بطرس دانيال يكتب: للنجاح طرق
يقول داود النبى فى المزامير: «تَوكَّل على المولى وكُن مُتشدِّداً ويَتَشجَّع قلبُك واعقِد على المولى الرجاء» (مزمور 14:26). أى إنسان لا يطمع فى النجاح، ليتسنّى له أن يعيش هانئاً ويتذوّق السعادة الحقّة؟ هذا أفضل من أن يقضى العمر وهو يشيّد قصور الأحلام، دون أن يحرّك ساكناً للوصول إليها، حتى تصبح السعادة كالظل الذى يلازمه، يتبعه أو يتقدّمه، ولا يستطيع الإمساك به. يروى لنا التاريخ عن شابٍ من بلاد اليونان، لم يقبل أن يكون فى لسانه لثغة تمنعه من النجاح فى الحياة، والوصول إلى المركز اللائق به فى المجتمع، لكن إرادته الحديدية أبت الاستسلام إلى التشاؤم واليأس. ماذا فعل؟ عقد العزم على أن يقوّم لسانه ويتخلص من هذه اللثغة، حتى أنه رغب فى اكتساب مرونة تمكّنه من الكلام بطلاقة وفصاحة. ومن أجل هذا، ألزم نفسه بالذهاب كل يوم إلى شاطئ البحر، حتى يتدرب على لفظ الكلمات مقطعاً مقطعاً، وحرفاً حرفاً، وما هى إلا أيام قليلة حتى انحلت عقدة لسانه، فصار أفصح ما يكون لفظاً وتعبيراً وإلقاءً. ونتيجة هذه العزيمة استطاع أن يسجّل فيما بعد ألمع صفحة فى فن الخطابة والفصاحة. وقد خلّده التاريخ باسم ديموستين، أبى الفصاحة والبلاغة وقوة الحجّة. لذلك لم يصمّم إنسان على أمر، وعكف على تحقيقه بكل جَلَد وثقة بالنفس، إلا كان النجاح حليفه، مهما امتدّ به الزمن. لذلك يقولون: «إن سرير العبقرى قصير ضيّق»، دليلاً على سهره وجَلَده وقلة إخلاده إلى الراحة، لأن النجاح يعتمد على العَرَق والحرمان والمثابرة. كما أن الإرادة هى سر النجاح فى الحياة، بها تحلّى عظماء الرجال فى كل عصر، ومن خلا منها، لن يُكتب له أى نجاح، بل سيستمر فى فشله ويعيش بدون هدف. وبمقدار ما لدينا من إرادة وعزيمة، نرقى فى سلم النجاح، لأن الإنسان بإرادته، يشق طريقه إلى العظمة والرقى والنبوغ. ويلخّص أحد العظماء مقومات الإرادة بقوله: «أول واجبات المرء نحو نفسه هو أن يحمل الناس على الاعتقاد فيه أنه مركّب من أكثر من طينٍ وماء. إن فيه فولاذاً أى الإرادة، لأن الرجال الذين سجّلوا أسماءهم على صفحات الخلود، هم الذين كانوا يفكّرون ويقرّرون ويعملون بكلِّ دقةٍ وثبات، بدون إهمال أو تردد». وبهذه الإرادة يجب أن نعوّد أنفسنا على القيام بالواجبات اليومية بكل دقةٍ وإخلاصٍ وثبات، وأن نتحلّى بالصبر على ما يواجهنا من صعوبات ومشقّات أو شدائد، وأن نواجها بثقةٍ وشجاعة. كما أن الإرادة تساعدنا على اتباع طريق الخير والحق والعدل، وعدم الحَيْد عنها مهما كلّفنا الأمر، وتمنحنا التصميم على تحقيق ما نراه صواباً أو خيراً فى الحال دون مماطلة أو تسويف. لذلك يجب علينا أن نسلك طريق الجهد والكدّ والصبر وعدم التخوّف من الصعوبات، إذا أردنا النجاح فى الحياة، فلابدّ للظلمة أن تنجلى، ولا بد للعراقيل أن تتحطم أمام الإرادة الصالحة. إن حياتنا كفاحٌ ومثابرة، ومما لاشك فيه لن يحالفنا النجاح فى بادئ الأمر، فلا نترك لليأس سبيلاً إلى أنفسنا، لأن أبواب النجاح عديدة، فإن أُغلق باب وثانٍ وثالث، فلابد أن ينفتح فى النهاية غيرهم. ومنافذ النجاح لا تُحصى، فإن ثابرنا، وجدنا النجاح يبحث عن منفذٍ ليتسلّل منه إلينا، ويمنحنا ثمرة تعبنا وحصاد جهودنا. إن النجاح حليف من يثبت ويجتهد وينتظر. إذاً، مَنْ يبتغى النجاح فى الحياة، يجب أن يضع أمامه عدّة مقومات: كفاح دائم، اعتماد على النفس، يقظة لا تغفل، مثابرة مهما كانت الصعوبات والعراقيل، وإرادة من حديد. لكن الإنسان عديم الإرادة، يتحجج دائماً بكلمة «لو....»، فهى دليل العجز وسقوط الهمّة، كما أنها تقتل فيه كل حماس وحيوية ومغامرة، ثم تدفعه إلى الكسل والبطالة والامتناع عن العمل. لكن يجب علينا ألا نجلس ضاربين كفاً على كفٍّ، متحسرين على ما فاتنا قائلين: «لو....»؛ ولا نقف مسمّرين أمام عراقيل تعترض طريقنا معتذرين بكلمة: «لو....»، لكن يجب أن نثق فى الله وعنايته، متجنبين هذه الكلمة، مستبدلين إياها بهذا السؤال: «كيف أستطيع؟»، ونُلقى خلفنا بعض الكلمات التى تحملنا على الإحباط مثل: لا أعرف، صعب، لا أستطيع، مستحيل... لذلك يجب علينا أن نتحلّى بالإرادة التى تشحذ الهمّة وتلهب الحماس فى داخلنا، وبالتالى تتضاعف القوة. ونختم بكلمات الكاتب والناقد الإنجليزى تشارلز ديكنز: «ضع ثقتك فى الله وفى جهودك الشخصية، وحاذر أن تفصل بينهما، فيكون النجاح حليفك».