"أعياد زمان" خيمة المولد النبوي عند المماليك وأصل عادة النقوط

أخبار مصر

بوابة الفجر


يتكلم الكثيرون عن التاريخ السياسي، ولكن هناك جانب هام للغاية في تاريخ المصريين وهو الجانب الاجتماعي، وضمن الاجتماعيات التي عُرفت عن الشعب المصري منذ قديم الزمن هي الأعياد والاحتفالات المختلفة، وفي العصر الوسيط يعتبر الفاطميون أصحاب العدد الأكبر من الأعياد، ولم يقم الأيوبيون بإلغاء الأعياد الفاطمية إلا ما كان منها شيعيًا واضحًا، وسار سلاطين المماليك على نهج الأيوبيين واعتنوا بالأعياد سواء الدينية أو القومية وأضافوا إليها واستحدثوها.

ومن أبرز الاحتفالات في العصر المملوكي كان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتبدأ مظاهر السرور والفرح والاحتفال ببداية شهر ربيع الأول، ثم يبدأ المهرجان الحقيقي في الليلة الكبيرة.. وهي 12 ربيع الأول.

ويقول ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور، إن السلطان قايتباي كان أول من أقام ما أطلق عليه المعاصرون "خيمة المولد" ووصف الخيمة دي فقال إنها خيمة زرقاء اللون على شكل قاعة بها 3 إيوانات وفي الوسط قبة خشبية على 4 أعمدة، وقال إن تكلفتها بلغت 30 ألف دينار.

بعد إتمام إقامة الخيمة يوضع في أبوابها أحواض من الجلد المحلى بالسكر والليمون، وحولها أكواب فاخرة من النحاس المنقوش وحولها الغلمان يناولون الوافدون دون فارق بين صغير ولا كبير.

يبدأ الاحتفال بعد الظهر ويمتد حتى ثلث الليل.. وعندما يصل السلطان ويستقر في صدر خيمته يجلس عن يمينه شيخ الإسلام، وعن يساره قضاة القضاء الأربعة، والفقهاء، وشيوخ العلم، والأمراء في ساحة الخيمة على مسافة من السلطان.

ويبدأ الاحتفال بتلاوة القرآ فيتعاقب المقرؤون وكلما انتهى واحد أنعم عليه السلطان بـ 500 درهم، ثم يأتي الوعاظ وينعم السلطان على كل منهم بـ 400 درهم.

بعد صلاى المغرب تمتد أسمطة "موائد" الحلوى السكرية مختلفة الألوان فتؤكل ويوسع الناس على أولادهم منها، وكانت الصحون متسعة حتى أن أحد الفقراء أخذ صحنًا ووزنه فجاء ربع قنطار، وبعد انتهاء الطعام يأتي دور المنشدون، فيمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكرون مولده إلى ثلث الليل.

ويقول الحسيني في المجالس السلطانية، أن الخليفة والقضاة والأمراء والجند يأتون طائفة بعد أخرى ليقبلوا الأرض أمام السلطان فينعم عليهم من الشريف إلى الوضيع ويخلع عليهم الخلع ويجبر خاطرهم بالمنح.

ثم تأتي طوائف الفقراء والمغنيين والراقصين ويستمر السماع، والسلطان جالس ويده تملأ الذهب ويفرغ لمن له رزق والخازندار يأتيه بالكيس تلو الكيس، وقيل إن قايتباي أنفق على الفقراء ومشايخ الصوفية والزوايا في تلك الليلة 4000 دينار، وبلغ مقرر بعض المداحين والغنيين ألف درهم، وفي صبيحة الليلة الكبيرة يتم توزيع القمح على الزوايا والربط.

أما العامة فكانوا يحتفلون أيضًا، فيصنعون الولائم ويتصدقون في ليالي الشهر الكريم بأنواع الصدقات المختلفة، ويعتنون بقراءة السيرة النبوية، واعتاد البعض احياء ليلة المولد في بيته، وكان البعض يتطرف فيأتي بالمغاي وآلات الطرب ويتسابقون في اللعب بالدف والربابة.

وقال ابن الحاج في المدخل، إن المدعوين لهذه الحفلات كانوا "ينقطون" صاحب الدار ببعض الدراهم من باب المجاملة على أن يردها لهم في إحدى أفراحهم أو حفلاتهم المقبلة، وهذه هي عادة النقوط التي لازالت مستمرة إلى عصرا الحالي بأشكال مختلفة.