عبدالحفيظ سعد يكتب: تنمية الريف بالعرض «3»
نستكمل البحث عن إجابة للسؤال الملح: كيف ننمى الريف بالعرض، ونتوسع فيه أفقيا؟.. وذلك بزيادة مساحته، خاصة أن المتوقع للمشروع القومى لتطوير قرى الريف، يمكن أن يحقق تنمية وتطويرًا فى الخدمات وجودة الحياة لأبناء الريف، لكنه لن يحقق تنمية إنتاجية للريف.
فالواقع يتحدث بأن مساحة الأراضى الزراعية، وهى أصل الإنتاج والتنمية فى الريف، ثابته ولن تزيد، بل يمكن أن تنقص بالبناء عليها، فالقرى مساحتها محدودة، وتزرع أراضيها بالكامل.
ونجد أن السبب الرئيسى لهجرة سكان الريف للمدينة، تتلخص فى أن خيراته لم تكف سكانه، فلجأ بعضهم للبحث عن مصادر رزق أخرى فى المدن، بينما سافر النسبة الأكبر من شباب الريف إلى لبلاد الخليجية والعربية بحثا على لقمة العيش، وتوسيع الرزق، وهو ما حقق لهم طفرة مالية كبيرة.
وللأسف رغم تحسن الأحوال المادية للعديد من المهاجرين للعمل فى البلاد العربية، لم يكن لهؤلاء منفذ لاستثمار أموالهم التى جمعوها من سنوات الغربة، ولذلك لم يكن أمامهم سوى أن يبنوا بيوتًا خرسانية، أو يقوموا بشراء أراض زراعية من نفس أراضيهم، وهو ما تسبب فى ارتفاع جنونى فى أسعار الأراضى الزراعية، وصل فيها متوسط الفدان الآن إلى ما يزيد على مليون ونصف المليون للفدان الواحد وربما اثنين، رغم أن أقصى ما يمكن أن يجنيه الفدان من مكسب لن يتجاوز العشرين ألف جنيه، وهو رقم ضئيل جدا بالنسبة للقيمة السوقية لفدان الأراضى الزراعية التى قد تصل للمليونين.
ولذلك لم تجد المليارات من مدخرات العاملين من أبناء الريف فى الخارج، إلا الاستثمار العقارى فى القاهرة والمدن الكبرى، أو توضع كودائع فى البنوك أو مدخرات فى الذهب.
وأصبحت المشكلة الآن لأبناء الريف كيف يستثمرون مدخراتهم فى مشروعات إنتاجية، تخلق لهم فرص عمل ومصدر للدخل بعد عودتهم من رحلة الهجرة، خاصة أن غالبيتهم قد يعانون من مشاكل فى ظل تراجع ظروف العمل فى البلدان الخليجية فى ظل أوضاعها الاقتصادية أو تراجع أموال النفط، مما يهدد الملايين منهم لفقدان مصادر رزقهم الحالية.
تأتى الإجابة لما كنا ذكرناه من طريق ديروط الفرافرة، وهو الطريق الذى يربط بين الواحة فى الوادى الجديد بالوادى القديم، هناك آلاف الأفدنة التى تصلح للزراعة وتتوافر معها المياه الجوفية التى تؤمن الزراعة لعقود من الزمن، أو ربما إلى ما لا نهاية، وهو ما تؤكده الأبحاث العلمية فى علوم المياه الجوفية أن الآبار الجوفية هناك تستمد مياهها من أنهار جوفية متجددة تنبع من الخزان النوبى العظيم.
ويبقى هنا سؤال آخر: كيف تتجه أموال أبناء الريف سواء فى الغربة أو الداخل للاستثمار فى الاستصلاح الزراعى فى أراضى الوادى الجديد، بدلا من مجرد تخزينها فى عقارات لا تنتج أو مدخرات بعائد محدود تتآكل قيمته مع ارتفاع معدلات التضخم والزمن؟
لا يمكن هنا أن ننكر اتجاه الدولة فى شق الطرق التى تربط بين الوادى القديم مثل الفرافرة ديروط أو طريق آخر تحت الإنشاء بين منفلوط وواحة الدخلة، وكذلك طريق الذى يربط بين بنى مزار (المنيا) واحة سيوة، بالإضافة للطريق القديم الذى يربط بين محافظة أسيوط وواحة الخارجة.
ولكن لا يمكن الاعتماد فقط على الطرق، لتأتى الخطوات اللاحقة والتى تتمثل فى تسهيل عملية الاستثمار الزراعى، والتى يمكن أن تستقطب المليارات من مدخرات أبناء الريف، بدلا من أن تذهب هذه المليارات فى الاستثمار العقارى، والذى يعانى الآن من انهيار نتيجة تشبع السوق وحالة الركود.
وربما تكون نقطة ركود سوق العقار، طريقا لتحفيز وجذب أبناء الريف للاستثمار فى الإصلاح الزراعى، وأنهم يمكن أن يتملكوا ويستصلحوا 25 فدانًا أو أكثر، بمبلغ أقل من سعر فدان واحد فى قراهم، وهى مساحة توفر لم مستقبلاً لأبنائهم، لو رتب حياته للعيش بجوار أرضه وماشيته فى مزرعته الواسعة.
وربما يأتى ذلك بتنظيم حملات توعية وتوجيه، وتحفيز للخروج من الشكل البيروقرطى فى عملية التملك، واعتبار أن الاستصلاح وزراعة الأرض هى المعيار الأول، وربما ينتج عن ذلك إغراء أبناء الريف لأن يضخوا مدخراتهم فى بناء مجتمعات زراعية وعمرانية جديدة، يسهل الوصول إليها، ويكون هناك أسواق لبيعها بسهولة، من أجل التنمية الحقيقة للريف بالعرض وزيادة مساحة أراضيه.