د. نصار عبدالله يكتب: فقراء العالم ولقاح كورونا
حتى كتابة هذه السطور لم يحصل مواطن واحد من الدول الأشد فقرا فى العالم والتى يبلغ مجموع تعداد سكانها مليارين من الأنفس على جرعة واحدة من أى لقاح من اللقاحات التى تم التوصل إليها والتى يبلغ عدد أنواعها حتى الآن أربعة أنواع فى مقدمتها اللقاح الذى أنتجته شركة فايزر وقد تم إنتاج تلك اللقاحات بمئات الملايين من الجرعات حصلت الدول الغنية وحدها (وهى الدول المنتجة نفسها فى معظم الحالات) على الجزء الأكبر منها، بل إن بعض التقارير تشير إلى أن بعض تلك الدول تمتلك ما يزيد عن احتياجات أبنائها، لكنها تفضل الاحتفاظ به وعدم التصرف فيه سواء بالبيع أوبالمنح إلى أن تتأكد تماما أن كل راغب فى التلقيح من أبنائها قدحصل على جرعاته المطلوبة. بطبيعة الحال فإن الشركات المنتجة هى فى معظم الحالات شركات قطاع خاص لا يحركها سوى دافع الربح، لكن تلك الشركات لا تستطيع أن تتجاهل أن اللقاح قد أصبح سلعة استراتيجية مثله مثل السلاح تماما فهى لا تستطيع بيعه إلا بعد الحصول على الضوء الأخضر من حكوماتها، والحكومة لن تمنحها الضوء الأخضر إلا بعد أن تحصل هى على حصة مواطنيها وتقوم بسداد الثمن إلى الشركات المنتجة!، وهكذا فإن قدر الدول الفقيرة هو أن تظل منتظرة وصول تلك المنح التى أعلنت عنها الدول الغنية والتى قدرتها منظمة الصحة العالمية طبقا لتعهدات الدول المانحة بما يزيد عن أربعة مليارات دولار، لا نعلم على وجه التحديد متى سوف تصل؟ ولا ما هى المعايير التى سوف يتم بناء عليها توزيع تلك المنح، وهل سوف تتدخل الأهواء السياسية فى تلك المعايير؟ وكم من المواطنين فى الدول الفقيرة سوف تصيبهم العدوى وهم يترقبون الوصول؟ ٍ، فى هذا الخصوص ينبغى أن نشير إلى أنه فى واقع الأمر فإن هذا الموقف الأنانى من الدول الغنية هو موقف ضيق النظرة وهو ليس فى مصلحتها هى من المنظور الاقتصادى الخالص إذ إنه كفيل إذا تدهورت الأحوال فى الدول الأشد فقرا، كفيل بأن يفقدها سوقا هائلة قدرها 2مليار مستهلك، وهو ما كان يستوجب منها أن تحرص على هذا السوق وأن تعمل على تنميتها حتى لو اكتفت بتلقيح ثمانين فى المائة من مواطنيها فقط من مواطنيها إذ إن مثل هذه النسبة كفيلة بتحقيق وقاية للمجتمع من الفيروس جنبا إلى جنب مع اتباع الإجراءات الاحترازية... ما يعنينا بالنسبة لمصر فإن الخبر السار فى هذا الخصوص هو أن مصر قد تعاقدت فعلا على استيراد 45 مليون جرعة من اللقاح، أما الخبرالأكثرمدعاة للسرور فهو أن مصر سوف تبدأ فى إنتاج اللقاح بإمكانياتها الذاتية ، ومصرـ للعلم تمتلك خبرة فى إنتاج الأمصال واللقات تمتد إلى أكثر من قرن من الزمان فأول معهد لإنتاج اللقاحات فى الشرق الأوسط وإفريقيا هو ذلك الذى تم إنشاؤه فى العباسية عام 1903، صحيح أن ذلك المعهد كان متخصصا فى إنتاج اللقاحات البيطرية، لكن سرعان ما أنشىء بعد ذلك عدد من المعاهد المتخصصة فى إنتاج الأمصال واللقاحات البشرية، على رأسها معهد الأمصال بالدقى الكائن بشارع وزارة الزراعة بالعجوزة، والذى يتبعه عدد كبيرمن الفروع، داخل وخارج القاهرة، وقد استطاع هذا المعهد أن يلبى احتياجات مصر بالكامل من عدد من الأمراض الخطيرة، خاصة تلك التى كانت تفتك بالأطفال كالدفتيريا والسعال الديكى والحصبة والجدرى وشلل الأطفال، بل إن المعهد قد بدأ فى السنوات الأخيرة ينتج مصلا مضادا للالتهاب الوبائى الكبدى الناشىء من فيروس B وهوالفيروس الأكثر انتشارا وإن لم يكن هو الأشد فتكا، فالفيروس الأشدفتكا فى هذا المجال هو فيروس C وهو الذى يعزى إليه تلف نسبة لا يستهان بها من أكبادالمصريين (يقدرهاالبعض بعشرين فى المائة، وإن كان هناك من يرى أن هذه نسبة مبالغ فيها، فى حين يرى آخرون أن هذه النسبة أقل من الحقيقة بكثير، وأيا ما كان الأمر فإننى أتمنى أن يقوم الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بإجراء دراسة مسحية موثقة تبين لنا مدى التفشى وتوزيعه الجغرافى والطبقى، وفى رأيى أن الدراسة المسحية للأمراض والبيانات المتعلقة بها لا ينبغى إطلاقا أن تقتصرعلى وزارةالصحة بل إنها ينبغى أن توكل إلى جهاز يجمع بين العلم والكفاءة والحزم، وهى الصفات التى تتوفر فى الجهاز المركزى.