د. نصار عبدالله يكتب: الكورونا تغتال شاكر

مقالات الرأي




فى مطلع رمضان المقبل لن يكون بوسعى أن أتصل بصديقى العزيز شاكر عبدالحميد كما تعودت فى أول رمضان من كل عام لكى أقول له: «كل سنة وأنت طيب يا شاكر».. ولن يكون بوسعه هو أن يتصل بى إذا تأخرت قليلا عن مهاتفته قائلا لى: خير.. شغلتنا عليك.. لقد عرفت شاكر عبدالحميد منذ ما يقرب من نصف القرن وانعقدت بيننا منذ ذلك الحين عرى المودة العميقة التى ربما كان من بين أسباب قوتها أننا ننتمى إلى نفس المحافظة وأعنى بها محافظة أسيوط، وأننا كلانا قد درسنا بنفس القسم من كلية الآداب بجامعة القاهرة، فقد كان من بين الشهادات الجامعية التى حصلت عليها ليسانس الآداب فى الفلسفة وعلم النفس حينما كانا قسما واحدا قبل أن ينفصلا ويصبح كل منهما قسما قائما بذاته، ومنذ أن عرفته لفت نظرى أنه كان قد بدأ يرتاد طريقا جديدا فى مجال النقد الأدبى ألا وهو التفسير النفسى للإبداع الأدبى وهو اتجاه كنت شخصيا مهتما به أشد الاهتمام منذ أن قرأت كتاب الدكتور عزالدين إسماعيل: «التفسير النفسى للأدب»، وقد زاد هذا الاهتمام بتأثير أستاذنا الدكتور مصطفى سويف الذى أشرف فيما بعد على رسالتى الدكتور شاكر للماجستير والدكتوراة وقد كانتا كلاهما تدوران فى ميدان تخصص جديد أسسه الدكتور سويف نفسه وهو علم نفس الإبداع، كنت فى عقد السبعينات والثمانينات من القرن الماضى دائم التردد على القاهرة ومن ثم فقدكنت ألتقى بشاكر كثيرا، قبل أن تقل زياراتى للقاهرة وتوشك أن تنقطع، لكننى وحتى فى عقد التسعينات وربما بعد ذلك كنت أحرص على حضور حفل الإفطار الذى كان ينظمه صديقنا المشترك الدكتور شوقى حبيب الذى أصبح فيما بعد أستاذا بمعهد الفنون الشعبية حيث كنا نفترش الرمال بجوار سفح الهرم وقد أحضر كل منا ما تيسر له من الطعام والفاكهة التى كنا نتناولها جميعا بشكل مشترك على أضواء مصابيح السيارات التى كان يجىء بها بعضنا،..فيما بعد حينما حصلت على جائزة الدولة التقديرية كان شاكر قد أصبح أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، وكان من المقرر أن أحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بالإضافة إلى القيمة المالية للجائزة، غير أنى حصلت على القيمة المالية، فى حين أرجئ تسليم الوسام إلى حين عقد حفل خاص يحضره رئيس الدولة، وهنا تجلت حصافة وفطنة الشاعر عبدالرحمن الأبنودى الذى كان فى ذلك العام حاصلا على الوسام ذاته فاتصل بالفنان فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت طالبا منه تسليمنا الأوسمة كى نحتفظ بها فى بيوتنا لأن هذا أكثر أمانا من مخازن الوزارة، و قال للوزير إنه عندما يقام الحفل سوف نحضرها مرة أخرى لكى يتم تسليمها لنا مرة ثانية ثم نعود بها إلى بيوتنا، ووافق فاروق حسنى على الاقتراح خاصة أن وزارة الثقافة كانت قد شهدت واقعة سابقة اختفى فيها أحدالأوسمة التى كان مقررا تسليمها إلى صاحبها وعجزت الوزارة يومها عن اكتشاف الجانى أو حتى تحديد الموظف المسئول عن الضياع، وهكذا ضاع الوسام على صاحبه ولم تقم الوزارة بتعويضه باعتبار أن الوسام هو مجرد تكريم معنوى (رغم أن القيمة المادية للوسام المصنوع من الذهب عيار 24 هى قيمة بالغة الضخامة إذا ما قورنت بقيمة الجائزة)، ومن ثم فقد أصدر فاروق حسنى تعليماته بأن يتسلم كل منا وسامه الخاص مع تعهد شفوى بإحضاره حين يقام الحفل،...هكذا توجهت إلى صديقى شاكر الذى كان ينتظر زيارتى وقام بتسليمى الوسام، لكنه حرص فى الوقت ذاته على أن يقوم مصور الوزارة بأخذ صور تذكارية لهذه المناسبة، وقد لقيته بعدها وطلبت منه صورة من هذه الصور فأجابنى بأنها محفوظة فى الأرشيف، الذى هو فى حاجة ماسة إلى إعادة الترتيب والتبويب، وأنه قد أصدر تعليماته بذلك، وسوف يقوم بإعطائى نسخة من الصور بمجرد أن تنتهى هذه المهمة، غير أننى فيما بعد قد فقدت اهتمامى بالحصول على نسخة من تلك الصور قانعا بما هو أهم وهو الحصول على الوسام ذاته. يبقى بعد ذلك أن أقول إن شاكر عبدالحميد بعد أن تولى وزارة الثقافة كان هو الوحيد من بين من عرفتهم من الوزراء الذى لم تغيره الوزارة فى قليل أو كثير، فلم يغير رقم موبايله ولم يتخذ رقما سريا آخر، وعندما كنت أتصل به كان يبادر إلى الرد على الفور حتى لوكان فى اجتماع.. فقط كان يقول لى :أنا فى اجتماع وسوف أتصل بك بعد انتهائه، وكان يتصل فعلا لكى ندردش معا فى كافة أمور الحياة، كما كان يفعل قبل توليه الوزارة. أليس هذا نموذجا نادرا ذلك الذى اختطفته الكورونا من حياتنا؟.