اليوم العَاشِر من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1442هـ

أبراج

بوابة الفجر


الفصل الثانى: مناطق النفوذ والحدود/المساحات الخاصة بكل فرد

*مساحات الحدود:
*المساحة الحساسة قد يدخل إليها الآخرون لأحد سببيْن ، الأول أن الدّخيل قد يكون أحد المُقربين للغاية وقد يكون فى حالة إتصال جنسى لدخوله هذه المساحة الحميمة.
السبب الثانى هو الدخول بِنِيّة عدائية فيكون الشخص الآخر فى حالة هجوم ،  قد نتحمل دخول الغرباء لمنطقة الحدود الإجتماعية (عدة أمتار)، لكن دخول غريب إلى المنطقة الحميمة سوف يتسبب فى تغييرات فسيولوجية جسدية تحدث فى أجسامنا، القلب يخفق بسرعة أكبر ، الأدرنالين يتدفق فى الدم ، الدم يذهب للمُخ و العضلات حيث يتم الإستعداد إمّا لعراك أو إلتحام جسدى مُحتمل ، هذا يعنى أن وضع ذراعك حول ذراع أو خصر شخص عرفته للتوّ بطريقة ودودة سوف يتسبب فى مشاعر سلبية ضدك رغم أن هذا الصديق الجديد سوف يبتسم لك لكنه لن يكون مُرتاحاً فأنت دخيل على منطقته الشخصيّة ، والقاعدة الذهبية هى (حافظ على المسافة !).

*كلما كانت علاقتنا حميمة مع أحدهم كلما سُمِحَ لنا بالإقتراب للمساحة الحميمة بصورة أكبر، المُوظف الجديد سيشعر أنه مُبعد لأن الموظفين الآخرين يحافظون على المساحة الواسعة معه ، لكن ما أن يبدأ الجميع فى التقارب أكثر حتى تبدأ تلك المساحة فى القِصَر.

*أحد الٌإستثناءات لتحديد المساحات قد تحدث عندما يقوم المدير باصطحاب أحد الموظفين فى رحلة لصيد السمك، أثناء الصيد قد نجد المدير يسمح للموظف بالجلوس بالقرب منه للصيد مُقترباً من مساحته الخاصة ، بينما فى المكتب عندما يرجعان مرةً أخرى للعمل فإن المُدير سوف يُحافظ على المساحة الأبعد (المساحة الإجتماعية) والتى تضمن الحفاظ على العقد الإجتماعى الغير مكتوب والذى يضمن المسافات بين طبقات المُجتمع.

*الجماهير فى الحفلات العامة/الأوبرا/دور السينما/المسارح/القطارات/عربات المترو/الباصات/المصعد، كلها تؤدى إلى تداخل فى المساحات الحميمة بصورة لا يُمكن تجنّبها، ونتيجة لهذا الغزو من الآخرين فهناك قائمة بالقوانين الغير مكتوبة فى الثقافة الغربية والتى تُتّبع بشكل تلقائى أتوماتيكى وبكل جدّية عندما يجد الفرد نفسه فى مصعد (أسانسير) ضيّق على سبيل المثال:

1-غير مسمُوح لك بالحديث إلى أى شخص آخر بمن فيهم الشخص الذى قد يكون برفقتك.
2-عليك تجنّب التواصل بالعيون مع الآخرين طوال الوقت حتى المغادرة.
3-عليك الحفاظ على (بوكر فيس) أو الوجه الجامد الخالى من التعبيرات والعواطف تماماً ولايُسمح بإظهار أى نوع من التعبيرات.
4-إن كان معك جريدة أو كتاب فينبغى عليك التظاهر بأنك مُنهمك فى قراءة تلك الجريدة.
5-كلما كان المكان مُكتظاً بالبشر كلما وجب عليك أن تقلل من حركة جسدك فلا تتحرك كثيراً حتى تتجنّب الإحتكاك الجسدى.
6-فى المصعد خاصةً أنت مُضطر إلى النظر إلى شاشة عداد المصعد وتركيز عينك على تلك الشاشة.

*كثيراً ما نصف وجوه المُوظفين العائدين من أعمالهم فى فترة الذروة عند النظر إلى وجوههم بالبؤس/القنوط/العبوس/الحزن، والحقيقة أن هذا الحكم خاطئ، لأن هؤلاء الرّكاب مُضطرون إلى التماشى مع هذا الغزو الذى لا يُمكن تجنّبه لمناطق نفوذهم الحميمة فى أماكن المُواصلات العامة ، إن كنت تشك فى تلك النظرية فما عليك سوى الذهاب إلى أحد دور السينما حيث تجد أن الجمهور لا يبدأ فى الجلوس إلا قبل لحظات قليلة من إطفاء أنوار القاعة من بداية الفيلم لتحاشى الحملقة أو هذا الغزو من الجالس على يمينه أو يساره ، سواءً كان مصعد/باص/أو صالة سينما فإننا لا نرتاح  لتواجد من حولنا كرد فعل لهجوم تلك الحشود على دائرتنا الخاصة.

* بدأ الإنتباه عند تخطيط المُدن لإعطاء المُجمعات السكنية مساحات واسعة حتى تضمن الهدوء وإنخفاض الجريمة ، ففى جزر جايمس على ساحل ميرلاند بالولايات المُتحدة لاحظ الباحثون أن الأيائل (نوع من الغزلان الضخمة) بدأت فى الموت برغم توافر الغذاء وعدم وجود حيوانات مفترسة أو أوبئة ، حدثت وفيات كبيرة بين أعداد الأرانب والجرذان ، عند البحث وُجد أن الأيائل تموت بسبب إفراط فى إفراز الغدد الكظرية وهذا بسبب الضغط العصبى الناجم عن إزدياد عدد الأيائل وعدم وجود مساحات كافية لهم ، إفراز الغدة الكظرية يلعب دوراً هاماً فى النموّ/التناسل/ ومناعة الجسم ضد الأمراض، المساحة الضيقة كانت السبب وليس أى سبب آخر! رُبّما هذا يُفسّرأن إرتفاع الكثافة السكانية يتبعها إرتفاع فى مُعدلات الجريمة والعنف.

* فى تقنيّات التحقيق الجنائى مع المُشتبه فيهم ولكسر مقاومة المجرم فإنه يتم إجلاسه على كرسى مُثبّت على الأرض بدون أذرع جانبيّة ، وفى جزء فارغ من غرفة التحقيق ، أى حول الكرسى مساحة فارغة واسعة حتى يبدأ المتهوم بالشعور بالإرتياح بمساحته الشخصيّة ،ثم يبدأ المحقق بالإقتراب منه داخل منطقتة الشخصية  وبصورة مُستفزة ، لن يمر وقت طويل حتى تنكسر مقاومة المشبوه ويبدأ  بالتحدّث.

* بعض المديرين يتبعون نفس هذا التكنيك عند التعامل مع مُوظّف يُخفى معلومات خاصة بالعمل ، لكن إن قام رجل المبيعات باتباع هذا الأسلوب- أى الإقتراب من المساحة الحميمة للزبون- فإنه سيكون أحمقاً بحق!


المصدر: كتاب الإشارات للكاتب آلان بيز 1981.