منال لاشين تكتب: التاريخ بين «أحمس» و«صلاح الدين»
فى إطار حالة الزهو والفخر بحفل نقل المومياوات والشعور الوطنى الجارف أصيب مسلسل (الملك) عن الفرعون أحمس بنيران صديقة، فقررت الشركة المنتجة وقف العمل لحين انتهاء لجنة مشكلة خصيصا لبحث العمل الذى خرج عن المألوف والتقاليد فى عصر الفراعنة، ووصل الأمر أن الشركة أعلنت أنها مع رأى اللجنة حتى لو أدى إلى عدم عرض المسلسل.
بداية أنا ضد منع عرض أى عمل إبداعى كتاب أو فيلم أو مسلسل أو لوحة فنية، المنع لم ولن يكون حلا، وبعيدا عن أخطاء أو بالأحرى خطايا المسلسل من ملابس أو ذقن أو شعر الفراعنة على رأسهم الملك أحمس، فإن من حق أصحاب العمل أن يحصلوا على فرصة عرض منتجهم ونترك الحكم للجهور والنقاد.
وحكاية أن العمل غير دقيق تاريخيا هى نكتة لا تصدر عن متخصص فى الإبداع، فالمنتج الإبداعى له حق تأسيس رؤيته الخاصة جدا دون أن يلتزم بالأمانة التاريخية أو الأحداث التاريخية سواء فى ترتيب أحداثها أو تسجيل الأحداث نفسها أو إضافة أى أحداث درامية تخدم العمل الإبداعى، وإلا تحول العمل الدرامى إلى فليم وثائقى.
ومن البورمو الذى عرض للمسلسل يمكن أن ندرك أن هناك هدفًا للمسلسل هو التأكيد على أن المصريين قادرون على دحر أى عدو والحفاظ على دولتهم وأرضهم، وقد اختار أصحاب العمل التاريخ الفرعونى لتنسج منه وحوله أحداث المسلسل.
والحقيقة أن كل من قرأ (كفاح طيبة) يعرف أن أديبنا الكبير نجيب محفوظ لم يلتزم بنقل الأحداث التاريخية بالحرف، لأنه عمل إبداعى.
ولو طبقنا قاعدة منع الأعمال الفنية لعدم التزامها بالتاريخ فسوف نضطر إلى منع الفليم العظيم صلاح الدين وعقد محاكمة للمبدع الكبير يوسف شاهين، فالفيلم الرائع لم يعكس التاريخ ولم يلتزم بنصوصه سواء فى شخصية صلاح الدين أو بعض الأبطال والمعارك والأحداث، عيسى العوام لم يكن مسيحيًا، ووالى عكا لم يكن خائنا كما ظهر فى الفيلم، وتاريخيا فإن انتصارات صلاح الدين يوازيها إنجازات بعض خلفائه فى العصر الأيوبى، فطبقًا للتاريخ لقد تراجع ريتشارد قلب الأسد عن مواصلة الحرب بسبب انقلاب أخيه «جون» عليه فى إنجلترا.
ولكن الفيلم كان يهدف إلى تمجيد البطولات العربية والوحدة الوطنية والبطل القومى فى شخصية صلاح الدين الأيوبى.
أما فليم (وا إسلاماه) فهو خلطة فنية بديعة تأخذ من التاريخ الإسلامى ودولة المماليك عباءة أو إطارًا للفيلم، ففى الحقيقة بيبرس قتل قطز لأنه تصور أن قطز سيقتله، وشجرة الدر لم تقتل بالقباقيب وطوران شاه ابن الملك أيوب لم يكن مريضا أو معتوهًا، وقاد بعض الحملات ضد الأعداء.
ولم يحدث فى التاريخ أن تم منع فيلم أو عمل إبداعى لأنه يزيف التاريخ أو لم يلتزم بملابسه أو بقواعد وإجراءات العصر الذى يتحدث عنه.
ولا يقلل دفاعى عن عرض المسلسل من خطيئة أصحابه فى عدم دراسة عصر أحمس وتقديم صورة أقرب إلى الواقع، لأن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى دراسة وتعمق فى كل تفاصيل العمل من أزياء وديكور وموسيقى وغيرها من عناصر العمل الإبداعى، وكل ذلك يتطلب المزيد من الوقت والجهد معا، ويبدو أن الرغبة فى لحاق موسم العرض الرمضانى قد دفعت بأصحاب العمل إلى التعجل والهرولة فى الانتهاء من مسلسل لو انتهى فى سنتين أو ثلاث لكان أمرًا عاديا .
افرجوا عن مسلسل الملك واتركوه يعرض، ويحدث جدلا ونقاشا فى المجتمع، وهذا النقاش سيكون فرصة لعرض المعلومات التاريخية الحقيقية عن العصر والملك، فمن أهم مزايا مثل هذه الأعمال أنها تحيى الاهتمام وتطلق حماس المشاهدين تجاه الفترة التاريخية والأبطال والرواية الأصلية، وخبراء النشر يعرفون أن عرض فيلم أو مسلسل عن رواية يزيد فورا من متابعتها وقراءتها بل قراءة كل أعمال الكاتب، وعرض المسلسل رغم أخطائه فرصة جيدة لإثارة الاهتمام بالتاريخ الفرعونى وقراءة هذا الجزء العظيم والعزيز من تاريخنا، ويمكن أن نتخذ من المسلسل مدخلاً لسلسلة من الحلقات التاريخية يقدمها علماء التاريخ الفرعونى من خلال الفضائيات.
ورمضان كريم وكل عام ومصر والمصريون والعرب بخير وقوة.