منال لاشين تكتب: لماذا يكره خصوم مصر القناة الجديدة؟

مقالات الرأي




كان فندق الفورسيزونز بالجيزة يحتضن مناسبة خاصة ومميزة.. التورتة وكل ديكورات القاعة اكتست باللون الأبيض تشبها بالجليد فى أمريكا، كانت المناسبة اختيار شاب مصرى لمنصب خطير فى البنك الدولى، وكان معظم المدعوين من الأجانب العاملين فى المؤسسات الدولية بمصر.

انتهى الحفل الفاخر وجميع المصريين الحاضرين فى دهشة ممزوجة بالوجوم، ليس لأن بعض الشباب الأمريكى والبريطانى أعد أغنية احتفال بالمناسبة، وغناها. ولكن لأن الأغنية كانت على أنغام أغنية (قولنا هنبنى ودى إحنا بنينا السد العالى) أغنية عبد الحليم حافظ وصلاح جاهين وكمال الطويل الشهيرة، وهى ملحمة تجمع ما بين أهم حدثين فى العصر الناصرى بناء السد العالى وتأميم القناة.

لم تذهب الدهشة أو بالأحرى الصدمة رغم مرور أسبوع، حين تقابلت مع بعض الأصدقاء الذين حضروا الحفل، كانوا غير مصدقين أن شبابًا ولدوا بعد معركة تأميم القناة بسنوات، وأجانب يعرفون ويحفظون لحنا وطنيا مصريا خالصًا، قلت لهم تفسيرا لم يعجبهم ولكنهم اضطروا إلى قبوله لعدم وجود تفسير آخر.

كان تفسيرى إن أحفاد المستعمرين لم ولن يتسامحوا مع تأميم القناة، ليس لأن معركة التأميم غيرت خريطة السياسة فى العالم كله فقط، ولكن لأنهم لم ولن يتسامحوا مع فكرة عودة القناة لمصر، لم ينسوا صدمتهم فى أن المصريين مع الأصدقاء من المرشدين اليونانيين قد نجحوا فى إدارة قناة السويس بعد انسحاب المرشدين الفرنسيين والإنجليز.

لم ينسوا أن نجاحنا فى إدارة القناة كان ومازال لحظة ملهمة وكاشفة لقدرات وحماس المصريين.

فالرجل الأبيض الاستعمارى لم ولن ينتهى تماما وإن تخفى تحت كلمات العولمة والتعاون الدولى.

وقد ظل هذا الفكر متأصلا يطل برأسه من حين إلى آخر، ولكنه انفجر عندما قرر الرئيس السيسى أن تكون أول مشروعاته هى قناة السويس الجديدة، فعلى الرغم من أن مصر لم تطلب قرضا من البنك الدولى ولا من أى مؤسسة، وعلى الرغم من أننا بنينا القناة الجديدة فى زمن قياسى ودون تعطيل أو مساس بحرية التنقل فى القناة، رغم هذا وذاك قامت الدنيا ولم تقعد.

وأنا هنا لا أتحدث عن الإخوان فقط ولا تركيا أو قطر، هؤلاء خصوم ظاهرون وشماتتهم أو حقدهم يفقدهم التأثير، ولكن الخواجات أحفاد المستعمر لهم طرق أخرى.

دراسات من مراكز بحثية اسمها (يخض)، وألقاب علمية تخفى أغراضها وراء الحياد والبحث العلمى والجدوى العلمية، بنوك عالمية وشركات عابرة للقارات ترفع لواء الجدوى الاقتصادية والحسبة الاستثمارية.

كل هؤلاء راحوا يحذرون من القناة الجديدة، ويبشروننا بالخراب المستعجل إذا تمسكنا بإتمام المشروع.

وكل هؤلاء صدموا من حماس وتمسك المصريين بقناتهم الجديدة، جمعنا أكثر من 76 مليار جنيه فى سبعة أيام عمل بالبنوك، ومنهم 2،5 مليار جنيه شهادات استثمار فئة 10 و100 جنيه، أصحاب هذه الشهادات يبحثون عن فرصة أو بالأحرى شرف المشاركة فى القناة الجديدة التى حفرها أجدادهم بدمائهم وأرواحهم،

إن رفض أو تشويه قناة السويس الجديدة هو امتداد للخوف الاستعمارى من تفجر قدرات المصريين، وسعيهم لتنمية بلدهم وبناء فصل جديد من حضارتهم.

ومرة أخرى ما إن حدثت أزمة السفينة حتى أطل الحقد الدفين على القناة الجديدة، صحيفة (وول ستريت)سارعت بعودة الحديث عن قناة السويس الجديدة، وكأن السفينة غرست فيها أو بسببها، وعلى غرار وول ستريت راحت صحف ومسئولون أجانب تفربك الشائعات والتحليلات المغلوطة والمسمومة ضد القناة الجديدة، فضلا عن التشكيك فى قدرة أهل مصر على إدارة الأزمة.

نفس العجرفة اللى ملأت أجدادهم عندما انسحبوا من إدارة القناة بعد التأميم متصورين أن المصريين سيفشلون حتما فى إدارة القناة، لأن الفرنسيين كانوا حريصين على إبعاد المصريين عن مهمة الإرشاد والمهام الفنية فى القناة.

ولكن المصريين أحفاد بناة القناة وأبناء من أمموها وحرروها أبهروا العالم مرة أخرى وليست أخيرة، والأهم أنها منحت المصريين لحظة إلهام وفخر تدفع عنهم الهم والمشاكل.

لحظات يستعيد فيها المصريون ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على تحدى المستحيل بالمعنى الحرفى للكلمة واستعادة أمجاد الماضى فى الاستقلال الوطنى ومنع أى أجنبى من اغتصاب حقوق مصر والمصريين وكل ذلك تترجمه قناة السويس القديمة والجديدة.

رمز الاستقلال وتحدى الأقوياء، ولحظة إلهام النجاح والإرادة.

رمز وإلهام تصلح فى كل المعارك من معركة تعويم سفينة إلى مياه القناة إلى الحفاظ على مياه نهر النيل.

رسالة جديدة متجددة أن إرادتنا ونجاحنا متصل الحلقات من الماضى للحاضر والمستقبل، نجاح يعد إعجازا طوال السنوات.

حفرنا القناة بالفأس، ودافعنا عنها فى حرب السويس بالحلل وزيت الطعام المغلى، وحررناها بالخراطيم وكبارى الحبال، وعومناها بالحفار الذى سخر منه المتكبرون.

مبروك لمصر وألف ألف شكر لكل مصرى ساهم بجهد بدنى أو فكرى فى تعويم السفينة فى وقت قياسى.

شكرا لكم شرفتونا ورفعتوا رأسنا ومعنوياتنا.