د. نصار عبدالله يكتب: حكايتان من القرن العشرين «2»
على هامش مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذى تتضمن إحدى مواده حق أحد أولى أمر الزوجة فى رفع دعوى فسخ عقد الزواج الذى ارتضاه كلا طرفيه متى رأى فى ذلك مصلحة للزوجة كأن يكون الزوج مثلا غير متكافئ اجتماعيا أو تعليميا مع زوجته تكلمنا فى الأسبوع الماضى عن الانتقادات التى توجه إلى تلك المادة وكيف أنها تسلب المرأة حقا أصيلا من حقوقها الإنسانية وهو حقها فى اختيار شريك حياتها دون تدخل من أحد حتى لو كان هو ولى أمرها ذاته الذى ليس من حقه إجبارها على أن تتزوج ممن لا ترغب وبالتالى فإنه ينبغى له أن يفرق بينها وبين من ارتضته شريكا لها، كما أشرنا إلى أن القرن العشرين قد شهد قضيتين من أشهر قضايا التفريق بين الأزواج أولاها هما تمثلت فى قضية الشيخ على يوسف وزوجته السيدة صفية السادات حيث حكم القضاء فى عام 1904 بالتفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ بين العائلة العريقة التى تنتمى إليها الزوجة والعائلة الفقيرة التى ينتمى إليها الزوج، أما القضية الثانية التى سنتكلم عنها هنا فقد حدثت قرب نهاية القرن، وتحديدا فى عام 1995 عندما صدر حكم بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبوزيد أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة وزوجته الدكتورة ابتهال يونس مدرس الأدب الفرنسى بالكلية ذاتها، وأما بداية الحكاية فقد كانت عندما تقدم الدكتور نصر بمجموعة من الأبحاث للترقية إلى درجة أستاذ، وقد كانت تلك الأبحاث متسمة فى مجملها بالخصائص العامة التى يتسم بها فكر نصر حامد أبوزيد الذى يمكن أن ننظر إليه باعتباره معتزلا معاصرا بلغ فى الاجتهاد العقلى إلى أقصى حدود الاعتزال مما جعله يدعو إلى تحرير العقل العربى من سلطة النصوص الموروثة والنظر إلى تلك النصوص باعتبارها منتجا ثقافيا غير منبت الصلة بالظروف التاريخية التى نشأ فيها، غير أن هذا المنهج الذى التزمه أبوزيد أثار سخطًا واحدًا من أعضاء لجنة الترقية وهو الدكتور عبد الصبور شاهين الذى عرف عنه انحيازه إلى جماعات الإسلام السلفية فضلا عن ارتباطه الوثيق بشركات توظيف الأموال التى اتخذت من الدين مدخلا إلى سلب مدخرات البسطاء من الناس وهو ما سبق أن حذر منه الكثيرون ومن بينهم نصر أبوزيد نفسه، وقد كان طبيعيا والحال كذلك أن يكتب الدكتور شاهين تقريرا يحمل فيه حملة شعواء على بحوث أبى زيد، ويرى فيها خروجا على ثوابت العقيدة وإنكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهذا الرأى الأخير معناه ببساطة أن صاحب هذه البحوث ملحد مرتد، ومن ثم فقد تلقف هذه العبارة واحد من السلفيين الظلاميين وأقام دعوى حسبة طالبا فيها التفريق بين الدكتورة ابتهال يونس وزوجها الدكتور نصر بناء على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من ملحد (دعوى الحسبة لمن لا يعلم هى تلك الدعوى التى يجوز للمرء أن يرفعها دون أن تكون له صفة أو مصلحة شخصية، وقد ألغيت دعاوى الحسبة فيما بعد لكنها كانت إذ ذاك مازالت معمولا بها)، وللأسف الشديد فقد استجابت المحكمة إلى ما طلبه المدعى وقضت بالتفريق بين الزوجين، ثم تأيد الحكم فى درجة الاستئناف مما اضطر نصر وابتهال كليهما إلى مغادرة البلاد والسفر إلى هولندا بدعوة من جامعة لايدن حيث عمل فيها أستاذا زائرا فى عام 1995 ثم تقلد فى عام 2000 منصبا رفيعا فى نفس الجامعة هو أستاذ كرسى كليفيرنجا للدراسات الإنسانية، وهو أرفع منصب علمى يتولاه أجنبى فى هولندا، ثم شغل بعد ذلك فى عام 2002 كرسى ابن رشد لدراسة الإسلام والإنسانيات، جامعة الدراسات الإنسانية فى أوتريخت، كما حصل على عدد من الجوائز والأوسمة العربية والعالمية نذكر منها جائزة اتحاد الكتاب الأردنى عام 1996، وميدالية «حرية العبادة»، من مؤسسة إليانور وتيودور روزفيلت الأمريكية فى عام 2002 ، ثم عاد إلى مصر بعد إلغاء دعاوى الحسبة ليقيم فى المسكن الذى ابتناه فى مدينة أكتوبر لكن الأجل لم يمهله طويلا، إذ أصيب بفيروس غريب حار الأطباء فى علاجه ثم دخل فى غيبوبة دامت أياما ثم فارق الحياة فى مستشفى زايد التخصصى، نقل الجثمان بعدها إلى مسقط رأسه حيث وورى التراب فى مقابر أسرته فى منطقة قحافة بمدينة طنطا. رحم الله نصرا وغفر لكل من أساءوا إليه.