دراسة: إجراءات الحكومة لتحفيز الاقتصاد ضد كورونا غير كافية

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


تراجع شديد فى النمو بنسبة 1.7% منذ إبريل 2020.. وقانون الخصم من الرواتب والمعاشات ساهم فى ركود الأسواق

أكدت أحدث دراسة اقتصادية صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن إجراءات الحكومة لم تكن كافية لتعويض الآثار السلبية الناتجة عن فيروس كورونا، والتى ترتب عليها حدوث انكماش اقتصادى نتيجة لتراجع الاستثمارات.

وأشارت الدراسة التى أعدها الدكتور عبد الفتاح الجبالى - المستشار الاقتصادى بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إلى أن معدل الاستهلاك ساهم فى الحد من هذه الآثار، حيث حقق الاقتصاد معدل نمو 3.6% خلال 2019/2020، وهو معدل جيد جداً فى ظل الأوضاع السائدة.

لكن الدراسة لفتت إلى أن المؤشرات توضح التراجع الشديد فى النمو منذ الربع الثانى من عام 2020، حيث تحقق نمو سالب بنحو 1.7%.

جاءت الدراسة تحت عنوان «آليات تحفيز الاستهلاك المحلى والنمو الاقتصادى»، وضمن سلسلة غير دورية باسم «رؤى على طريق التنمية»، وتهدف إلى إحداث تكامل بين بحوث الخبراء وجهود الدولة، والوصول إلى استراتيجيات قابلة للتنفيذ.

وأشارت إلى أن الاستهلاك النهائى هو المحرك الرئيسى للنمو، مقارنة بالاستثمار والتجارة الخارجية، ولذلك تناولت أسباب تراجع الاستهلاك الخاص فى فترة كورونا، والإجراءات الحكومية التى اتخذت لزيادة الطلب والسياسة المقترحة لتنشيطه.

وبالرغم من أن حجم الاستهلاك فى مصر وفقا للدكتور إبراهيم عشماوى - مساعد أول وزير التموين، وصل إلى 2.1 تريليون جنيه، منها 700 مليار جنيه على الطعام والشراب خلال 2020، إلا أن الدراسة رصدت أسباب تراجع الطلب الكلى خلال فترة الجائحة، والذى يعود بالأساس إلى أن الدخل من العمل هو المصدر الرئيسى للدخل فى مصر، وأدى انتشار فيروس كورونا إلى الانسحاب من سوق العمل وبالتالى انخفاض دخول حوالى 75% من الأفراد، إما بسبب التعطل أو تخفيض الأجور، حسب دراسة جهاز التعبئة والإحصاء عن أثر كورونا على الأسر المصرية.

ولفتت الدراسة إلى أن هشاشة سوق العمل المصرية زاد من تعقد المشكلة، حيث يستحوذ القطاع غير الرسمى على معظم الوظائف الجديدة، مع زيادة فى الطلب على العمالة المؤقتة.

وتشير الإحصاءات إلى تراجع معدل التشغيل فى المجتمع من 45% عام 2010 إلى 39% عام 2019، ثم إلى 38% فى الربع الثالث من 2020 (من يوليو إلى سبتمبر)، وإلى انخفاض نسبة من يعملون عملاً دائماً إلى 73%.

من ناحية أخرى ارتفعت نسبة العاملين فى عمل متقطع إلى 20%، ونسبة العاملين فى عمل مؤقت إلى 6%، وتصل نسبة المتعطلين الذين سبق لهم العمل 31% من إجمالى المتعطلين.

ورصدت الدراسة سببا آخر لتراجع استهلاك المصريين فى فترة كورونا، وهو الإجراء الذى اتخذته الحكومة بإصدار قانون خصم 1% من أجور العاملين بالدولة، و0.5% من أصحاب المعاشات، وهو ما أثر على الدخول، وبالتالى حجم الإنفاق والقوى الشرائية للمواطنين.

وخلصت الدراسات التى أجراها جهاز التعبئة العامة والإحصاء عن أثر فيروس كورونا على استهلاك الأسر، إلى انخفاض استهلاك بعض السلع الأساسية كاللحوم والطيور والأسماك والفاكهة، مقابل ارتفاع الاستهلاك من الأرز وزيت الطعام والبقوليات، مع زيادة استهلاك الأدوات الطبية والمطهرات والمنظفات، وفواتير الإنترنت.

وتشير نتائج بحث الدخل والإنفاق 2017/2018 إلى أثر انخفاض نصيب الفرد من الإنفاق على مجموعة الطعام والشراب على مستويات المعيشة والفقر، حيث أدى ذلك إلى زيادة نسبة الفقراء إلى جانب أن العمل فى القطاعات الهامشية أو خارج المنشآت أو العمل بشكل مؤقت، تعد كلها أسباب أدت إلى مزيد من الفقر.

وأوضحت الدراسة أن تراجع معدل التضخم من 20.9% فى عام 2017/2018 إلى 5.7% عام 2019/2020 لا يعنى بالضرورة انخفاض الأسعار، لكنه يشير إلى أن الزيادة تم احتواؤها أو على الأقل لم تزد إلا بمعدلات أقل من المعدلات السابقة، وهو ما يعنى أنه يمكن أن ترتفع الأسعار وينخفض معدل التضخم.

وقالت الدراسة إن الهدف الأساسى للسياسة الاقتصادية ليس تحقيق معدل تضخم يساوى صفرًا، بل تحقيق الاستقرار فى الأسعار مع معدل تضخم يضمن تحقيق النمو.

وأشارت الدراسة، إلى أن الحكومة اتخذت 6 إجراءات لزيادة معدلات الطلب والاستهلاك، على رأسها مبادرة «مايغلاش عليك» لتشجيع شراء المنتج المحلى، وصرف منحة العمالة غير المنتظمة لمدة 6 أشهر، وتخفيض سعر الفائدة، ورفع حد الإعفاء الضريبى، وزيادة مبالغ برنامج تكافل وكرامة، بالإضافة إلى القيام بالتوسع فى الإنفاق الاستثمارى، وذلك بزيادة الاستثمارات العامة إلى 473.8 مليار جنيه فى قطاعات التنمية الاجتماعية والبنية الأساسية للحفاظ على معدلات نمو معقولة، وذلك فى مواجهة تراجع الاستثمارات الخاصة، وانسحاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الأسواق المحلية.

واقترحت الدراسة 5 خطوات لتنشيط حركة الأسواق ومواجهة الركود الناتج عن كورونا، من بينها تقديم قروض بشروط ميسرة للموظفين، وذلك من خلال قيام وزارة المالية بالتنسيق مع البنك المركزى بتقديم هذه القروض للعاملين فى الجهاز الإدارى والهيئات الخدمية، والمحليات، والهيئات الاقتصادية، وذلك بمبلغ يتفق عليه بين الطرفين، وبضمان الراتب المحول أساسا للبنوك.

وأوضحت الدراسة أن ميزة هذا الاقتراح أنه يذهب إلى الشريحة ذات الميل العالى للاستهلاك، ما يزيد الطلب والنمو الاقتصادى، خاصة أن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة السيولة الفعلية بالعملة المحلية لدى الجهاز المصرفى تصل إلى 40.5% مقابل نسبة قانونية 20%، وهو ما يدل على أن هناك فائض سيولة لدى البنوك لا تستطيع استخدامه بالشكل الأمثل، ما يزيد من عبء تكلفة الأموال عليها.

الخطوة الثانية هى العمل على تخفيض الأسعار، خاصة من جانب القطاع الخاص، ويتطلب ذلك وجود جهاز إنتاجى متنوع وقوى وقادر على إحلال الواردات، مما يتيح مزيدًا من السلع، وهو ما يمكن من خفض أسعار المنتجات الرئيسية التى يستهلكها العدد الأكبر من المواطنين.

وأكدت الدراسة أن هناك إمكانيات هائلة لتنفيذ هذا الاقتراح، حيث تتسم السوق المصرية بارتفاع هامش الربح بصورة كبيرة، خاصة فى مجال السلع الاستهلاكية والغذائية، والذى يتراوح بين 40 إلى 75%، فى حين لا يتجاوز نظيره فى الأسواق العالمية 8%، وأن تخفيض الأرباح بنسبة معقولة لن يؤثر على حجم استثمارات القطاع الخاص، بل يزيدها.

وأشارت إلى أن هناك فرصة لذلك فى الظروف الحالية، حيث إن معظم تكاليف الإنتاج ثابتة ومعقولة إلى حد كبير، فأجر العامل المصرى من أرخص الأجور خاصة مع رفض تطبيق الحد الأدنى للأجور من جانب معظم المستثمرين، كما أن أسعار مواد الإنتاج مناسبة تماما رغم زيادتها فى الفترة الماضية، إذا ما قورنت بالدول المنافسة، خاصة فى ضوء الامتيازات الأخرى التى يحصل عليها هذا القطاع.

وهو ما ينفى الأقاويل التى يروجها بعض المستثمرين من أن الظروف الحالية غير مشجعة على تخفيض الأسعار، فى ضوء زيادة أسعار مواد الإنتاج وأسعار الطاقة.

الخطوة الثالثة هى زيادة الإنفاق العام على الجوانب الاجتماعية وتوسيع الحيز المالى، حيث يؤدى ذلك إلى زيادة الاستهلاك والطلب على الاستثمار فى قطاعات الاقتصاد، ويجب أن تحدد الحكومة بدقة المجالات التى يجب أن يكون لها دور واسع بها، والأخرى التى لا ينبغى أن يكون لها دور على الإطلاق، وهو ما يحسن كفاءة الإنفاق العام.

وتشير الإحصاءات إلى تراجع نسبة الإنفاق العام الحكومى من 30.2% عام 2015/2016 إلى 24.7% عام 2019/2020، أى أن الخفض فى عجز الموازنة جاء على حساب المصروفات العامة وليس زيادة الإيرادات، والتى تراجعت نسبتها للناتج من 18.1% إلى 16.8% خلال نفس الفترة.

وهو ما كان يتطلب مزيدًا من المرونة فى التعامل مع الموازنة عن طريق إعادة النظر فى الحد الأقصى للعجز والدين العام، مع ضرورة زيادة الإنفاق على الصحة وبرامج الدعم الاجتماعية.

وأكدت الدراسة أنه لا يجب التمسك بتحقيق فائض أولى أو حتى تخفيض عجز الموازنة، بل يمكن السماح بتحريك العجز عن طريق زيادة الإنفاق العام بشرط أن يؤدى ذلك إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، وهو ما يضمن وصول ثمار النمو إلى الفقراء والطبقة الوسطى.

الخطوة الرابعة هى تطبيق نظام الدخل الأساسى الشامل، وهو عبارة عن مبلغ معين من المال لكل مواطن دون شروط مسبقة، والذى تحاول بعض الدول تطبيقه حالياً، ولفتت الدراسة إلى أن الأوضاع فى مصر تتيح تطبيقه، على أن يتم البدء بدمج برامج الحماية الاجتماعية القائمة مثل تكافل وكرامة ومعاشات الضمان الاجتماعى فى نظام واحد.

ويتم التمويل أساساً من الخزانة العامة، انطلاقا من الدور الأساسى للإنفاق العام، وأضافت الدراسة أنه لا ينبغى النظر لهذا النظام على أنه عبء غير قابل للاستمرار لأن تكلفته ليست فى متناول الموازنة، بل تجب إعادة توزيع إيرادات الدولة على بنود الإنفاق المختلفة، وفقاً لأولويات المجتمع.

وأخيرا لفتت الدراسة إلى أهمية الاستمرار فى سياسة الدعم، والتى تشكل ضرورة ملحة لمستويات الدخول فى مصر، حيث أشار بحث الدخل والإنفاق عن عام 2019/2020 إلى أن هذه السياسة ساهمت فى الحد من معدلات الفقر بنسبة 10%، حيث ساهم دعم البوتاجاز فى الحد من الفقر بنسبة 4.3%، ودعم الكهرباء بنسبة 2.8%، والغذاء بنسبة 3%.

وأوصت الدراسة بالبحث عن أنسب السبل لتؤدى هذه السياسة النتائج المرجوة منها، وذلك بإعادة ترتيب أولويات وأدوات الدعم بشكل يضمن انحيازه للفقراء من ناحية، ومن ناحية أخرى يوفر بديلاً عمليًا لتخفيف الضغوط على الموازنة.