عادل حمودة يكتب: عفوًا الإنترنت خارج الخدمة من فضلك حاول مرة أخرى

مقالات الرأي





كلما تقدمت بشكوى عن سوء الخدمة زادت سوءا وفى الوقت نفسه تضخمت الفواتير حتى أصبحت عبئا ثقيلا 

شركات الإنترنت لم تستوعب مضاعفات الطلب عليها بعد الجائحة والضغط على شبكتها خفض سرعتها

الموبايل الذكى فى المرتبة الثامنة على مستوى الدول العربية و102 بين دول العالم والدنمارك وإسرائيل فى المقدمة

أعترف أننى أخطأت وحزنت وندمت.

عندما دعيت إلى زيارة جامعة كاليفورنيا لم أتحمس لمقابلة البروفيسور ليونارد كلينروك الذى دخل تاريخ تكنولوجيا الاتصالات من أوسع أبوابه عندما بعث أول رسالة إلكترونية من كمبيوتر مكتبه فى الجامعة إلى كمبيوتر مكتبه فى معهد ستانفورد للأبحاث عبر شبكة الأربانت الجيل الأقدم لشبكة الإنترنت.

لم يبدو ما فعل مغريا لصحفى مثلى مهموم بالسياسة فى زيارته الأولى للقوة العظمى بكل ما فيها من مغريات وصدمات.

كان ذلك قبل نحو 40 سنة فى وقت كان حجم جهاز الكمبيوتر (أو الحاسب الآلى) فيه يتجاوز حجم الفيل أو الديناصور ويحتاج إلى مسكن كبير ينفرد به وحده.

وبدا أنه بعيد كثيرا عن حياتنا اليومية وبالكاد تستخدمه الهيئات السرية العليا فى الولايات المتحدة مثل وزارة الدفاع المكلفة بتطويره ووكالة الاستخبارات المركزية التى تخزن فيه ما لديها من معلومات تجمعها من مصادر معلنة ومصادر خفية.

فى ذلك الوقت لم أتخيل أن الكمبيوتر سيصغر حتى يصبح فى حجم التليفون المحمول (الموبايل) ولم أتصور أنه سيأتى يوم ويسيطر على كل شىء فى حياتنا عبر شبكة الإنترنت كما يحدث الآن.

بل لم يخطر ببالى أننى سأجبر على محو أميتى التكنولوجية وأتعامل معه حتى أستمر فى الكتابة بلا متاعب.

عندما نقلت من «روز اليوسف» إلى الأهرام كاتبا متفرغا فى عدد يوم السبت لم تسلم مقالاتى من الأخطاء المطبعية الكثيفة رغم مراجعتها أكثر من مرة وكانت الحجة أن خطى رغم أناقته صغير الحروف لم يتعودوا عليه ويؤذى نظرهم وكان الحل الوحيد أمامى استخدام الكومبيوتر فى الكتابة رغم أن ثمنه يصل إلى (25 ألف جنيه) ويصل إلى خمسة أضعاف دخلى الشهرى.

كان ذلك قبل نحو 23 سنة فى وقت كان استخدام «اللاب توب» فيه نادرا بين الكتاب بل إن هيكل نفسه رفض الاقتراب منه رغم تسهيل تشغيله سنة بعد أخرى وبالكاد تعامل مع الموبايل.

أما صلاح منتصر فقرر خوض التجربة عندما لاحظ فى رحلة عودة من تونس إلى القاهرة أننى أكتب مقالى فى الطائرة وأنتهى منه قبل الهبوط.

ويكاد لا يوجد صحفى واحد الآن لا يستخدم الكمبيوتر بل أصبح من الممكن إرسال التقارير الميدانية لحظة كتابتها إذا ما كان الكمبيوتر يتصل بالإنترنت.

فى خطوة تالية تخليت عن جهاز الفاكس وبدأت أرسل مقالاتى من الخارج عبر البريد الإلكترونى وهنا بدأت علاقتى بالإنترنت تصبح ضرورة ولا مفر منها.

وكان على محو المزيد من الأمية التكنولوجية بمساعدة أجيال شابة من حولى فى البيت والجريدة حتى أتفاهم مع العصر المنفلت السرعة نحو تسيير الاتصالات وتبادل الخبرات والمعلومات وإلا حكم علينا بالجمود.

كنت كلما تلقيت درسا أشعر بحالة نفسية تجمع بين الانبهار والخجل وما أن حلت جائحة كورونا ضيفا ثقيلا علينا حتى أصبح الخوف من هذا الفيروس القاتل المجهول ثالثهما.

أصبحت الإنترنت إجبارا وليست أختيارا. تسللت إلى كافة مجالات الحياة حتى أخضعتها بلا استثناء إلى سلطانها.

ضربت الكورونا بعض مقدمى البرامج التليفزيونية وضيوفهم فلم أعد أذهب بنفسى إلى الاستديو فى كثير من الأحيان وكان البديل استخدام تطبيق «زووم» على الإنترنت فى حوار آمن على الهواء مباشرة.

وبنفس التطبيق شاركت فى اجتماعات مجلس أمناء جامعة الملك سلمان (فى جنوب سيناء) التى تستمر أحيانا ثلاث ساعات.

وبذلك الاستخدام فرض الإنترنت مزيدا من السيطرة علينا.

بدأت عائلتى تشترى ما تريد من ملابس أو أجهزة أو أحذية أو أوانى من «سوق دوت كوم» إحدى شركات أمازون ومع تزايد الطلب عليها تعددت الشركات المشابهة والمنافسة فى السعر والجودة وتوفير مصاريف الشحن.

وبذلك الاستخدام زاد تحكم الإنترنت فينا.

وانضمت شركات أخرى متنوعة الخدمات: من توصيل الطعام إلى حجز مواعيد الأطباء ومن شراء البقالة إلى اختيار الدواء ومن بيع الكتب إلى إحضار سيارات الأجرة ومن إرسال دعوات المناسبات المختلفة إلى قراءة نسخ «بى دى إف» من الصحف ومن حجز تذاكر السفر إلى البحث عن المعلومات بمؤشر جوجل.

وبذلك الاستخدام أصبحت علاقتنا بالإنترنت نوعا من الإدمان يصعب علاجه.

ونجح «فيس تايم» الذى ينفرد به موبايل «آبل» فى رؤية عائلتى بالصوت والصورة مهما تباعدت المسافات بيننا وساعة بعد ساعة كانت تشاركنى فى أحداثها بالفيديوهات والصور على الواتس آب أو تلجرام أو غيرهما.

وبذلك الاستخدام أمسكت الإنترنت بقلوبنا وتحكمت فى عواطفنا.

ومن جانبها عبرت الحكومة عن إيمانها بالإنترنت وتوسعت فى استخدامه ومنحت مميزات لمن يتبعها وعاقبت من لا يستجيب إليها.

استخدمت الشبكة العنكبوتية فى التعليم عن بعد وربطت الجامعات ومراكز الأبحاث ببنك المعرفة الذى يحتوى على موارد من دور نشر عالمية (مثل أكسفورد وكامبريدج وناشيونال جيوجرافيك).

وتوسعت الحكومة فى استعمال بطاقات الائتمان فى تسديد فواتير الخدمات التى تقدمها مثل : التراخيص وغرامات المرور وأقساط المساكن ومبالغ الضرائب وشهادات الميلاد والزواج والوفاة وغيرها وعاقبت من يدفع نقدا بغرامة تصل إلى خمسة فى المائة وربما أعلى.

بل إن الحكومة روجت من خلال الإعلانات التجارية على شاشات الفضائيات لشراء أبسط السلع بالبطاقات الائتمانية مثل الفاكهة والوقود ووفرت البنوك الماكينات اللازمة.

هنا بدأت الإنترنت تتدلل علينا وسرعان ما تحول الدلال إلى تمرد وتحول التمرد إلى انقطاع وتحول الانقطاع إلى غياب أحيانا.

لم تكن مشكلة وزارة التعليم عندما عجز كثير من الطلاب عن الدخول إلى موقع الامتحانات وإنما كانت مشكلة شركات الإنترنت التى بقيت على حالها دون توسيع الشبكة رغم أنه لم يخف عليها كثرة اللجوء إليها.

وكان على وزارة التعليم تحمل خطأ لم ترتكبه بإعلان نجاح الطلاب الذين لم يستطيعوا الدخول إلى الشبكة والوصول إلى أسئلة الامتحانات.

ويبدو أن الإنترنت فى بلادنا محافظة ترفض المشاهد العارية التى تتفجر بها أفلام ومسلسلات قنوات الترفيه (مثل نتفليكس وآبل تى فى وأو أس إن وغيرها) لذلك من الصعب استكمال المشاهدة حتى النهاية بسبب ضعف الشبكة وعجزها عن تحمل الضغوط المتزايدة عليها.

ولنفس السبب أصبح صعبا على الأطباء نقل تقارير وصور الأشعة عبر الإنترنت بدعوى أنها ثقيلة فى حين أن هذه الطريقة توفر ثمن أفلام الأشعة كما توفر ثمن أفلام الطباعة مما يوفر نقودا نحن فى حاجة إليها.

لكن الإنترنت التى تكره المشاهد العارية على مواقعها تغض الطرف عن سوء استعمالها فى التشهير العلنى الفاضح بنشر فيديوهات جنسية (مزورة أو حقيقية) بشخصيات انتهكت حياتها الخاصة رغم حمايتها دستوريا.

وللحصول على عائد مادى من «يوتيوب» تكاثرت القنوات الخاصة ليخرج من المجهول من يتقمص دور المذيع ليفتى فى السياسة والجنس والأبراج والطبخ والطب وتربية الصغار حتى وجدنا أنفسنا فى حالة فوضى يضغط مفجروها علينا من أجل لينك أو تفعيل الجرس ليقبضوا دولارا زيادة وليذهب المجتمع إلى الجحيم.

وهكذا جاءت الإنترنت بالشر كما جاءت بالخير حسب نية من يستخدمها ومستوى ثقافته ودرجة وعيه.

لكن الإنترنت لم يعد من الممكن الاستغناء عنه وإلا عزلنا عن ما حولنا كما يحدث لنصف سكان العالم فى المجتمعات الريفية الفقيرة مما يعنى حرمانها من تلقى التعليم والحصول على فرصة عمل وتحديد موعد لتلقى اللقاحات.

والحقيقة أن تزايد الطلب على الإنترنت صاحبه انخفاض فى النمو حتى وصل معدله إلى 6% فى العام الماضى بعد أن كان 19% فى عام 2007.

وتسعى شركات التواصل الاجتماعى إلى زيادة انتشارها فى دول لا تعرفها بدعم الإنترنت فيها كما فعلت شركة فيسبوك بالشراكة مع شركة الأقمار الصناعية الفرنسية يوتلساب لتوصيل الإنترنت إلى 14 دولة فى الصحراء الإفريقية خلال شهور قليلة ورغم ذلك سيظل ثلث سكان العالم بلا إنترنت.

والمؤكد أن مستخدمى الإنترنت فى مصر يتزايدون يوما بعد يوم بعد انتشار الموبايل الذكى فى يد 50 مليون شخص ولكن رغم ارتفاع تكلفتها فإنها بطيئة إلى حد ما حتى أنها تأتى فى المرتبة الثامنة من حيث السرعة فى البلاد العربية ولكن ترتيبنا ينخفض إلى 102 بين دول العالم من حيث الأداء وتأتى الدنمارك فى المقدمة وإسرائيل فى المرتبة الثامنة.

على ما يبدو لم تتوسع شركات الإنترنت لتستوعب مضاعفات الطلب عليها بعد الجائحة منذ أكثر من سنة كما أن الضغط على شبكاتها خفض من سرعتها وفى الوقت نفسه تضخمت الفواتير حتى أصبحت عبئا ثقيلا.

هنا أريد أن أسمع صوت الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات المسئول عن ضمان تقديم خدمات الاتصالات بكفاءة وفعالية حسب القانون الذى خلق وجوده فى عام 2003.

وقد أسعدنى أن يفتح الجهاز موقعا لتلقى الشكاوى من سوء الخدمة ولكن كلما تقدمت بشكوى زادت الخدمة سوءً.

ورفعت يدى إلى السماء مؤمنا بأن الشكوى لغير الله مذلة.