عبدالحفيظ سعد يكتب: تنمية الريف بالعرض.. أرض النبي يوسف (2)

مقالات الرأي




 
نستكمل السؤال الملح والذي طرحناه الأسبوع الماضي، كيف تتحقق تنمية الأفقية للريف المصري، لتعيد له بريقة كمجتمع منتج وليس مستهلك؟
ويأتي السؤال في ظل حرص الدولة على ضخ ميزانيات ضخمة للعمل في إطار برنامجها المعلن لتنمية الريف المصري، سواء لتحسين خدماته المعيشية، والعمل على تحسين مستوى الإنتاج. 
 لكن اعتقد أن التنمية الحقيقة للريف لا تقتصر فقط على تحسين وضعه الحالي والاعتماد على التنمية الرأسية بمحاولة استغلال الأمثل لأراضه الحالية، فمساحة الأراضي في الريف لم تعد تكفي لتحقيق تنمية حقيقة سواء لتأكلها بالبناء عليها أو تقلص نصيب الفرد من ملكية الراضي التي تفتت عبر أجيال.
لذلك اعتقد أن الأهم لتطوير الريف، هو العمل على زيادة الرقعة الزراعية والإنتاجية في الريف، لكن السؤال كيف في ظل السماحة المحدودة؟
 نعود للإجابة هنا والتي استلمتها من الطريق الرابط بين الفرافرة وشمال أسيوط.. الطريق الحديث لا يتجاوز 250 كم متر لتربط عمق الصحراء بالوادي، ليس ذلك فحسب بل أيضا على ضفة الطريق آلف الأفدنة التي تتفجر من تحتها مياه جوفية غزيرة، ستسهل بلا شك الزراعة فيها.
 وقد يتسأل البعض، وما هو الجديد، فمحافظات الصعيد تحيط بها الصحراء من كل الاتجاهات؟
 لكن علينا أن ندرك، أنه رغم المساحة الشاسعة من الأراضي الصحراوية التي تحيط بريف الصعيد، لكن جودة هذه الأراضي سواء من نوعية التربة أو توافر المياه قليلة. ويختلف الوضع أراضي طريق الفرافرة ديروط.. فالمياه الجوفية متوافرة بكثرة لدرجة أنها في مناطق تطفو فوق السطح، حتى تعتبر المنطقة واحة، كما أنها في جوفها عدة أنهار تحت الأرض، مما يضمن استمرار تدفقها لسنوات.
 وليس توافر المياه فقط يغرى بالاستصلاح في منطقة الفرافرة، لكن نوعية التربة جيدة.. فلا نبالغ إذا قلنا أن إنتاجيتها تزيد عن أراضي الوادي والدلتا، بل توجد زراعات مثل الموالح والنخل المجدول والبرحي لا تصلح إلا في هذه المنطقة، وهي زراعات معروف أنها غالية الثمن والقيمة وتتهافت عليها أسواق التصدير.
  وتوجد أساطير وحكاية عن أرض الفرافرة، في تلك المسافة من الواحة لديروط، هناك منطقة "سهل بركة"، والتي يبدو من أسمها ارتباطها بالخير، فتحكي الأساطير أن هذا الاسم أطلقه عليه بني الله يوسف، وأنها كانت مناطق تخزين الغلال في السنوات العجاف، وهو ما يدل على أنها أرض خصبة.
ويرجع تاريخ واحة الفرافرة إلى الفراعنة وذكرت في الوثائق المصرية القديمة للأسرة العاشرة في القرن الـ21 قبل الميلاد وكانت تسمى "تا أحت" أي أرض البقرة وأطلق عليها المصريين القدماء هذا اللقب لكثرة المراعي والابقار بها.
في العصور الرومانية كانت الفرافرة والواحات عموما هي أرض الحبوب للإمبراطورية الرومانية وسميت أرض الغلال، وتوجد في وسط الفرافرة بقايا آثار ترجع إلى العصر الروماني كما يوجد بضع مقابر أخرى صخرية خالية من النقوش وبقايا معبد روماني عند منطقة تدعى "عين بس".

 ويعيدا عن الحكايات التاريخية، وفي الواقع الآن تبدو الأرض جيدة جدا لأنها تربتها ليس رملية، بل أرض طفيلية، والتي تعد من أجود أنواع التربة للزراعة، وهو ما تؤكد عليه مراكز بحوث التربة.
 ومن هنا تبرز إمكانية أن تتحول هذه المنطقة المبشرة للزراعة إلى ريف أو ظهير ريفي لمئات القرى في محافظات أسيوط والمنيا، والتي يمكن أن تحدث تحولا كبيرا وتعوض الفاقد في الأراض الزراعية بل تمد المنطقة بآلاف الأفدنة، وتعد الأمل في التنمية الأفقية للريف.
 ولكن كيف يتحقق حلم استصلاح الزراعي لمشروع قومي يخلق الأفدنة، لتوسع الريف، ويخلق مجتمعات ريفية يخرج عبرها الناس من خنقة الوادي إلى الأرض البكر الواسعة؟ وهو ما نحاول أن نجاوب عليه في الحديث القادم..