بطرس دانيال يكتب: العناء يزول والنجاح باقٍ
يحثنا سفر الأمثال قائلاً: «الإنسانُ مِن ثَمَرِ فَمِه يَشبعُ خَيراً، ومُكافأة أيدى البشر تُؤَدَّى إليهم» (أمثال 14:12). أراد أحد الأثرياء البارزين أن يلتحق ابنه بجامعة مميزة، وعندما عرضوا عليه برنامج المواد المطلوب أن ينهيها ابنه، تصفحّها جيداً ثم هزّ رأسه استخفافاً، وسأل المدير: «هل من الإلزام أن يتّبع ابنى جميع هذه الدورات الدراسية والمواد المقررة؟ أليس فى الإمكان تقصير المدة، لأن ابنى يرغب فى إنهاء دراسته بأسرع وقتٍ ممكن؟!» أجابه مدير الجامعة: «مما لا شك فيه أن هناك دورات أقصر فى المدة وأسهل بكثير، يستطيع ابنك أن يتبعها. لكنّ الفرق شاسع بين النتيجتين: لأن الدورات الكاملة الشاقة تصنع رجالاً أكثر جدارة ومهارة. كما أن الله ذاته ينتظر عشرين عاماً حين يريد نمو شجرة سنديان، بينما يُنبت القرع فى شهرين». هذا ما يحدث مع الغالبية العظمى سواء فى محيط العمل أو الدراسة، يفضّلون إتمام العمل الموَكّل إليهم فى أقصر وأسرع وقت ممكن دون جهدٍ وعناء. وما أكثر الذين ينجرفون وراء الطرق السهلة البسيطة، لأنها لا تحتاج جهداً كبيراً، ولا وقتاً طويلاً. ولكن النتيجة تكون ضعيفة وفقيرة، بقدر ما بذلوه من جهدٍ وتعب. كما أن الإنسان الذى يبحث وراء الجهد الأقل والاكتفاء به، يدل على أنه فاقد الهمّة وغارق فى الخمول والراحة. والشخص القليل العزيمة، الذى يكتفى بأقل ما يمكن من جهد، هو إنسان لا يفهم معنى العمل ولا يدرك أهمية الواجب. ما أكثر الذين يختلقون شتى الأعذار حينما لا يريدون عمل شىء كأن الأعذار سبب كافٍ يعفيهم من إتمام العمل والواجب، وإذا كانت الأعذار مقنعة، يجب ألا تعفينا من الواجب المطلوب منّا تجاه الآخرين، لأن الواجب يعلو على سواه. لذلك يجب علينا أن نعمل دائماً غير ملتفتين إلى المنفعة الشخصية، وإنما نعمل لأن العمل شريعة كل مخلوق حتى لو لم يكن فى حاجة. وعندما نقوم بعملنا، يجب أن نفكر فى منفعة الغير، فكما أننا نأكل ونشرب ونلبس ونستفيد من تعب الغير، كذلك علينا أن نفيد الآخرين من ثمرة عملنا. ويقول أفلاطون فى هذا الصدد: «إذا أتممت عملك بالرغم مما تشعر به من عناء، فالعناء يزول، بينما سعادة القيام بالواجب لا تزول أبداً». وهذا ما نلمسه فى حياتنا اليومية عندما نعمل، نتذوق بواكير عملنا قبل الأوان، إذ يكفينا ما نشعر به أحياناً من رضى وسعادة، لا لشىء إلا لأننا قمنا برسالتنا، أو حققنا واجباً مفروضاً علينا، كما أنه يمنحنا الأمل الذى به ننتظر ثمرة جهودنا وحصاد تعبنا. أيضاً سنربح احترام الناس لنا وتقديرهم لجهودنا، واعترافهم بجميلنا عندما يحين وقت جنى الثمار. يا ليتنا نُدرّب أنفسنا على القيام بالعمل المطلوب منّا، بحيث لا تغرب شمس كل نهار إلا ونكون قد أتممناه نحو الله والآخرين ونحو ذاتنا، لذلك يجب علينا ألا نترك أى فرصة تفوتنا لعمل ما هو صالح ومفيد لمجتمعنا. فالحياة نشاط متواصل ودؤوب، وفرض على كل إنسانٍ أن يعمل مادام على قيد الحياة، ولا قيمة لعمل إلا إذا كان فيه خير المجتمع، والإنسان الذى لا يريد أن يعمل، يُصبح عالةً على الآخرين، لأنه يريد أن يتسلق أكتاف الناس ليأكل ويشرب ويحيا دون أن يشمّر عن ساعديه، لا بسبب عدم قدرته أو مرضه، ولكن نتيجة كسله وانتهازيته. لكن النفوس السامية، تعتبر العمل قبل كل شيء، والواجب دائماً وأبداً مادام فى الإنسان عرق ينبض، وصاحب الضمير الحي، هو الذى يشعر بالمسئولية تجاه المطلوب منه، ويقوم به أحسن قيام، ولا يفكّر أبداً فى الهروب منه مهما كانت الأسباب. إذاً يجب أن نتحرر من الخمول واللامبالاة، لنصبح أشخاصاً صالحين ينكرون ذواتهم فى سبيل مصلحة الكل، ونتحلّى بروح العمل والواجب لنصبح مخلصين فيما نقوم به من أفعال، كما يجب أن نتخلّص من الاتكالية المقيتة، فنعمل دؤوبين بكل نشاط وهمّة، معتمدين على أنفسنا وبوحى المُثل العليا التى تمليها علينا الكتب المقدسة وتربية الأسرة. أيضاً أن نزيل من حياتنا غُبار النفعية والمصلحة الشخصية، فنعمل دائماً بهدف خير الآخرين، ولا ننتظر من وراء ذلك جزاءً أو شكراً. كما يجب علينا أن نشمّر عن سواعدنا للعمل مع أرباب الخير ودعاة الفضيلة، فالعمل يولينا رضى الضمير ونشوة الراحة بعد الجهد وجنى الثمار اللذيذة. ونختم بقول الشاعر: «لا تحسب المجد تمراً أنت آكله... لن تدرك المجد حتى تلعق الصبرا».