د.نصار عبدالله يكتب: تبسيط الإجراءات أم تعقيدها؟

مقالات الرأي




رغم الحديث المتكرر الذى ما فتئ المسئولون يطالعوننا به صباح مساء عن أن الدولة ماضية فى تبسيط إجراءات التقاضى أمام المحاكم المختلفة، وكذلك فى إجراءات التسجيل أمام مكاتب الشهر العقارى، رغم هذا فالواقع العملى يؤكد أن العكس تماما هو الصحيح، وأن الكثير من هذه الإجراءات يتزايد فى كل يوم تعقيداً وصعوبة،...سوف أضرب فيما يأتى على ذلك بعض الأمثلة، وأولها يتمثل فى كيفية استخراج صورة رسمية من إعلام وراثة، حيث كان يكفى حتى سنوات قليلة مضت ( قبل أن تتعقد الأمور)، كان يكفى أن يتوجه المواطن الراغب فى الحصول على تلك الصورة إلى محكمة الأسرة (التى حلت محل محكمة الأحوال الشخصية) ويتقدم إليها بطلبه، وغالبا ما كان يحصل على الصورة بسهولة طالما أنه يعرف اسم المتوفى والتاريخ التقريبى للوفاة، دون أن يسأله أحد عن صفته أوعن كونه وارثا أو غير وارث، أو عن سبب طلبه للصورة التى يرغب فى الحصول عليها، فقد كان هذا الحق مكفولا لسائر المواطنين سواء كانوا من بين الورثة أو من سواهم، إذ كان المبدأ المأخوذ به هو أن الدافع الذى يدفع بمواطن معين إلى طلب صورة من إعلام وراثة مواطن آخر هو دافع مشروع إلى أن يثبت العكس (باعتبار أن حسن النية هو الأصل الذى لا يحتاج إلى إثبات)، خاصة أن هناك العديد من الأسباب التى قد تدفع مواطنا إلى طلب الحصول على إعلام وراثة متعلق بمواطن آخر حتى لو لم يكن واحدا من ورثته (كأن يكون مثلا دائنا للمتوفى أو مدينا له أو متعاملا معه بأى شكل من أشكال المعاملة ومن ثم فإن من مصلحته أن يعرف بشكل دقيق وموثق أسماء ورثته)، وعموما فقد كان هذا هو المتبع قبل أن تتعقد الأمور وتصدر تعليمات وزارة العدل بضرورة عرض الطلب أولا على النيابة العامة لكى تقوم ببحثه ثم تصرح أو ربما لا تصرح باستخراج الصورة المطلوبة!!، وبالطبع فإن هذه الخطوة الجديدة فضلا عن أنها تؤدى إلى زيادة أعباء النيابة العامة دون مبرر، فهى خطوة لا تقبل الوصف بأنها من خطوات تيسير الإجراءات، ولكنها وبامتيازـ خطوة من خطوات التعقيد !..ثمة مثال آخر يتعلق بالرسوم القضائية وهى فى المعتاد جزءان: أولهما ثابت لا تتغير قيمته بتغير قيمة الدعوى ويسدده المدعى وقت رفع الدعوى أما الجزء الثانى فهو نسبى يتمثل فى نسبة مئوية تتراوح ما بين 2إلى 5 فى المائة من قيمة الدعوى طبقا للجدول الذى اشتمل عليه القانون 126لسنة 2009 والذى نص أيضا على أن المدعى لايقوم وقت رفع الدعوى إلا بسداد الرسم المقرر عن الألف جنيه الأولى من قيمة الدعوى إذا لم تزد قيمتها عن أربعين ألف جنيه، (والرسم النسبى فى هذه الحالة هو 2فى المائة) أما إذا زادت عن ذلك دون أن تتعدى المائة ألف فإن الرسم النسبى يفرض على 2000جنيه فقط مع رفع نسبته إلى 3 فى المائة، وفى نهاية الدعوى يسوى فرق الرسم النسبى طبقا للقيمة التى تحكم بها المحكمة بغض النظر عما عسى أن يكون المدعى قد طلبه فى صحيفة دعواه أو فى طلباته الختامية، وفى هذه الحالة فإن الطرف الخاسر للدعوى هو الذى يتحمل الرسوم، وقد ظل الوضع كذلك بالفعل إلى أن قام وزير العدل بإصدار الكتاب الدورى رقم 2 لسنة 2009الذى نص على أن الرسوم النسبية تسوى طبقا للطلبات الواردة فى صحيفة الدعوى أو الطلبات الختامية و طبقا لذلك الكتاب أصدر تعليماته إلى أقلام الكتاب بالمحاكم لتنفيذ أوامره التى لا تمثل مخالفة صارخة للقانون فحسب، بل إنها تتجاوز ذلك لكى تمثل فى حد ذاتها جريمة هى جريمة الغدر المنصوص عليها فى المادة 114من قانون العقوبات والتى تنص على أن: «كل موظف عام له شأن فى تحصيل الضرائب والرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو يزيد على المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن، أدهى من ذلك وأمرّ هو أنه بدلا من تحصيل الرسوم من الطرف الذى خسر الدعوى، فإن المدعى فى الحالة التى يكون فيها هو الطرف الذى حكم لصالحه (أى أنه الطرف الرابح للدعوى) يكره إكراها على سداد فرق الرسم عندما يشرع فى استخراج صورة تنفيذية على أساس أنه سوف يقوم لا حقا بإضافة القيمة إلى ما قضى به لصالحه والتنفيذ بالمجموع جملة واحدة.. قمة التبسيط والعدالة..أليس كذلك؟