منال لاشين تكتب: الضرائب والرسوم أكثر فتكاً من كورونا
العالم كله أعفى مواطنيه من الأعباء المالية إلا مصر
أزمة الشهر العقارى لم تكن الأخيرة
دول العالم تقدم إعفاءات لمواطنيها لحثهم على تطبيق القانون
دعك من أن مادة قانون الشهر العقارى المثيرة للجدل والقلق والغضب هل وضعها الإخوان المسلمون أو الخبراء الكافرون.. دعك من تراجع الحكومة المؤقت وثورة حزب مستقبل وطن على المادة وكأنهم اكتشفوا فجأة مساوئها. دعك أيضا من شبهة عدم دستورية القانون لأنه يهدد الملكية الخاصة المحصنة بالدستور، ودعك من كل هذا وفكر معى هل تأثير كورونا أسوأ على صحتنا وعمرنا وحياتنا أم توابع رعب الرسوم والضرائب وشبح فقدان بيتك هو الأسوأ والأخطر. هذا سؤال حقيقى لم أقصد به السخرية بالمرة من سلسلة الرسوم والضرائب التى نعيشها مرة تلو الأخرى وضربة أشد من سابقتها.
فأزمة الشهر العقارى لم تكن الأخيرة وهى بالطبع ليست الأولى من نوعها، إنها مجرد حلقة فى سلسلة لعينة لم تكسر الحكومة حلقاتها حتى بعد جائحة كورونا، وكأن قدر المصريين أن يعيشوا فى توتر دوما ما بين أزمة وأخرى ومشكلة تجر مشكلة أشد.
1- لا يهم التراجع
صرنا حقل تجارب دون موافقات علمية أو شخصية.كل مرة يطلقون علينا مصيبة جديدة، فإذا احتمل جسدنا أو بالأحرى جيبنا المصيبة استمر تطبيقها أو بدأ فلا شىء يهم.أما إذا بدأ أن جرعة التجارب أقوى من مناعتنا الاقتصادية أو المالية يتم التراجع عن الأمر تحت شعارات سخيفة ومهينة لنا. مرة يكون التراجع عشان إحنا غلابة والمعنى أن الحكومة تتفضل علينا بهذا التراجع. أما قمة السخف فهو اتهام أى شاكٍ أو معترض بالمؤامرة والأخونة على الفور.. ثم لا تكلف لا الحكومة ولا الإعلام الذى يرمى الاتهامات بالاعتذار لنا كمواطنين شرفاء.
تكرر هذا السيناريو مرتين خلال عدة أشهر..مرة فى ملف التصالح على العقارات المخالفة.. ثم مرة أخرى وليست أخيرة أزمة الشهر العقارى وتسجيل العقارات، وفى المرتين كان المطلوب منا كمواطنين أن ندفع أموالا باهظة لا نمتلكها من ناحية ومشكوك فى دستوريتها من ناحية أخرى، ولذلك اندهشت عندما فجرت الحكومة بمنتهى الجرأة أزمة الشهر العقارى، وكأننا أمام حكومة عنيدة ترفض التعلم من أخطائها أو بالأحرى خطاياها، فى كل مرة كانت البداية بتهديد بحرمان المواطن من حقه فى السكن وحقه فى أن يستمر فى بيته اللى حصل عليه بشق الأنفس والغربة، ومع بوادر انفجار الغضب الشعبى تبدأ الحكومة فى التراجع عن إجراءاتها العنيفة وتقبل بالتقسيط وتفرط فى كرمها بالتخفيضات فى ملف التصالح، والآن تعاود التراجع من خلال البرلمان أو يدها البرلمانية حزب مستقبل وطن.
ولكننا وصلنا إلى مرحلة لا يعد فيها التراجع أو اعتذار أو الرجوع للحق فضيلة، لأن تكرار هذه الأزمات ذاتية الصنع له توابع على المواطن والوطن أسوأ وأخطر كثيرا من وباء كورونا، فلا يمكن أن يعيش شعب على أعصابه وينام وهو متوقع بأن هناك مصيبة أو ضريبة أو رسماً جديداً سيفرض فى الصباح.لا يمكن توقع أن يكون هذا المواطن متحمسا لعمله، مطمئنا على غده، مشاركا فى قضايا مجتمعه، والأخطر اقتصاديا أن هذه الحالة تصيب الأسواق بالشلل، فحتى المواطن الذى يملك المال لم يغامر بشراء سلعة أو خدمة حرصا على فلوسه لأنه يخشى من فرض أعباء غير معلومة لا السبب أو التوقيت، وهذا الوضع الاقتصادى يسمى الكساد، فإذا أضفنا أثر الكساد الخاص بكورونا على الأسواق العالمية ونحن جزء منها. أدركنا مدى الكارثة التى نغوص فيها وتعرض اقتصادنا للخطر والشلل، ولا يمكن لاقتصاد يعانى من الكساد ومستهلك يعانى من انخفاض القدرة الشرائية أن يجتذبا مستثمرين أجانب، ولهذا فإن هذا الوضع يؤثر على قدرة مصر أو بالأحرى فشلنا فى جذب استثمار أجنبى ضخم.
2- حلول ذكية
وعلى الرغم من غضبى الشديد من تكرار خطايا الحكومة، فلا يمكن التشكيك ولو للحظة فى أهمية تقنين وضع الثروة العقارية من خلال التصالح والتسجيل، وأن إنكار حق الدولة فى حماية أرضها من الاغتصاب أو إنكار حقها فى جعل تسجيل العقارات إجباريا بالقانون، ولكن المشكلة أننا نتجاهل تجارب الدول الأخرى فى مواجهة مثل هذه الأزمات، ونتجاهل أن هناك قاعدة شهيرة وهى أنك لا تستطيع تغيير الشعب أو عقابه، ولذلك عندما يتحول مخالفة القانون إلى قاعدة جماهيرية تشمل أكثر من 50% من الشعب، تلجأ الدول أو الحكومات إلى أساليب ذكية وغير تقليدية لجذب الشعب إلى اتباع القانون والكف عن مخالفته، وفى هذه الحالة يتم التخلى عن الحوافز السلبية (سجن غرامة هدم عقار أو نزع ملكية) إلى الحوافز الإيجابية (إعفاء من دفع الأموال، منح مزايا عينية أو مالية للمتعاونين) وفى حالة أزمة الشهر العقارى، فبحسب البيانات الرسمية فإن 90% من الشعب لا يسجل عقاراته، ولذلك يكون الحل فى الحوافز الإيجابية لدفع المواطن للاستجابة للقانون وتسجيل عقاره. مثلا إعفاء المواطنين الذين يسارعون بتسجيل عقاراتهم من رسوم التسجيل خلال مدة عام أو ستة أشهر أو منحه خصما على الضريبة العقارية لمدة خمس سنوات، بشرط أن يقوم بتسجيل عقاره فى غضون العام أو ستة أشهر، ويمكن أن يصدر قانون من مجلس النواب بشأن الخصم من الضريبة ليكون الوضع قانونيا. يمكن أيضا اللجوء إلى الحوافز العينية، مثل منح المواطن الذى يسجل عقاره أولوية فى بعض الخدمات التى تقدمها الحكومة، بل من الممكن الاتفاق مع القطاع الخاص على تولى إعادة طلاء وجهات المبانى المسجلة مقابل الإعلان عن منتجاته على الواجهة أو أسطح العقارات، ويمكن أن تشارك البنوك فى الحملة من خلال فتح حسابات مجانية بجوائز مالية ضخمة (على غرار شهادات الاستثمار) للمواطنين الذين يسجلون عقاراتهم فى فترة الإعفاء. باختصار يمكن جعل تسجيل الشهر العقارى عملية موفرة وممتعة للمواطن الذى يعانى الآن مثله مثل كل المواطنين فى العالم بسبب جائحة كورونا.
3- حكومات كورونا
وفى سياق اصطناع الأزمات أرجو أن تدرس الحكومة الانقلاب الحاد فى حكومات العالم بعد جائحة كورونا، فقد تغيرت الحكومات من حكومات جباية وحكومات رأسمالية إلى حكومات داعمة ومساندة لمواطنيها إلى أقصى درجة. الحكومات الآن تدعم فسح وخروجات المواطن بنصف التكاليف.الحكومات الآن تخلت عن الرأسمالية وأصبح المواطن مسئولية الحكومة. الآن لم يعد هم الحكومات أو عملها جمع الضرائب وفرض الرسوم، بل تخفيف الأعباء على المواطن.
أرجوكم كفاية جباية.. كفاية حرام
الأسبوع القادم منال لاشين تواصل كتابة سلسلة رؤساء مصر
فى العيادة النفسية «مبارك بين الاكتئاب والإنكار»