السبيكة العقارية تعيد للأذهان شبح شركات توظيف الأموال.. وخبراء: تظهر دائماً عقب الأزمات
عقد السبيكة العقارية يضع كافة القيود على المستثمر لصالح الشركة وشكوك حول مدى قانونيته
تعتبر الفترات عقب الأزمات الاقتصادية والحروب
فترة خصبة لظهور أنواع جديدة من الاستثمار من قبل بعض الاشخاص أو الشركات لتحقيق
أكبر نفع مادي دون مجهود أو رأسمال كبير، وهو ما حدث بالفعل في فترة الثمانينات حيث
ظهر نشاط توظيف الأموال، لما إتسمت به هذه
الفترة من إنخفاض أسعار الفائدة بالجهاز المصرفي، وإرتفاع أسعار الذهب، وركود
السُوق العقاري، فضلاً عن الركود الاقتصادى بصفة عامة، لضعف أوجُه الإستثمار.
وقد كانت تلك الظروف الإقتصادية مناخاً
مُناسباً لظهور هذا النشاط، الذى إجتذب السواد الأعظم من رؤوس الأموال المتوسطة
والصغيرة والمُدخرات، نظير عائد شهرى أو سنوى تجاوز أحياناً 3 % شهرياً، بعدها
استفاقت الحكومة على كارثة عقب ضياع أموال عدد كبير من المودعين في تلك الشركات
نتيجة الممارسات الاقتصادية الخاطئة التي قام بها أصحابها.
وتعتبر الفترة التالية لانتشار فيروس كورونا
عالمياً ومحلياً هى فترة مشابهة لكافة الفترات التى تلت الأزمات الاقتصادية وهو ما
أدى لانتشار بعد الظواهر السلبية التى تحاول أن تستغل مدخرات صغار المستثمرين خلال
فترة الركود وانخفاض أسعار الفائدة بالبنوك جاء على رأسها ظاهرة
"المستريح" كما أطلق عليها إعلامياً والتى تعنى قيام أحد الأشخاص بالاستيلاء
على أموال الغير بغرض استثمارها بعائد كبير ثم اختفاء هذا الشخص مع الأموال
وضياعها.
قد تكون هذه السلوكيات الغير قانونية واردة من
أفراد مستغلين جهل البعض وأطماعهم ولكن ما فوجئنا به مع بداية شهر رمضان هذا العام
هو قيام أحدى الشركات العاملة في السوق العقاري المصري، وهى شركة تعمل بالسوق منذ
حوالي 4 سنوات ولها أسمها التجاري المعروف بطرح وعاء استثماري جديد للاستثمار في
القطاع العقاري أطلقت عليه "السبيكة العقارية" دون توضيح لقواعد هذا الاستثمار، وما الجهات الرقابية
التى تشرف عليه.
واستخدمت الشركة اعلانات مصورة استعانت فيها بممثلين مشاهير لـ "ترويج "للاستثمارا الجديد" السبيكة العقارية"، وقامت بنشره في نطاق واسع على مواقع التواصل الإجتماعي والتلفزيون خلال شهر رمضان التى ترتفع نسب مشاهدة الأعلانات لمحاولة لجذب اكبر عدد ممكن الجمهور للاستثمار الجديد.
ولم توضح الشركة في اعلاناتها المتداولة، ما هي طبيعة الاستثمار الجديد واقتصرت على أنه استثمار في وثيقة تقوم على أساس شراء أمتار على المشاع في وحدات تجارية وإدارية تقوم بإنشائها في أحد المشروعات العقارية التى تنفذها، على أن تمنح عائد سنوي من إيجار تلك الواحدات بنسبة 13% سنويا من قيمة الأموال المستثمره، وهي اعلي من عائد شهادات الاستثمار التي تمنحها البنوك حالياً بعد خفض أسعار الفائدة والتى لا تتجاوز في أعلى مستوى لها حالياً 11%.
وعلمت "الفجر" من مسئولي خدمة العملاء بالشركة التى تروج لهاذا الاستثمار تفاصيل أكثر عن "السبيكة العقارية"، حيث أن الحد الأدني المسموح لبدء الاستثمار بها لشراء 10 أمتار بسعر 100 ألف جنيه للمتر الواحد، وأن المستثمر لن يحصل على اي عائد له خلال أربع سنوات من تاريخ شرائها، وهي الفترة التى يكون الواحدات الادارية والتجارية من المشروع التى سيتملك فيه الأمتار تحت قيد الإنشاء والتى يستطيع فيها تقسيط ثمن الأمتار على دفعات، بعدها يتم احتساب عائد إيجاري بنسبة 8% للسنة الأولي بعد الأربع سنوات يضاف إليه نسبة 5% عائد استثماري الذي لا يتم الحصول عليه إلا بحلول السنة الخامسة بإجمالي 25%.
وقد وضعت الشركة عقد إذعان لصالحها يتضمن عدد
كبير من المحاذير والجزاءات على المشتري في حال تأخره عن سداد ثمن الوثيقة أو أياً
من أقساطها في حين لم تضع فى المقابل أية جزاءات على الشركة في حال التأخر فى
التسليم أو التعثر فى المشروع لأى سبب من الأسباب.
تلاحظ لنا أيضاً تعارض العقد مع عدد من
القوانين على رأسها القانون رقم 146 لسنة 1988 والخاص بتلقى الشركات أموال من
الجمهور لاستثمارها، والذي ينص في مادته الاولى على: "مع عدم الإخلال بأحكام
قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة
الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981 وغيره من القوانين المنظمة لصور من الاكتتاب
العام أو تجميع الأموال، لا يجوز لغير شركة المساهمة التى تطرح أسهمها للاكتتاب
العام والمقيدة فى السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالا من الجمهور بأية عملة
وبأية وسيلة وتحت أى مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا
الغرض صريحا أو مستترا.
كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوى
للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال
لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها".
كما يتعارض مع قانون حماية المستهلك فى بعض
الاشتراطات التى وضعها العقد من حيث حظر البيع ووضع رسوم لصالح الشركة في حال
إعادة البيع للغير.
كما
تلاحظ أيضاً عدم تحديد رقم وحدة معينة لتملكها كما هو الحال فى كافة المشروعات
العقارية ولكن كان البيع على المشاع وفق عقد الشركة بمعنى أن المتر الذي يشترية
المستثمر في هذا المشروع غير محدد بمكان معين داخل المول وبالتالي هى ملكية معيبة
ولا يمكن بيعها بسهولة أو إعادة استغلالها من جانب المالك في حال حدوث خلاف مع
الشركة كما لم يضع العقد أية قواعد لفض الخلاف على الأمتار المباعة في حال نشوبه
بين المواطن والشركة.
ومن أهم الشروط التي نص عليها عقد السبيكة العقارية والتى حصلت "الفجر" على نسخه منه، أنه في حالة عدم سداد الطرف الثاني ( المشتري) أي من الاقساط ثمن الأمتار المشتراه في مواعدها يلتزم بسداد غرامة تأخير بواقع 2% شهريا عن المبلغ محل التأخير ابتداء من اليوم التالي لتاريخ استحقاق القسط وحتي تمام السداد، وفي حالة تجاوز عدم سداد اي قسط من الاقساط لمدة شهر فان قيمتها تصبح واجبة السداد بالكامل مع غرامة التأخير.
واضاف العقد أنه في حالة التعثر عن سداد الاقساط فإنه يحق للشركة فسخ العقد ورد الأموال للمشتري، مع احتساب قيمة التأخير مضاف اليها 15% من إجمالي الأمتار المباعة مقابل مصاريف ادراية كتعويض، مشيرا إلى ان الشركة ليس عليها اي التزامات مالية إتجاه المشتري بعد فسخ التعاقد نتيجة عدم سداد الاقساط.
ورفض مسئول خدمة العملاء، الرد على استفسارات حول الضمانات التى تقدمها الشركة للحفاظ على قيمة الأموال المستثمرة في السبيكة العقارية لأعادتها لأصحابها بعد إنتهاء مدتها، واستمرار صرف العائد السنوي التى اعلنت عنه، كما رفض الأفصاح عن خضوع هذا الاستثمار تحت اشراف اي من الجهات الرقابية أم لا.
ولا ينص العقد على اي بنود تحفظ حقوق المشترين في السبيكة العقارية في حالة حدوث تعثر للشركة عن تنفيذ المشروع او الالتزام بسداد العائد التى وعدتهم به والذي يصل إلى 13% سنويا، حيث أكد في البند السادس المتعلق بالتسليم أن تسليم الامتار يبداء بعد ثلاث سنوات مع الحق للشركة في مد ميعاد التسليم لمدة اثني عشر شهر دون توقيع غرمات تأخير عليها ولم يضع أى جزاءات على الشركة في حال تأخرها عن التسليم عقب الاربع سنوات المذكورة بالعقد.
والزمت الشركة المشترين لعقد السبيكة العقارية في عقدها، بأنه لا يحق لهم بيع الأمتار او اي جزء منها إلا بعد الحصول على موافقة كتابية منهم، بعدما قد قاموا بالمعاينة التامة النافية للجهالة للمشروع.
وعادت الشركة في المادة السادسة من العقد لتؤكد
أنه في حالة عدم سداد قسطين متتاليين سواء ثمن الأمتار أو اقساط مصاريف الصيانة
المستحقة يعتبر هذا العقد مفسوخا دون الحاجة إلى التنبية، ويحق للشركة التصرف في
الأمتار، وأن تقوم بعد فسخ العقد
برد المبالغ التى سدداها الطرف
الثاني بنفس مدة الاقساط التى سدد
بها المشتري قيمة الأمتار بالأضافة إلى خصم
15% من قيمة الأمتار المشتراه مقابل المصاريف الأدارية وعلى سبيل التعويض،
مؤكدة أن هذا التعويض غير خاضع لرقابة القضاء.
يأتى الاستثمار الجديد، مع ما يشهده القطاع العقاري من حالة ركود نسبي مع انخفاض القوي الشرائية للمواطنين في أعقاب جائحة كورونا.
وخالف البند الثامن من عقد بيع السبيكة العقارية قانون حماية المستهلك الذي نص صراحة عدم تحصيل الشركات اي رسوم عمولة نتيجة بيع المشتري وحدته العقارية أو التنازل عنها الصادر في عام 2018، حيث نص عقد السبيكة العقارية على ان تحصل الشركة مصاريف إدارية قيمة هذا التنازل طبقا لسياسة الشركة لتعديل أسم المشتري الجديد واستخراج عقد جديد.
وقال هاشم السيد هاشم نائب رئيس مجلس إدارة صندوق المصريين للاستثمار العقاري أول صندوق يتم إنشائه للاستثمار العقاري في مصر لـ" الفجر"، إنه لا يعلم مدي قانونية الاستثمار الجديد المعلن عنه، وأن الترويج لأي منتجات مالية لا يتم إلا من قبل البنوك تحت اشرف البنك المركزي المصري، أو الشركات المالية الغير مصرفية التى تخضع لأشراف الهيئة العامة للرقابة المالية، وإلا يعد جريمة يعاقب عليها القانون المصري.
وتابع،" ليس لدينا علم عن مدي قانونية السبيكة العقارية، وعلى اي اساس يدخل المواطنون للأكتتاب بها الذي لابد أن يحدث في الأساس عن طريق شركات مرخص لها من هيئة الرقابة المالية لتلقي أموال هذا الاستثمار."
وقالت حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية، لـ "الفجر"، إن توافر السيولة حاليا مع الافراد يشجع بعض الشركات والافراد على الترويج لمنتجات استثمارية ليس لها اساس قانوني لأجتذاب تلك السيولة، موضحة أن تلك الأنشطة الاستثمارية تظهر غالباً اثناء فترات الركود والأزمات.
وتابعت " رمسيس"، "الشركة التى طرحت هذا الاستثمار، استغلت انخفاض اسعار الفائدة في البنوك، وما يشهده القطاع العقاري من ركود لارتفاع المعروض عن الطلب".
وأضافت،"الشركة لم توضح على اي أساس قانوني طرحت هذا الأستثمار، الأعلان في التلفزيون ليس دليل على قانونيته، قائلة: "الريان وشركات توظيف الأموال كانو يقومون بالأعلانات مماثلة".
وحذرت رمسيس، " أي استثمار جديد لا يعرف مصدره القانوني، لا ننصح الاستثمار به وعلى المواطنين توخي الحظر. "