عمرو خالد: منزلة التقوى وسر الوصول لرضا الله (جوائز ربانية رائعة للمتقين)

إسلاميات

بوابة الفجر


عرّف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، "التقوى" بأنها أول منزل من منازل الروح السبعة الموصلة للإحسان، الذي هو أعلى مراتب الإيمان، وجزاء لها، أعد الله الجنة، نزلًا للمتقين في الآخرة.

وأشار إلى ورود كلمة "التقوى" في القرآن الكريم في أكثر من 285آية، وكانت في أول آية منه: "الم (*) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَۛ فِيهِۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"، وآخر آية نزلت من القرآن قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة ليال: "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه".

وقال خالد في ثاني حلقات برنامجه الرمضاني "منازل الروح"، إن التقوى معناها: اجعل بينك وبين غضبه وقاية، وهي وقاية مستمرة لمكامن الخلل في إدارة الحياة لتأمين مستقبلك الدنيوي والأخروي، وهذا يعني أن التقوى ليس تدينًا بلا عقل، فهي قمة العقل، لذلك تتطلب نضجًا ووعيًا ورؤية، لأجل هذا دائمًا القرآن يربط التقوى بالنظر للمستقبل "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"، "وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ".

وأضاف: "فالتقوى هي سر محبة الله تعالى لمن تحلى بها، "فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"، وبها تكون في معية الله "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"، ومن كان الله معه فما الذي يمكن أن يخيفه في الدنيا".

وتابع: "وأكرم الناس عند الله المتقين "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، والتقوى جعلها الله الغاية الكبرى من الصيام، فما كتب الصيام علينا إلا لهذا الهدف "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"، أي اجعل صدقة التمرة وقاية وحاجزًا بينك وبين النار.

وفيما تساءل: "كيف أعرف أنني من المتقين، وهل هناك طريقة لقياس التقوى، أحدد بها موقفي منها ومكاني منها؟"، أجاب خالد: "هي: أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك، أمرك ببر الوالدين، يجدك تقبل أيديهما، أمرك بصلاة الفجر تقوم من النوم لأدائها، نهاك عن أكل الحرام، لا يجد في جيبك مليمًا حرامًا، نهاك عن ظلم المرأة، لا يجدك تأذي امرأة، أمرك بغض البصر، يجب أن تغض بصرك، نهاك عن الغيبة والنميمة، لا تغتب ولا تنم، فتكون بذلك ممن تحققت فيهم صفة المتقين".

وشدد على أن "هذا يعني قابلية التقوى للقياس، لكنه الأمر جد صعب، فمن ذا الذي يستطيع أن يتقي ربنا طول اليوم؟"، موضحًا أنه "عندما نزل قول الله تبارك وتعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ"، وجد المسلمون فيها صعوبة بالغة في التطبيق، لكن لأن ربنا رحيم حنون ودود خفف علينا، فجاءت الآية التي تليها: تقول "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ".

ولفت إلى أن الإمام الحسن البصري يفسرها بأن حد الاستطاعة أن يغلب على يومك تقوى الله، أي ما يتراوح بين 60 إلى 70 في المائة.

وشدد خالد على أن "الهدف من صيام رمضان، هو التدريب لمدة 30 يومًا على التقوى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، فلو عشت بهذا المعنى، تكون في منزلة التقوى، وتحقق الهدف المقصود من الصيام، وتجني الجوائز التي أعدها الله للصائمين، وتكون ممن استجاب اللهم في ليلة القدر".

وحذر خالد من أنه عندما تفقد التقوى، "تحدث فجوة بين الظاهر والباطن، تجعلك تعيش وكأنك تضع على وجهك "ماسكات"، فتعاني من إرهاق نفسي حاد يتصاعد تدريجيًا من ضغط، حتى يصل إلى شعور الاكتئاب واليأس".

وبين أن "فقد التقوى يؤدي إلى فقد المصداقية، لأنه أول مظاهر انعدام التقوى تظهر في معاملة الناس (فقد الصدق والأمانة)، وفقدهما يؤدي إلى فقد سمعتك، وبالتالي إحجام الناس عن التعامل معه اجتماعيًا؛ وبالتالي فقد حب وثقة الناس".

واعتبر التقوى "هي أول خطوة لتصل إلى الله، فلا يمكن أن تصل لحب الله إلا بالتقوى، صور الشهوات والرغبات الكثيرة المطبوعة بالقلب تمنعه من الوصول إلى الله، ولن يصل إلا بالتقوى: فكيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟".

ومضى إلى القول: "لن تصل للإحسان إلا بالتقوى، والقرآن ربط بشكل مستمر التقوى بالإحسان لأن معنى إنك تتقي الله أنك تراه وتشعر به "كأنك تراه"، "إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"، " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"، "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ".

وأوضح: "والمنازل كلها والإحسان كله والدين كله لا يمكن تصل إليه إلا بالتقوى والتحكم في الذات، والتقوى في القرآن أمر رباني لكل البشرية بشكل رأسي وأفقي، لتشمل كل شرائح البشر، فلا يوجد أمر آخر في القرآن شمل كل أنواع البشر مثل التقوى أمر بها الله البشرية كلها.. كل خلقه رجالًا ونساءً.. أنبياء ومؤمنين".
وحدد خالد 10جوائز رائعة للتقوى، خمسة في الدنيا ومثلها في الآخرة، لأن التقوى ترك متعة خطأ في المدى القصير من أجل متعة أكبر في المدى البعيدـ فكان لابد أن يكون هناك جوائز من الله للمتقين واضحة وكبيرة لتتعلق بها.
 
جوائز التقوى في الدنيا:
- تفريج الهموم والكروب: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا"
- فتح أبواب الرزق الواسع: "وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".
 
-تيسير أمور الحياة كلها: "ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"
-قوة التعلم: " وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ"، لماذا: إزالة الشواغل عن العقل والتركيز.. هناك قانون في الإدارة شرط لتحقيق النجاح، اسمه (focus) أي ركز على الهدف، والتقوى تحقق هذا القانون. مثال: شخص يدرس دكتوراه لكنه طول النهار يجلس على المقهى لمعاكسة البنات، لن يكون مثل من اتقى وركز في عمله.
وقد ثبت علميًا أن التفوق الدراسي مرتبط بصفة التحكم الذاتي أكثر من ارتباطه بمستوى الذكاء، لأن الشخص الذي يتمتع بالتحكم الذاتي يستطيع إجبار نفسه على الجلوس للمذاكرة لفترة طويلة مقاومًا الرغبة في القيام بأشياء أكثر إمتاعًا.

- الأمان.. لا خوف ولا حزن: "فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ" أنت في أمان بتقواك لا تخاف من شيء في الدنيا، لأن الله معك: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ"، هذا وعد من مالك الملك.. عهد وأمان وسلام فلا خوف في الدنيا ولا حزن في الآخرة، وهذا الوعد ليس لك فقط لكن لك ولأولادك أيضًا: "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفهمْ ذُرِّيَّة ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، فَلْيَتَّقُوا اللَّه وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا".
 
جوائز الآخرة:
- النجاة من الصراط: "وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"، وعد من الله المتقين بالنجاة.
 
- تعظيم الثواب أضعافًا كثيرة تأتي يوم القيامة لك حسنات مثل غيرك، لكن حسناتك تتضاعف كالجبال، لأنك كنت من المتقين فترتفع درجات أعلى وأعلى في الجنة: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا"
- التكريم الرفيع كالوفود الخاصة، فهم وفد الرحمن: "يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا"، فالمتقون يوم القيامة يعاملون معاملة الوفود الخاصة المكرمة فالناس في فزع يوم القيامة إلا المتقين في ضيافة الله وتكريمه.
الجنة كلها للمتقين: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"، " لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ".
الصحبة الحلوة في الجنة: "وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ"، " الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ"، فالمتقون يجمعون أهلهم وأحبابهم معهم في درجات الجنة الأعلى.

وبينما تساءل: كيف أصل للتقوى؟، حدد خالد 7 خطوات هامة عليك بتطبيقها خلال رمضان:
.اكتب عندك في مكان واضح جوائز التقوى العشرة في القران
.حافظ على الصلوات الخمس وبر الوالدين لأنها أكبر درجات تحقيق التقوى.
.حافظ على ورد ذكر يومي لمدة 20 دقيقه يكون الاستغفار أساسي "لتكون التقوى بحب وليس بخوف".
.ثبت عملًا أو أكثر من أعمال خير في اليوم، ليزيد معدل التقوى في حياتك فوق الـ 60%.
. لو حصل خطأ، لا تيأس وتب بسرعة لتعود فورًا لدائرة التقوى
. اختر ذنبًا كبيرًا في حياتك وابحث عن أسباب فعلك له وأوقفه.. خاصة الكذب والغش فهما ألد أعداء التقوى.
. أنشئ بجوار حياتك حياة صحية موازية جديدة (مثلا يومين في الأسبوع) مثال: هواية جديدة، عمل خيري، صحبة صالحة، صلاة في المسجد.. وأهم شيء فيهم: الذكر، حتى تحب الله فتتقيه وحدك.

وبين خالد أن هناك طريقين لتحقيق التقوى، والوصول إلى الله.
الطريق الأول هو: إصلاح عيوب النفس ومجاهدتها وهذا الطريق صعب وطويل، لأن مشاكل النفس كثيرة ومعقدة ومتنوعة، ودراسة النفس عملية معقدة وصعبة حتى علماء النفس تاهوا في تفسير سلوكها، لذلك فإن معرفة النفس وعلاجها وتقويمها أمر صعب لا يجيده ولا يقدر عليه أغلب الناس، ومجاهدة النفس أيضًا صعبة وتحتاج محاولات مستمرة قد تنجح وقد تفشل.

أما الطريق الثاني للوصول إلى الله، فهو أكثر يسرًا وسهولة وهو أن تتوجه إلى الله ذاكرًا متفكرًا وتترك له إصلاح نفسك.. فالله هو مالك نفسك وخالقها وهو أدرى بها.. ميزة هذه الطريقة: السهولة.. فقط دع نفسك لخالقها.. ماعليك إلا أن تبدأ بالذكر والفكر وتذهب إلى الله بنفسك بعيوبها ومشاكلها وهو أرحم بك منك وأدرى بك منك بنفسك "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ". ولذلك فإن الذكر والفكر هما أقصر طريق للوصول إلى الله ومحبته.