لعبة الحكومة للفوز بـ 5.5 مليار جنيه من رخصة السجائر الجديدة

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


73 مليار جنيه قيمة الاستهلاك السنوى للدخان.. و4 شروط تحمى «الشرقية للدخان» من أى منافسة

فى أول تطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر بنهاية العام الماضى، والخاص بوضع قواعد وضوابط جديدة لإجراءات طرح تراخيص صناعات الأسمنت والحديد ومنتجات التبغ وصناعة المشروبات الروحية على المستثمرين، أعلنت هيئة التنمية الصناعية خلال الأيام القليلة الماضية عن طرح رخصة جديدة لإنتاج السجائر. ومن المفترض أن تقدم الشركات عروضها الفنية والمالية بحد أقصى 4 أبريل المقبل، على أن يكون إجراء المزايدة فى 6 يونيو المقبل، إلا أن الإعلان الحكومى واجه انتقادات حادة من جانب الشركات الأجنبية الموجودة فى السوق، والتى تقوم ببيع منتجات الدخان.

وطالبت 4 شركات هى «أدخنة النخلة»، و«بريتش أمريكان توباكو»، و«أمبريال توباكو»، و«المنصور الدولية للتوزيع»، فى خطاب لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بتجميد المزايدة، ودراسة طرح رخص تسمح لجميع الشركات بالتصنيع.

وترى الشركات أن شروط المزايدة غير عادلة ولا تسمح بالمنافسة الحرة، بالإضافة إلى أن الوقت المتاح لتقديم العطاءات المخصص بشهر ضيق، ولا يمنحهم الفرصة لإعداد الدراسات.

على الجانب الآخر، هللت الحكومة لطرح الرخصة الجديدة التى سيبدأ سعرها بـ 350 مليون دولار، ما يعادل 5.5 مليار جنيه، قائلة بأنها ستنهى احتكار الشركة الشرقية للدخان للسوق، بما يصب فى صالح المستهلك، لكن الشروط المعلنة فى كراسة المزايدة المطروحة تقول إن الهدف من الرخصة الجديدة تجارى بحت، وهو بيع رخصة تصنيع لتوفير دخل إضافى يساهم فى زيادة إيرادات الدولة، مثلما جرى سابقاً عند طرح رخص شركات المحمول والأسمنت والحديد.

وتسيطر الشركة الشرقية للدخان المملوكة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام على صناعة الدخان فى مصر، وتبلغ حصتها من السوق 70% مقابل 30% للشركات الأجنبية، وتعد أكبر شركة فى الشرق الأوسط للسجائر تقوم بالتصنيع لنفسها وللشركات الأخرى فى السوق.

وانتقلت ملكية هذه الشركة للدولة المصرية بعد قرارات التأميم التى أعقبت ثورة 1952، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت بمثابة الدجاجة التى تبيض ذهباً بعد قناة السويس، وتضخ للخزانة العامة ما لا يقل عن 75 مليار جنيه قيمة الضرائب على صناعة السجائر، بما يعادل حوالى 4.7 مليار دولار، تشكل أكثر من 4% من إيرادات الموازنة العامة.

وبنهاية فبراير 2019 طرحت الحكومة 4.5% من أسهم الشركة فى البورصة، لتستأنف برنامج الطروحات للشركات الحكومية الذى تم الإعلان عنه فى 2016، وكانت «إيسترن كومبانى» تمثل إحدى أهم شركات الدولة الرابحة وواجهة للبرنامج، وجاء الطرح بعد تأجيله 3 مرات.

وبعد الطرح انخفضت نسبة ملكية الحكومة فى الشركة إلى 50.5% من الأسهم، ويتوزع هيكل الملكية حالياً بواقع 6.1% لاتحاد العاملين المساهمين، و بنك مصر، ووثائق استثمار صندوق مؤشر إيجى إكس 30، ومحمد جمال محرم، وجمعيهم بنسب أقل من 1%، والباقى أسهم حرة التداول بالبورصة.

وبالرغم من أن المادة 4 من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية تصف السيطرة على سوق معينة بقدرة الشخص الذى تزيد حصته على 25% على إحداث تأثير فعال على الأسعار أو حجم المعروض، إلا أن الشرقية للدخان دائماً ما تنفى عن نفسها تهمة احتكار السوق.

وفى بيانها الرسمى للبورصة تعقيباً على طرح الرخصة الجديدة، قالت الشركة: إن مجلس إداراتها كون مجموعة من اللجان، منها لجان دراسة المخاطر، والتى من أولوياتها دراسة كيفية التعامل مع دخول منافس جديد لقطاع تصنيع السجائر، وأنها أعدت خططاً جديدة للتعامل مع هذا التطور المهم.

وسجلت الشركة صافى ربح قدره 3.79 مليار جنيه خلال العام المالى المنتهى فى يونيو 2020، مقارنة بصافى ربح قيمته 3.73 مليار جنيه فى يونيو 2019، وارتفعت إيراداتها إلى 14.4 مليار جنيه، مقارنة بـ 14 مليار جنيه، بحجم إنتاج 84.2 مليار سيجارة.

ووفقا للتقرير السنوى لمؤشر تدخلات شركات التبغ فى مصر لعام 2020 الذى أصدرته جمعية مكافحة التدخين وأمراض الصدر بمصر بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فإن المصريين المدخنين يفوق عددهم 11 مليون نسمة، ويستهلكون 4 مليارات علبة سجائر سنوياً، بواقع 80 مليار سيجارة بقيمة 70 مليار جنيه، إلى جانب 50 ألف طن معسل بقيمة 3 مليارات جنيه سنوياً، بإجمالى 73 مليار جنيه.

وينمو استهلاك السجائر بنسبة 7% سنوياً، وبالرغم من أن قانون حماية المنافسة نفسه لا يجرم فكرة الاحتكار، إنما يجرم الممارسات التى يمكن أن تنتج عن وضع احتكارى، إلا أن شروط كراسة المزايدة تخالف بوضوح سياسة المنافسة، وعلى العكس مما تدعيه الحكومة تمنح ميزات إضافية لشركتها المسيطرة على السوق، وتشير إلى أنها مفصلة خصيصاً لحماية عوائدها.

وهو ما أكدته تصريحات هانى أمان - الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب للشرقية للدخان، والذى قال: إن اشتراطات الرخصة الجديدة تضمن لشركته المحافظة على 100% من إنتاجها، كونها الوحيدة التى تصنع المنتجات الشعبية (سجائر كليوباترا).

وأضاف أن المزايدة تضمن المنافسة بالنسبة للفئات الوسطى والعليا من السجائر، وهو ما يحمى الشركة من أى تهديد تنافسى من جانب الشركة الجديدة التى ستفوز بالرخصة.

حيث اشترطت كراسة المزايدة أن تلتزم الشركة الحاصلة على الرخصة بأن يكون سعر البيع بالتجزئة للسجائر الفاخرة أعلى من سعر بيع السجائر الشعبية التى تقوم الشرقية للدخان بإنتاجها بنسبة لا تقل عن 50% من سعر أقل منتج للشرقية للدخان.

ومن ناحية أخرى علق بيان الشرقية للدخان للبورصة، على شرط مشاركة الشركة بنسبة 24% فى رأسمال الشركة الجديدة، دون تحملها أى جزء فى تكلفة الرخصة، قائلاً: إن هذا يحقق للشركة تعويضًا جزئيًا لأى خسارة قد تلحق بها فى حالة خروج أحد المصنعين الحاليين لديها، وحصوله على الرخصة.

وحددت كراسة شروط الرخصة حجم إنتاج المصنع الجديد بـ 50 مليار سيجارة سنوياً، وأن يكون الحد الأدنى للطاقة الإنتاجية 15 مليار سيجارة سنوياً، وهو حجم إنتاج ضخم لا يتيح الرخصة الجديدة إلا لشركة كبيرة، وهو ما يحد من قدرة باقى الشركات على المشاركة فى المزايدة من الأساس.

ويخضع هذا البند لضوابط، على رأسها إتاحة حصول شركة المشروع والشرقية للدخان فقط على حق تصنيع الجيل الجديد من السجائر الإلكترونية ومعدات تسخين التبغ، وهى ميزة إضافية للشرقية للدخان.

وتشير هذه الشروط بوضوح إلى مخالفة مبادئ حرية المنافسة، وهو ما يؤكد أن جهاز حماية المنافسة لم يلق نظرة على كراسة المزايدة، بالرغم من أن المادة 11 من قانونه تنص على إبداء رأيه فى القرارات التى يمكن أن تضر بالمنافسة، وذلك من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب الجهات المعنية.

وهو ما أكدته بيانات شعبة الدخان بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، والتى قالت: إن كراسة شروط المزايدة بها الكثير من المخالفات الدستورية ولقانون حماية المنافسة، كونها تحدد حجم ونوع وسعر المنتجات المسموح بها للشركة، مما يؤدى إلى زيادة الاحتكار.