فى كتاب جديد.. يوميات حاخامات اليهود بمصر من الملك فاروق إلى عبد الناصر

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر



كشف رجل الدين اليهودي إبراهام ديان الذى سبق وشغل منصب حاخام الطائفة اليهودية بالإسكندرية، فى كتاب جديد بعنوان «آخر حاخامات مصر وحكمائها» تفاصيل تنشر لأول مرة عن رجال الدين اليهودى الذين اعتلوا مناصب دينية رفيعة بمصر خلال القرن الماضى، وأوضح أن العديد منهم لعب دورا مهماً فى سن التشريعات اليهودية التى خرجت للنور ومازالت تطبق حتى الآن بإسرائيل وغيرها من المدن التى تشهد تواجد جاليات يهودية.

وأشار «ديان» فى مقدمة كتابه إلى أنه مع نهاية الحكم العثمانى وبداية فترة الاستعمار البريطانى لمصر دخلت البلاد فى مرحلة التطور والذى أثر بشكل كبير على الطائفة اليهودية، فإلى جانب اللغة العربية كان عدد كبير من اليهود ملمين بلغات أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية وانغمس معظم الحاخامات الذين عاشوا بمصر فى الحياة الحديثة، فمن جانب سعوا لتبسيط التشريعات ومساعدة أبناء الطائفة اليهودية وأيضا حافظوا على جذور الشريعة اليهودية بشكل صارم.

ومن بين رجال الدين الذين ذكرهم «ديان» فى كتابه الحاخام رفائيل أهارون الذى شغل منصب الحاخام الأعلى لأكثر من 30 عاما، وأدخل تعديلات على شكل الزواج اليهودى، وأقر بإقامة الزفاف داخل المعابد اليهودية فقط وأنشأ صناديق لدفع المهور للمتزوجات للمرة الأولى، وساهم فى إقامة المستشفى اليهودى بالقاهرة، وساهمت فتواه فى فتح وثائق الجنيزة اليهودية الشهيرة.

وأوضح «ديان» أن إحدى أهم القضايا التى شغلت ذهن حاخامات اليهود ممن عملوا بمصر هى قضية التهويد، مضيفا أن عدداً كبيراً من اليهود تزوجوا من مصريات مسيحيات وطلبوا بعد الزواج تهويد زوجاتهم أو أبنائهم، موضحا أن الحاخام رفائيل أهارون أصدر فتوى بأنه فى حالة عدم التمكن من تهويد الزوجة فعلى الزوج أن يتنصر، وفيما بعد أصبحت قاعدة تشريعية.

وأشار «ديان» إلى رواية أخرى بطلها الحاخام أهارون كوهين، الذى شغل مهام منصب الحاخام الأكبر بالقاهرة، وروى أن شاباً مصرياً مسلماً تعرف على فتاة يهودية ونجح فى إقناع أسرتها بأنه سيؤثر على الحاخامات اليهود من أجل تهويده حتى يتمكن من الزواج منها، وبعد يومين من الزواج ونظرا لحظر الدخول فى الديانة اليهودية وفقا لتعاليم الإسلام، عاد الزوج إلى ديانته الأصلية وأجبر زوجته على اعتناق الإسلام، وهذا الأمر جعل الحاخام «أهارون كوهين» يصدر تشريعا بمنع تهويد المسلمين بشكل نهائى.

وإلى جانب التعديلات التى كان يدخلها حاخامات اليهود بمصر لتخفيف الأمور المعقدة فى الشريعة وتبسيطها، كانت هناك بعض الحالات التى شهدت تشددا مبالغا من جانب الحاخامات من ضمنها الفتوى التى أصدرها الحاخام رفائيل بن أهارون، فخلال مطلع القرن الماضى أقام أحد أثرياء اليهود وكان مقربا من السلطة حفل زفافه فى فيللته الفاخرة، ومع بداية الحفل نزل والد العريس إلى قبو الفيلا ليحضر زجاجة نبيذ معتق، لكن رفائيل بن أهارون رفض بحجة أن هذا النبيذ غير «كاشير» أى غير صالح وفقا للشريعة اليهوية، ليجبر والد العريس للنزول إلى القبو مرة أخرى لإحضار زجاجة أخرى، ورفضها الحاخام لنفس السبب، مما جعل الرجل يصطحب الحاخام للنزول بنفسه إلى القبو لاختيار الزجاجة التى يراها مناسبة من الناحية الدينية، وعندما دخل الحاخام غرفة القبو فاجأ الرجل بعدم صلاحية جميع الزجاجات نظرا لأن الرجل ينتهك قدسية يوم السبت وأن النبيذ الذى لديه فاسد ولا يصلح بأن يشربه اليهود، وفى هذا الوقت قرر الأب إعلان توبته، وهنا أقر الحاخام فى النهاية بصلاحية النبيذ.

وأوضح الكاتب أن العلاقة بين أغنياء اليهود بمصر وبين رجال الدين الحاخامات شهدت بعض المعارضات أبرزها اعتراض أعضاء الجالية اليهودية على الحاخام أهارون مندل نظرا لإصداره فتاوى متشددة ومتطرفة وقاموا بتغييره بحاخام آخر «إصلاحى» من ألمانيا، وفى معظم الحالات تطابقت الفتاوى الدينية التى كانت تصدر فى إسرائيل مع نظيرتها بمصر، عدا بعض الحالات منها على سبيل المثال أنه يحظر بإسرائيل على الشخص الذى لديه حالة وفاة أن يغتسل أو يقص شعره لمدة أسبوع، وفى إحدى المرات توجه شاب يهودى مصري إلى الحاخام عوبديا يوسف وسأله بعد مرور أسبوع هل بإمكانه الاغتسال وحلاقه شعره، ووافق الحاخام على ذلك، وبعدها توجه الشاب لحاخام آخر يدعى سعديا منير وأخبره بحصوله على فتوى تجيز حلاقة شعره، إلا أن الفتوى لم تعجب «سعديا» وذهب إلى عوبديا يوسف وعنفه لإصداره فتوى كهذه، ورد عليه أنه يكفى لهذا الشاب أنه فقد أمه هل عليه أيضا أن يتحمل الجو الحار بمصر؟، ليرد عليه الحاخام الآخر قائلا «هذه طقوسنا ولا ينبغى الإخلال بها».

وبعد إقامة الدولة العبرية عام 1948 تدهورت العلاقة بشكل كبير بين المصريين واليهود، وتم إلقاء القبض على كثير من اليهود بتهمة دعم وتأييد الصهيونية، وفى هذا التوقيت شجع حاخامات اليهود الشباب اليهودى على الهرب من مصر خوفا من السجن.

وقال «ديان» فى كتابه: «كانت تصلهم تعليمات من السلطات قبل اقتحام المنازل، وكانت تجمعهم علاقات جيدة ببعض المصريين الذين كانوا على استعداد لمساعدتهم وببعض اليهود المتطوعين الذين كانت تجمعهم علاقة جيدة بالسلطة وكانوا يخبرونهم بما ينبغى فعله، كما كانت تصل الحاخامات تبرعات مالية ضخمة من أثرياء اليهود كان معظمها يدفع للمهربين الذين يقومون بتهريب اليهود من مصر».

ومن المفارقات الغريبة التى حدثت بعد إقامة دولة إسرائيل، حدث أن قام الملك فاروق بإجبار حاخام يدعى «ناحوم أفندى» -وكان معروفا بمساعدة اليهود للهرب من مصر- بإصدار بيان يعلن فيه استنكار فكرة الصهيونية، وطالبه الملك فاروق أيضا بإقامة صلاة للدعاء للجنود المصريين للانتصار على إسرائيل خلال حرب 48، إلا أن الحاخام رفض وتم معاقبته بالسجن.

وأشار المؤلف إلى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طلب أيضا من حاخامات الطوائف اليهودية الصلاة من أجل نصرة الجنود المصريين فى حرب 67، وطلب من الحاخام موشيه ناطورا حاخام الإسكندرية الذى كان صهيونيا متحمسا، صياغة هذه الصلاة، لكنه رفض هو الآخر وتم طرده من مصر. وأوضح أن هذه النوعية من الصلوات التى كانت تبارك الجيش المصرى تم إجراؤها بالفعل وشارك فيها عدد من اليهود،وأنه لديه شهادات تثبت قيام يهود مصر بأداء هذه الصلوات وهناك منهم أيضا من  بارك ودعا للرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات.

ويشير إبراهام ديان إلى أن علاقة السلطة بمصر مع اليهود تغيرت بمرور السنوات على شاكلة ما حدث بالمغرب وإيران، حيث تم الفصل بين اليهودية والصهيونية، وأضاف أنه بعد التوقيع على اتفاقية السلام عام 1979 تغير حال اليهود الذين كانوا يعيشون بمصر إلى الأفضل لكن الشعور السائد هو الاحترام والشك فى نفس الوقت، قائلا: «فى تلك الفترة كان يرافقنى مسئول أمن ودائما ما كنت أنتقى ما أقول حتى لا يفسر كلامى بشكل خاطئ».

ويعمل إبراهام  ديان اليوم كحاخام فى إيطاليا، وكان قد سافر إلى الإسكندرية فى عام 2000 ووقتها كانت الطائفة اليهودية بمصر تبلغ نحو مائة يهودى منهم من أخفى هويته ومنهم من أعلن عنها، وتمكن من زيارة بعضهم أثناء تواجده بمصر، لكن البعض تحفظ من زيارته بسبب ملامحه الغربية وخشية أن يتعرف عليه البعض لكونه إسرائيليا.