"هنا في مصر".. الخيامية ليست مجرد حرفة بل صناعة تحكي التاريخ
تعد قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، تلك المدينة التاريخية حالمة الأسرار عبر الف عام، فالقاهرة التي كانت تحيطها البوابات ذات الأسوار والمقسمة لأحياء وحارات على أساس الديانات أو المذاهب أو الأجناس المختلفة، وكذلك كانت هناك حارات للطوائف الحرفية مثل النحاسين والخراطين والصاغة والخيامية والعقادين والعطارين وهكذا.
وقال مجدي شاكر كبير أثريين في تصريحات إلى الفجر، إن الحارات كانت تنتهي بالأسوار الكبرى، فكانت مسدودة من جهة هذه الأسوار وتطل علي قلب المدينة من خلال بواباتها الضيقة الصغيرة، حيث توجد الشرطة ورؤساء الطوائف.
ولم تكن هذه الحارات المسدودة نتيجة للعشوائية، ولكنها النهاية الطبيعية للاتجاه نحو عزل السكان عن بعضهم، وهذه الأسوار والبوابات كانت تحمل قدرًا من الأمان للسكان.
ويرجع تاريخ إنشاء قصبة رضوان إلى عام 1060هـ و1650م، حيث أمر بإنشائه الأمير رضوان بك الفقاري وجعل بها دورًا وحوانيت، وكانت مضيفة للتجار من أجل نقل بضاعتهم خارج القاهرة وأنشأ بها زاوية، ويبدأ الشارع عند تقاطع شارعي تحت الربع والدرب الأحمر وآخر شارع الخيامية.
وتقع الخيامية بالقرب من باب زويلة في القاهرة الفاطمية بحي الغورية في شارع هو الأشهر تاريخًا بين شوارع تلك المنطقة القديمة، تجمع به قدامى الصناع والتجار.
وتعتبر الخيامية من المظاهر الرمضانية الحميمة في مصر مع فوانيس رمضان العملاقة، فهي فن مصري قديم تفردت به مصر وتعني بصناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل السرادقات، وتضرب في عمق التاريخ لدى القدماء المصريين الذين كانوا يستخدمون ألوان الفواكه الطبيعية كالرمان والمانجو والتوت والبصل والبنجر، في صباغة أقمشة الخيامية التي شهد النهر الخالد باكورة صناعتها على ضفافه الشاهدة على التاريخ.
وازدهرت الخيامية في العصر الإسلامي، وشهد العصران المملوكي والفاطمي قمة ازدهارها وتطايرت شهرة "الخيامية" من مصر إلى العالم، فهي سفيرة الفنون المصرية القديمة، تقام لها المعارض في كل مكان.
وترتبط الخيامية قديمًا بكسوة الكعبة المشرفة، وكانت أقمشة الخيامية الملونة مطعمة بخيوط الذهب والفضة لتزدان بها الكعبة، وظلت مصر ترسلها للحجاز في موكب متفرد مهيب يعرف باسم "المحمل"، وذلك حتى أواخر حقبة الستينيات من القرن الماضي.
تتطلب هذه المهنة الدقيقة التي تبرز مهارة وموهبة صناعها، توافر الصبر والتدقيق والحرفية العالية حتى يخرج العمل الفني هذا رائعا خاليا من أي أخطاء.
قديمًا كانت هناك طقوس خاصة لاعتماد أى حرفى خيامى جديد ينضم لتلك الطائفة حيث كان يتم اجتماع الخيامية وشيخهم لرؤية وفحص أعمال الخيامى الجديد، فإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفى مأدبة اعتماد لجميع الخيامية للاحتفال بانضمامه للمهنة.
طريقة العمل
يبدأ العمل برسم التصميم الذي يتم بموجبه تنفيذه على القماش المعروف بقماش "التيل" الذي يتميز بأنه قماش طبيعي سميك لونه الطبيعي عاجي، يقوم الحرفي بتخريم الرسم وتنثر بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى يقوم الفنان بعملية التطريز، حيث تقص وحدات القماش وحياكتها مع بعضها البعض وغالبا ما تكون التصميمات عاكسة للأشكال الفرعونية والإسلامية المتمثلة في الخط العربي الذي يعكس آيات قرآنية كريمة، وحديثا أشكالًا هندسية أو زهورًا أو مناظر طبيعية لافتة.