منال لاشين تكتب: أنا والرئيس والـ 10 بطاطين
سعدت جدا بأن الرئيس السيسى قد تناول ملفًا اجتماعيًا واقتصاديًا خطيرًا فى الريف، وهو ملف ارتفاع تكاليف الزواج لشراء عشرات المستلزمات التى يمكن الاستغناء عنها، وليس مصدر سعادتى أننى كتبت عن ظاهرة المغالاة فى ريفنا فى تكاليف الزواج وتوابعه فقط، ولكن سعادتى ترجع إلى أن أخطاء المجمتع أو فئاته قد لفتت نظر الرئيس ويبحث من خلال منصبه ومهامه وواجباته عن حلول لها.
وقد تعودت الحكومات والرؤساء السابقون (باسثتناء عبد الناصر ) عن تجاهل القيم والعادات السلبية للمواطنين ما دامت لا تمثل جريمة يعاقب عليها القانون.
وبوصفى من أصل ريفى وعلاقتى بقريتى وأهلها لم تنقطع، استطيع أن أقول إن ماقاله الرئيس كلام حقيقى تماما، وربما أقل من المصبية التى يشهدها الريف، تكلم الرئيس عن رفضه لفكرة المغالاة فى شراء جهاز العروسة، ثلاجتين و10 بطاطين ليه.
1- فوبيا الشراء
وأحب أن أقول للرئيس إن بعض القرى وصلت لثلاث ثلاجات (أوتوماتيك) وغسالة (لف) أو صناعة يدوية أو نص أوتوماتيك وغسالة أطفال، وتصوروا أن البيت الواحد به ثلاثة أبناء متزوجين، شوفوا بقى كام غسالة أو ثلاجة فى البيت.
و يجب ألا يقل الجهاز عن 24 فوطة و12 قطم ملايات غير طقم العروسة وطقم سرير ستان للأعياد، أما جهاز المطبخ فهو نكتة تدعو للبكاء،،تقريبا كل أنواع الحلل (من الألمونيوم أو طاقم الشاورما إلى التيفال والبيراكس والجرانيت) وأطقم الأكواب بالعشرة، وعلى الرغم من أن المرتبة القطن جزء أصيل فى جهاز العروسة، فإن بعض المقتدرين أضافوا المراتب الإسفنج بالمرة.
نأتى للجنون الثانى الشبكة، فالشبكة بالجرام وتشهد منافسة شديدة بين عائلات المقتدرين أو أثرياء الخليج وزراعة الكتان وتجارات أخرى، وصلت إلى 100 جنيه فى المتوسط، وأحيانا ترتفع إلى 150،200 جرام ذهب.
وأهم توابع زلزال الزواج فى الريف هى المناسبات المتعلقة به مثل عشاء أم العريس والسبوع وكلاهما يشهدان تزايدا وسفها لابد من وقف المزايدة فيه، تحول السبوع وعشاء أم العريس من عادات جميلة بسيطة إلى مناسبة تكلف الآلاف من الجنيهات، أصبح من الأعراف إهداء أم العريس قطعا ذهبية وخروفا وجاموسة وقطعا من القماش لأم العريس وأخواته وطرح وشالات نسائية ورجالية، بالإضافة بالطبع إلى الأطمعة المطبوخة والتخزين، مثل الأزر والسكر والشاى والقهوة والمكرونة والدقيق والسمن والزيت والعصائر والحلويات.
أما آخر البدع الريفية فهو رد الشبكة، ورد الشبكة طقس أو عادة جديدة، فعندما يذهب العريس وأهله لتقديم الشبكة للعروس فى منزل أهلها، يقوم أهل العروسة فى المساء أو صباح اليوم التالى بإرسال رد الشبكة لأهل العريس، والرد يكون طعاما وحلويات وجميع أنواع الطيور وعصائر ومياه غازية.
2- أصل المشكلة
وقد أرجع بعض البندارية من أهل المدن أن السبب فى تلك العادات هو أن المرأة لا ترث أرضًا أو بيتًا، ولذلك فالجهاز هو آخر ما تحصل عليه من والدها، وهذا التحليل خاطئ تماما، ولا علاقة له بريف بحرى، لأن المرأة ترث فى ريف بحرى ولها نصيب فى بيت أبيها، وأمى ونساء قريتى والقرى المجاورة ورثن أرضا من أسرهن.
أصل المشكلة عندنا فى بحرى ترجع إلى الثروة المفاجئة التى أصابت الكثير من أهل الريف سواء بالسفر للخليج أو زراعة الكتان، مع غياب كامل لأى دور دينى أو حكومى فى الريف، فكل عائد من الخليج أو ثرى من (الكتان) يريد أن يعلن عن ثروته، وليس هناك مناسبة أكثر من زواج الأبناء والبنات للإعلان عن الثراء، وهكذا وقع الريف المصرى فريسة مزايدة بين العائلات حديثة الثراء فى تقاليد أو بالأحرى تكاليف الزواج، ولقد تحدث الدكتور والمفكر الراحل جلال أمين عن هذه الظاهرة فى المدن فى كتابه الرائع (ماذا حدث للمصريين).
وتحولت طقوس الزواج إلى منافسة على الثراء، ليس الفرحة والمساندة من الأهل والجيران.
3- الحل
وأتفق مع الرئيس على أننا أمام ظاهرة يجب مواجهتها، ولكنى اختلف مع الرئيس فى اختيار أهل المواجهة، فقد تحدث الرئيس عن دور الإعلام ورجال الدين، فلدينا فى تاريخ مصر تجربة رائدة وناجحة جدا، وهى تجربة الرائدات الريفيات، بدأت فى عهد الوزيرة حكمت أبو زيد (أول وزيرة للشئون الاجتماعية وأول وزيرة فى مصر)، والرائدات الريفيات نساء من أهل القرية يعرفهن كل نساء القرية، وهن متعلمات ويعملن فى أعمال التدريس أو الطب، وتحصل الرائدة الريفية على تدريب مناسب للتعامل مع النساء، وأهم إنجاز لهن فى الستينيات هو إقناع الريفيات بتطعيم الأطفال والرد على الشائعات.
أعيدوا الرائدة الريفية إنقاذا للريف المصرى.