د. رشا سمير تكتب: وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق
مما لاشك فيه أن الحدث الأعظم في الأيام الماضية كان ولازال هو موكب المومياوات الذين تم نقلهم من المتحف المصري إلى متحف الحضارات في إحتفال يليق بملوك رفعوا إسم مصر عاليا وأسسوا حضارة هي عنوان أجيال رحلت وأجيال آتية..
حدث هز مشاعر المصريين وخلق داخلنا طاقة إيجابية تسمح لنا بأن نستلهم منها إنجازات لآخر العمر..ولكن يبقى السؤال: هل بالبناء وحده تنهض الدول؟..
الحقيقة أن الإجابة كتبها الشاعر المصري العظيم حافظ إبراهيمفي قصيدته الشهيرة (مصر تتحدث عن نفسها) القصيدة التي أصبحت عنوان كل المناسبات الوطنية في مصرنا الغالية..
قالها حافظ إبراهيم في بيت شعري بليغ:
(( وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخــــــلاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجــدي *** نَحنُ نَجــــــــــــتازُ مَوقِـفاً تَعثُـرُ الآراءُ فـيهِ وَعَثـرَةُ الرَأيِ تُردي ))
الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي جعل كل مصري يفتخر بمصريته وكل عربي يفتخر بعروبته وهو يقف على باب المتحف شامخا أبيا يستقبل ملوك مصر القدامى، ويُعلن للعالم كله أنه إمتداد لهذه الحضارة العظيمة..وهي رسالة للعالم بأسره لكي ينظر إلى مكانة مصر اليوم في حين أن باقي الدول المجاورة تتداعى وتسقط كل يوم في قبضة الإرهاب والتحديات التي تجابه المنطقة، ولازالت مصر بفضل الله وفضل قيادة سياسية حكيمة صامدة وشامخة ومثال يحتذى به شاء من شاء وأبى من أبى..
الواقع أن ما كتبه حافظ إبراهيم وغنته أم كلثوم ليس مجرد قصيدة تحولت إلى أغنية بل هي رسالة للأجيال الآتية لو فهموا مغزاها..
(وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق، فالعلم وحده ليس يجدي) تلك الكلمات هي خلاصة الموضوع، والحل الوحيد لنهضة حقيقية قوية، ففي حين أن الدولة تبني وتسعى للتطوير فلازال هناك شخص ما يكتب على الحائط ( أحمد بيحب شيماء)!..ولازال هناك شخص ما يلقي بالقاذورات في قارعة الطريق وصندوق القمامة على بُعد خطوات منه!..
إن دولة الأخلاق داخلنا قد إنهزمت في مواقع كثيرة..فلازال هناك موظف يطلب رشوة لتخليص مصالح المواطنين، وأمين شرطة يتقاضى إكرامية تحت بند (عايزين نشرب شاي)..
وموظف يتحدث في ظهر زميله حتى ينال ترقية أو مكافأة..ورجل يضرب زوجته..وشاب يغتصب طفلة عمرها سنوات..وعم يحرم أولاد أخيه من الميراث حتى لو كانوا مسئوليته..وصاحب قلم يزيف كلمته من أجل منصب أو مال..وشاهد يشهد شهادة زور دون الخوف من يوم يلقى فيه ربه..
خلاصة القول أن الموكب الملكي كان حدثا عظيم ولكن الأعظم أن نترك لأبنائنا وأحفادنا ما يصنع لهم موكبا جديد..يكون عنوانه (موكب الأخلاق).
لقد قالها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..
اليوم هو واجبنا أن نغرس الأخلاق في أبنائنا لكي يأتي جيلا ربما كان مختلفا وربما إستطاع أن يُحدث إختلاف، ربما أعادنا إلى يوم كانت فيه الأخلاق هي عنوان البيوت والنفوس..فحين تتهاوى القدوة تسقط الأخلاق.
لا يصح أن يُصبح المال والأضواء هما فقط قدوة الأجيال الآتية..ولا يصح أن نقتل في نفوس أبنائنا القيم بدفعهم لمشاهدة مسلسلات وسماع أغنيات عنوانها الإبتذال والتردي بدعوة أن هذه هي سمة العصر وأن الوقت إختلف وأن الأدوار تتبدل وأن اللغة السوقية هي لغة الواقع، وأن الألفاظ المتدنية هي إنعكاس لنبض الشارع!..
لا أنسى أن الكراريس التي كنا نتسلمها من المدرسة ونحن صغار كان مكتوب على ظهرها نصائح عديدة منها (لا تكذب) ( حب لأخيك كما تحب لنفسك) ( لا تغش) وغيرها..ربما تبدو تلك طريقة ساذجة اليوم ولكن الحقيقة أنها بالأمس شكلت وجدان جيل كامل.
الثقافة والفنون دون شك هما الطريق الأكيد لسمو النفوس وإرتقاء البشر، هكذا إنبهر العالم بمتابعة الأوركسترا الموسيقي والغناء الراقي المصاحب لموكب المومياوات..فياليتنا نتعلم!.
دعونا نستكمل الطريق الذي بدأه أجدادنا..دعونا ننهض بوطننا بأخلاق أبائنا..
دعونا نعلم أبنائنا أن الإحترام والصدق والتفاني والتواضع والعطاء هم الموكب الملكي القادم.