عادل حمودة يكتب: هل تطالب «أم على» بعرش العراق؟!

مقالات الرأي




رغد صدام حسين: بابا ما بيحب الدم ولم يكن عاشقًا للحرب.. وكان عاطفيًا مع العراقيين

العائلة الملكية الأردنية رعتها ولم تقدم إليها أى دعم مالى.. فالأموال المهربة من خزائن العراق جعلتها تعيش حياة الأميرات

تعمدت الحياة الخفية طوال 15 عامًا خشية من انتقام ملايين الضحايا الذين سجنهم وسحلهم وسحقهم صدام حسين

احتاجت طلة رغد علينا إلى كميات من البوتكس تكفى لترميم وجه تمثال أبى الهول.. ولحق بها أطباء الرجيم للتخفيف من تمدد السمنة التى لم تستطع إيقاف زحفها.. وجاء الدور على خبراء الملابس لاختيار ثياب خالية من الموضة حسب ذوقها قبل أن يضع الماكيير المحترف كل ما لديه من أصباغ لتجلس مشدودة أمام الكاميرا متقمصة شخصية مارجريت تاتشر رغم أنها عاشت ما سبق من عمرها مثل السفيرة عزيزة.

رغد هى كبرى بنات صدام حسين عمرها 52 سنة وشهرتها: أم على نسبة إلى واحد من أبنائها الخمسة.

دون مقدمات تذكر وبعد سنوات تزيد عن خمسة عشر عاما من الخوف والخرس وإدمان العتمة وتجنب الضوء والحذر من البشر خرجت إلينا أم على عبر شاشة فضائية عربية شهيرة لتتحدث بإفراط امتد ساعات لتعوض به كل ما فاتها من ثرثرة وكل ما فقدت من شعور بالأهمية.

لم نكن نتصورها على قيد الحياة بعد أن أعدم أبوها وقتل شقيقاها عدى وقصى ليلحقا بزوجها حسين كامل المجيد الذى أمر والدها بالتخلص منه قائلا: لا أريد أن تشرق الشمس وهو حى.

كان المجيد قد انشق على النظام الذى صنع من شاب جاهل مثله لم يحصل على شهادة الإعدادية قائدا عسكريا ووزيرا للدفاع ومسئولا عن الحرس الجمهورى وحماية رئيسه.

لم يرحم صدام دموع ابنته التى حولها إلى أرملة أو رجاء أحفاده الذين أصابهم باليتم وأصر على قتل صهره خشية على ما يبدو أن يوصف بأنه: سفاح خفيف القلب والوصف إهانة لمن ينام على موسيقى الضحايا وهم يتلقون الرصاص فى رؤوسهم وعيونهم.

عاشت رغد فى الأردن تحت رعاية العائلة المالكة هناك لكن دون الحاجة إلى مساعدة من أحد فالأموال التى هربت من خزائن العراق جعلتها تنافس الأميرات فى الحياة المترفة وظل اسمها على مسمى.

حسب مجلة إكواير عثر الجنود الأمريكيون على خزانة حديدية بها عشرة ملايين دولار مدفونة فى مزرعة بالقرب من مدينة تكريت ومغلفة من تشيس مانهاتن بنك إضافة إلى كميات كبيرة من مجوهرات ساجدة طلفاح زوجة صدام موزعة على نصف دستة من أكياس القمامة مدفونة أيضا وكذلك العديد من الوثائق.

وتكرر العثور على مثل هذا الكنز ست مرات ولكن مؤكد أن هناك كنوزاً أخرى تشبهه نجحت العائلة فى وضع يدها عليها حسب ما رصدت واشنطن بوست فيما بعد.

تعمدت رغد الحياة الخفية أكثر من خمسة عشر عاما خشية انتقام ملايين الضحايا الذين سجنهم وسحلهم وسحقهم الفارس الرفيق المغوار المجاهد القدوة بطل التحرير وصانع النصر صدام حسين.

ولكن شىء ما لا يزال مجهولا شجعها على نبذ الخوف والقيام من الفراش والخروج إلى الضوء وتقمص شخصية أنديرا غاندى وهى تتحدث عن والدها.

دون مبررات ظاهرة راحت تعزف على أوتار أصحاب القلوب الخفيفة والذاكرة الضعيفة والدموع القريبة بحكايات عن إنسانية الزعيم التى تتساقط الرحمة من لسانه ويديه وعينيه وضعف القائد أمام الصغار فلم يكن ليقتل آباءهم فى وجودهم حرصا على مشاعرهم بل أكثر من ذلك كان يأمر بزيادة الحليب إليهم كلما شرب من دم ذويهم أكثر.

1- بابا ما يحب الدم

الوالد لم يكن عاشقا للحروب.

نعم أبى كان عاطفيا مع العراقيين.

بجرأة تحسد عليها ذكرت رغد تلك الجمل علنا ونشرتها فى تغريدة دون تردد فهل كانت تفكر فى أحد الصحابة وهى تتحدث عن أبيها؟ وهل كانت تفكر فى شعب السويد أو الدنمارك أو مونت كارلو وهى تتحدث عن شعب العراق تحت حكمه؟.

هل شدة الصدمات التى تعرضت إليها أصابتها بمرض نفسى ما جعلها تنكر ما عرفت من مذابح ومجازر واغتيالات طالت أقرب الناس إليها؟.

هل أصيبت بجلطة فى المخ أثرت على ذاكرتها البعيدة وجعلتها لا تفرق بين أودلف هتلر والمهاتما غاندى أو بين صدام حسين ونجاة الصغيرة؟.

كلا.

إنها ابنة أبيها تحمل جينات القسوة التى ورثتها عنه ولو أزالت المكياج عن وجهها ربما وجدت صدام حسين أمامك بل أكثر من ذلك بررت مجازره قائلة: عندما يكون رئيسك صدام حسين عليك أن تختار بين الرخاء والحرية.

إما الخبز أو الحرية.. إما السكن أو المعتقل.. إما الكراسة أو الرصاصة.. إما الزوجة أو القنبلة.. إما الثروة أو الميتة.. إما الوظيفة أو السكينة.. إما اللقمة المغموسة بالذل أو التعذيب بانتزاع الأظافر وتقشير العيون أو حرق الجلد والكتابة عليه بأسياخ النار: يعيش صدام حسين.

اختيار لا يوجد إلا فى جمهورية الرعب التى شيد أسوارها مجنون بداء العظمة الوهمية من ضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم عاشوا فى الدنيا طوال 23 سنة من حكمه.

لقد منح الله العراق ما لم يمنح بلدا عربيا آخر من ثروات المياه النهرية والتربة الخصبة الزراعية والآبار النفطية والكوادر البشرية لكن 25 سنة سوداء من حكم صدام حسين أجهزت على تلك الخيرات وتركت الشعب العراقى جائعا مشردا متعصبا منقلبا على نفسه ورافضا وحدة بلاده مطالبا بتقسيمها إلى دويلات ينتمى بعضها للفرس ويمارس البعض الآخر الإرهاب بدعوى إعلان دولة الخلافة.

لكن كل ما ارتكب ويرتكب فى العراق ليس سوى قطرة فى نهر دم أكثر شهرة من الفرات حفره صدام حسين بنفسه وعلق عليه سجله الأسود.

2- ثلاث حروب إقليمية فى الخليج

حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران استمرت ثمانى سنوات وقتل وجرح وأسر فيها مليون ونصف المليون عراقى.

وما يثير السخرية أن شعار الحرب كان: الطريق إلى تحرير القدس يبدأ بشط العرب.

نوع غريب من الحول السياسى لم يتوقف عند هذا الحد وإنما زاد اتساعه باحتلال الكويت ليضرب النظام العربى فى مقتل ويضاعف من الانقسامات والخلافات التى تسيطر عليه.

وكما كان متوقعا اشتعلت حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت وحصار العراق والتحكم فى موارده النفطية لكن القائد المنتصر وبطل السلام لم يستوعب الدرس وواصل التعامل بقسوة لم يصل إليها ديكتاتور قبله وسجلت الإحصائيات اختفاء أكثر من مائتى ألف شخص.

على أن تلك الأرقام بدت متواضعة إذا ما قورنت بحملة الإبادة الجماعية على أكثر من أربعين قرية كردية باستخدام مواد كيماوية حارقة مثل غاز الخردل الذى سبب العمى والبثور والقيئ والتشنجات لكل من نجا من الاختناق.

ولم يمنع الحصار مافيا صدام من الاتجار فى السلع الغذائية المسموح بدخولها العراق بقرار من الأمم المتحدة وفى الوقت الذى تراكمت فيه الملايين فى حجر العائلة الحاكمة مات خمسين ألف طفل لم يجدوا حليبا سائلا أو جافا ينقذهم.

وجاءت حرب الخليج الثالثة بكذبة أمريكية بريطانية تدعى أن صدام حسين لديه أسلحة دمار شامل وتحولت الكذبة إلى فضيحة طالت جورج بوش وتونى بلير ولكن لم يستطع النظام العربى الشبيه بثوب مرقع أن يفعل شيئا سوى أن يقف متفرجا دون أن يتصور أن عليه الدور فى الخراب والدمار والإرهاب والانقسام كما حدث فى العراق.

وكل ما فعل صدام حسين لمواجهة تكنولوجيا الحرب الأمريكية المتطورة هو وضع جملة الله أكبر على علم بلاده متصورا نفسه يمثل حزب الله فى مواجهة حزب الشيطان.

قبض على صدام حسين الفارس المغوار الرفيق النبيل البطل الشجاع مختبئا فى حفرة بعد أن صرخ فى وجه الجنود الذين اكتشفوا مكانه: لا تطلقوا النار.

وما أن خرج صدام من جحر الفئران حتى فقد المترجم المرافق أعصابه وراح يكيل الصفعات لصدام انتقاما مما أصاب عائلته وجيرانه وأصحابه حتى أبعدوه تنفيذا للأوامر التى طالبت ببقاء صدام حيا.

وقدم صدام حسين إلى المحاكمة وشهد العراق نوعا من العدالة لم يعرفه من قبل بعيدا عن القتل دون سماع الدفاع حسب القانون الذى ساد وعرف بقانون مسدس صدام.

لو تحدثت رغد ألف ساعة ما نجحت فى تغيير صورة والدها بل بالعكس ستحيى ما أهمله العالم بمرور الوقت وبدا ذلك واضحا فى ملايين التعليقات والروايات السلبية على السوشيال ميديا.

ولو كانت رغد تتصور أنها يمكن أن تلعب دورا سياسيا لتواصل مشوار والدها فلن يقبل أحد حتى عودتها إلى العراق.

ربما كان الهدف الوحيد الذى يمكن أن تحققه: الحصول على زوج تعيش معه ما تبقى من حياتها.