عادل حمودة يكتب: نوال السعداوى الملكة الفرعونية الخامسة

مقالات الرأي




محررة المرأة من الأوهام تفسر لم تكرهها النساء؟

تعامل المرأة فى مجتمعاتنا باحترام زائف فى حين أن حقوقها مسلوبة و«السعداوى» كانت تعلم أنها تسير على ألغام منفجرة

الذكر يبدأ أنثى فى الرحم حتى تفرز هرموناته لذلك هى الأصل


جُنّتْ الـ«سوشيال ميديا» بأربع ملكات فرعونيات فى موكب المومياوات حكمن مصر ووسعن أرضها وضاعفن ثراءها وزدن وعيها.

أجمعت التعليقات على أن المرأة لو منحت الفرصة لتفوقت على الرجال مثل جدتها حتشبسوت ولكننا نكسر أنفها ونحط من شأنها ولا نكف عن التحرش بها.

لكن الذين نظروا إلى الماضى البعيد فى انبهار لتتجاوز ما فيه المرأة من انكسار سنوا أسنانهم لينهشوا سمعة الدكتورة نوال السعداوى التى نذرت حياتها لتحرير المرأة ووصلوا إلى حالة مرضية من التناقض تتجاوز الفصام وتعدد الشخصية أو الشيزوفرانيا.

وما ضاعف من تلك الحالة أن جثمان نوال السعداوى لم يكن قد برد فى القبر بعد فلم تحترم قاعدة: اذكروا محاسن موتاكم التى لا نكف عن التشدق بها.

ولو شئنا العدل والإنصاف والاعتراف بالجميل لكان علينا اعتبار هذه الطبيبة الأديبة الشجاعة الملكة الخامسة لتكريمها ولو بطريقة مختلفة عن وضعها فى تابوت يعرض فى متحف الحضارة.

إن الملكات الأربع بنين معابد ومقابر من حجارة ولكن الملكة الخامسة بنت عقولا متفتحة وحررت نفوسا مقيدة وأنقذت أرواحا معذبة وقدمت أجيالا رائعة من النساء نراهن فى الوزارة والجامعة والسفارة والثقافة هن بالقطع من ترحمن عليها ولو فى سرهن.

منذ نصف قرن رن جرس التليفون فى بيتها بعد منتصف الليل وعندما رفعت السماعة وجدت من يستغيث بها:

ــ أنا فاطمة يا دكتورة سأموت سأقتل نفسى.

ــ أرجوك اهدئى وفى الصباح تعالى نتفاهم.

ــ لن أنتظر الصباح يا دكتورة لن أنتظر شيئًا لم أعد أحتمل.

نجحت نوال السعداوى فى إقناعها بتأجيل عملية الانتحار حتى تأتى إليها فى الصباح ولكنها لم تأت وبعد أربعة أيام جاء صوتها عبر التليفون منخفضا متعبا متلعثما:

ــ أكلمك من أحد المستشفيات النفسية أخذتنى أسرتى إليها بعد أن أنقذتنى من محاولة الانتحار أرجو أن تأتى لتتحدثى معى.

كانت مأساة فاطمة مأساة نسوية شائعة.. معظمهن يتمتعن بالذكاء.. يقدرن على التفوق.. لكن لا أحد يفهم حقيقة قيودهن الاجتماعية والأسرية مثل الأب أو الأخ أو الصديق أو الحبيب أو المعلم أو المدير بل ربما هى أيضا لا تفهم نفسها وتحتاج لمرشد لجسمها.

كانت مأساتها أن عليها الزواج من رجل ثرى يكبرها سنا لم يرق إليها ولم تتخيل كيف سيصافح جسدها جسده.

وفى الحقيقة كانت حالة فاطمة أرحم من حالات أخرى.

إن كثيرًا من الفتيات يولدن بدون غشاء بكارة أو يولدن بغشاء مطاطى يحتاج طبيبا لفضه وبسبب ذلك الجهل كن يذبحن ليغسل الدم جريمة شرف لم ترتكبها.

فى ليلة الدخلة طلبت الفتاة من أبيها أن يسمعها قبل أن يقتلها.. كان المعهد الرياضى الذى درست فيه يكشف على طالباته قبل التدريبات الشاقة.. اكتشفت أنها بلا غشاء بكارة.. أيد الطبيب الذى لجأ إليه الأب عذريتها.. نجت بأعجوبة من القتل.

مئات من حالات مغلفة بالسواد عاشتها نوال السعداوى جعلتها تتجرأ وتنشر كتابها الجرىء: «الأنثى هى الأصل» وهى تعلم أن الباحث فى موضوع المرأة بالذات يسير على ألغام متفجرة وتفسيرات دينية خاطئة ويتلقى اتهامات جاهزة بالعهر والكفر.

أرست نوال السعداوى قواعد راسخة تقوم عليها الكتابة عن المرأة:

إن تحرير المرأة تمس حياة نصف المجتمع وتخلفها وتكبيلها ينعكس على الرجال أيضا.

لا يقصد بتحرير المرأة «أن تمشى على حل شعرها» وتنفات جنسيا وإنما يقصد به إطلاق إمكانياتها الفكرية لتشارك فى تطوير المجتمع.

والمؤكد أن القيود النفسية أو الجسدية أو العقلية التى تفرض على الإنسان رجلا أم امرأة تعوق تطوره الطبيعى وتؤخر نضوجه الفكرى أو الجسدى.

ولا يمكن أن تتعارض الأديان مع العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع ولا مع صحتهم النفسية والجسدية.

لقد خلقت الأديان لسعادة الإنسان ولم تخلق لتعاسته.

إن شرف الإنسان رجلا أم امرأة هو الصدق، صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال والإنسان الشريف هو الذى لا يعيش حياة مزدوجة واحدة فى العلانية وأخرى فى الخفاء.

ليس هناك دليل علمى واحد بيولوجى وفسيولوجى وسيكولوجيا يثبت أن المرأة أقل من الرجل عقلا أو جسدا أو نفسا.

إن الوضع الأدنى للمرأة فرض عليها من المجتمع لأسباب اقتصادية واجتماعية لصالح الرجل ومن أجل شعوره بامتلاك الزوجة والأبناء وكأنهم قطعة أرض.

(نسبة تصل إلى أربعين فى المائة من الرجال يكتفون بالكسل والكيف بينما المرأة تخدم فى البيوت أو تعمل نيابة عنه فى غسل السيارات أو ما شابه وربما ضربها بعنف إذا لم تأت بما يريد قبل أن يصلى العشاء ويلحق بشلة المقهى ليظل معها حتى الفجر).

وتبدأ نوال السعداوى كتابها بإشادة مضيئة لما كانت عليه المرأة فى مصر القديمة.. الابن الشرعى ينسب إلى أمه أكثر مما ينسب إلى أبيه.. تمتعت المرأة بحق الملكية والشهادة فى المحاكم والتساوى فى الميراث واشتغلت فى كل الأعمال (حامية وحاكمة وملكة وكاهنة وإلهة) ولم تعرف الحجاب.. واختلطت بالرجال.. وشاركتهم فى كل شىء.

لكن.. مع تخلف المجتمعات وانهيار الحضارات انقلبت الآيات.

« بعد أن كانت المرأة إلهة الإخصاب والخير والحكمة والعدالة والوفرة والخضرة أصبحت حليف الشيطان ومرمزه الوحيد المجسد على الأرض وبعد أن كانت المرأة ملكة داخل البيت وخارجه أصبحت خادمة خارج البيت وجارية داخله».

ولو كان كثير من الرجال يتظاهرون بأنهم يقبلون بمساواة المرأة معهم فإنهم عند اختيار الزوجة يفضلون المرأة الغبية الخاضعة ولو حطمت المرأة تلك الصورة الذهنية تجد نفسها وحيدة مطلقة.

والأكثر ذكاء من الرجال يحاول إقناع المرأة بأن العقل يشوه أنوثتها والذكاء يفسد طبيعتها والتفكير يدفعها إلى الجنون.

إنها نفس نظرية أطباء النفس فى القرون الوسطى الذين أطلقوا اسم «هيستريا» على حالات الجنون التى تصادفهم والترجمة الحرفية للهيستريا: «رحم المرأة».

فى ذلك الوقت كان الكهنة يساهمون فى تشخيص الحالات النفسية والعقلية ويسمون النساء: الساحرات الشريرات وسبب الوصف أن السحر يأتى من شبق نساء لا يرتوين أبدا لذلك عوقبن بالحرق والشنق والسجن حتى الموت.

إن جان دارك التى قادت ثورة خلدها التاريخ فيما بعد اتهمت بالسحر والجنون وأحرقت ولم يفهمها الرجال على حقيقتها إلا بعد موتها بحوالى خمسمائة سنة حين كرمت عام 1920 واعتبرت شهيدة قديسة تمنح البركة لمن يزور قبرها.

وتفجر نوال السعداوى حقيقة طبية لم ينفها أحد.

إن الجنين ينشأ فى الأصل أنثى ويستمر أنثى حتى الأسبوع السادس حين يبدأ الهرمون الجنينى الذكرى فعله حتى الشهر الثالث من حياته بينما أعضاء الأنثى تتكون وحدها فى البداية دون حاجة إلى فعل الهرمونات المؤنثة.

من هنا أعلنت أن «الأنثى هى الأصل».

ويفضل الرجل المرأة التى أجريت لها عملية ختان وحرمانها من الجزء الحساس ليضمن ألا تطالب بما لا يستطيع.

والنتيجة أن نساء هنا وهناك (بنسبة كبيرة قد تصل إلى 90 فى المائة) لا يصلن إلى ذروة النشوة ولكن لا يقدرن على الاعتراض وإلا طلقن وألقين خارج البيت أو اتهمن بالفجور.

وفى الوقت الذى يفرض نوع من الرجال على زوجته التصرفات المحافظة فى الفراش لتظل فى عينه محترمة يعيش حياة منفلتة مع عشيقته يطالبها فيها أن تتصرف كعاهرة.

إن الخوف من الجنس هاجس مزمن يسيطر على غالبية الرجال ويدفعهم إلى المخدرات والمقويات المكلفة مليارات الجنيهات وإذا لم تفلح أشهروا فى وجه المرأة سلاحهم السرى واتهموها بالبرود.

ولكن مع الحروب العالمية المتكررة التى حصدت ملايين من الرجال قتلوا فيها وجدت المجتمعات الصناعية نفسها مجبرة على تشغيل المرأة وبمزيد من الضغوط تساوت فى الأجر ثم نالت حق التصويت ودخلت البرلمان وأصبحت رئيسة حكومة قادرة على تغيير مجتمعها إلى الأفضل ولتذكر ما فعلت مارجريت تاتشر فى بريطانيا.

وبسبب معاناة المرأة الأوروبية والأمريكية والآسيوية (أحيانا) فى الحصول على ما وصلت لم يستطع الرجال سلب المساواة التى تمكن منها.

على خلاف المرأة فى مجتمعاتنا العربية التى نالت مكاسبها بقرار من الرجل دون ذرة عرق واحدة فلم تتمسك بها بل تحمست للتفريط فيها.

هناك من لا تزال ترى: « إن ظل رجل أفضل من ظل حائط».

وهناك من تقبل بنصف أو ثلث أو ربع رجل يتزوج من اثنين إلى أربع نساء.

وهناك من ترى أن الرجل سيدها وتاج رأسها ولو ضربها وأهانها.

وتلاحظ نوال السعداوى أن المرأة فى العصر الحديث خدعت أكثر مما خدعت فى العصور القديمة ذلك أن حقيقة وضعها الأدنى وسلبها من حقوقها أصبح مغلفا بالاحترام الظاهرى والإتيكيت والمعاملة الرقيقة أمام الناس وبسبب هذا الغلاف الخارجى لم تر المرأة أن وضعها مازال هو الأدنى وأن زوجها وإن كان يفتح لها باب السيارة أو يجعلها تدخل من الباب قبله فهو لا يزال الوصى عليها بحكم قانون الزواج ومازال من حقه أن يعاشر أى امرأة يشتهيها ويتزوج غيرها فى أى وقت ويطلقها فى أى وقت وتحكم فى دخولها وخروجها وسفرها وجسها وكل شىء.

أما هى فلا تستطيع أن تفعل أى شىء من هذا وليس لها أن ترفض أو تتذمر وإنما تطيع وتستكين وتهدأ لأن الطاعة والاستكانة والهدوء صفات الأنوثة الكاملة.

أما الرفض والتذمر فهى صفات ذكرية عدوانية تسىء إليها فى نظر الناس وتشوه أنوثتها وتجعلها من هؤلاء النساء غير الطبيعيات أو المريضات نفسيا.

ولهذا السبب تستكين معظم النساء ويكبتن فى أعماقهن الكراهية للرجال وللحياة ولكل شىء بما فى ذلك أنفسهن.

وبسبب كراهية أنفسهن يكرهن النساء الأخريات أيضا وبالذات أولئك النساء اللاتى يكشفن الواقع عليهن فكأنهن يكشفن عن الجرح العميق المؤلم الذى ينزف كل يوم ببطء.

وبسبب الذعر والكراهية تمقت معظم النساء أولئك القلة القليلة من بنات جنسها اللائى يرفضن الظلم ويحاولن الإصلاح أو ينادين بالمساواة والحرية للمرأة.

وبتلك الكلمات فسرت نوال السعداوى سر الحملات السوداء عليها من الرجال والنساء سواء.

ومثل جان دارك لن تنصف إلا بمرور الزمن.

ولكن فى ظل انتصار الجهل على العلم والخرافة على الحقيقة والوهم على الوعى هل سيأتى هذا الزمن فعلا؟.