقع لا يهمها سوى المظهر ولكنهم لا يهتمون بالجوهر الحقيقى للعبادات.

ارتداء الجلباب وتقصير البنطلونات وإطلاق اللحى بشكل كثيف والنقاب بين السيدات ليست إلا ظواهر يقتلها حملهم للسلاح وسفكهم دماء الأبرياء.

الرسول أكد على عدم إرهاق الناس بما لا يطيقون، فهو لايريد أن يكون معيار التفاخر بين الناس بعدد الركعات وعدد أجزاء القرآن، بل كان توجيهه دائما لأهل بيته وصحابته بأن يجعلوا الطريق بينهم وبين الله موصولا.

يروى البخارى فى كتاب الأحكام عن بن عمر أن الناس كانت تبايع الرسول على السمع والطاعة ولكنه عليه أفضل الصلاة وأتم السلام كان يضيف عبارة:

«فيما استطعتم»..

هكذا كان المصطفى يحاول دائما التخفيف على أتباع الدين.

ما له وما عليه:

الحقيقة أن الكتاب هو محاولة لتقديم فكرة جادة ومهمة، لكن ربما تعثر الباحث فى تقديم بنيان متماسك، فهناك على سبيل المثال فصل بعنوان (أمريكا من تجارة العبيد لتجارة السلاح) وهو فصل يتناول أعداد الجنود الأمريكان الذين ماتوا فى حروبهم مثلا فى العراق وأفغانستان، وسلط فيه الكاتب الضوء على البطالة فى أمريكا، والرأسمالية الأمريكية وما تسببت فيه كونها نظام غير عادل فى أمريكا، ويغوص فى معلومات عن الحرب ضد العراق بالأرقام.

يختتم الباحث الفصل بالجملة الآتية:

«أعتذر لو أكثرت فى الأرقام والتواريخ ودفق المعلومات، لكنها ذكرى، لأن النسيان هو الموت أو طريق له، ولأن الأمم تحيا لتتذكر أو تتذكر لتحيا، فيجب ألا ننسى. تحياتى يا أميرة!»

الحقيقة لم أفهم المغزى من الفصل ولا من جملة الختام!.

آن الأوان للمسلم الحقيقى أن يحاول جاهدا تغيير صورة الإسلام فى عين الغرب.. آن الأوان أن نصبح مسلمين فى رحاب الإسلام وليس مسلمون ضد الإسلام.