عادل حمودة ومى سمير يكتبان: كورونا إلى الأبد

مقالات الرأي



على الحكومات تغيير خطط الطوارئ إلى خطط دائمة فالفيروس بأجياله المختلفة مستمر معنا سنوات

3 أسباب لتوطين الجائحة:

1- استحالة إنتاج 16 مليار جرعة لقاحات سنويًا لسكان العالم

2- تحوير وتحويل وتغيير الفيروس بموجات تقضى على المناعة المكتسبة

3- رفض التطعيم بين الأقليات فى الدول الفقيرة خشية تلويث اللقاحات بمواد سامة

وصفت لقاحات فيروس كورونا بأنها معجزة أنقذت 150 مليون شخص من القتل ولكنها فى الحقيقة معجزة محدودة وقاصرة وتحتاج إلى معجزات أخرى تلحق بها لتساعدها وتساندها وتواصل مسيرتها.

فى أول فبراير انتشرت بين الأطباء والعلماء تغريدة كانوا ينتظرونها: بدأ السحر لكن نقولها بحذر.

كان المقصود بالسحر اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.

فى 6 فبراير حصل 40 % من سكان إسرائيل و85 % من كبار السن على اللقاح فقلت حالات دخولهم المستشفيات ولكن فى الوقت نفسه شهدت البلاد ارتفاعا فى عدد الحالات بسبب تحور الفيروس وارتفع الرقم فى العالم كله إلى 100 مليون حالة.

لن تجهز اللقاحات على الفيروس أو تمسك به قبل أن يتغير ويتنازل عن توكيل عزرائيل بل إن المرض سينتشر لسنوات وربما يصبح متوطنا.

بداية من 10 فبراير سمحت منظمة الصحة العالمية بتسعة لقاحات تناولها حتى ذلك التاريخ 148 مليون شخص والرقم يتجاوز عدد حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس منذ ظهوره.

جميع اللقاحات بدت جيدة جدا فى الوقاية من الحالات الشديدة بفاعلية 85 أو 100 % ضد الأعراض شديدة الخطورة ولكن الغريب أن بعض الحالات المتوسطة تستمر آثارها مع اللقاح لعدة أشهر تنهك خلالها المصاب فى حالة محيرة طبيا.

وحتى الآن لم نعرف هل يصاب بالفيروس من حقن بتطعيم؟ هل تظهر عليه أعراض مخففة؟ هل تنتقل إليه العدوى من شخص مريض؟.

وحسب كثير من الاجتهادات الطبية فإنه لو كانت اللقاحات تقلل من الأعراض أو لا تظهر الأعراض على المصاب المحقون بلقاح فإنه سيكون خطرا على من لم ينالوا لقاحا.

والمؤكد أن الفيروس فاجأ الحكومات على نحو غير متوقع وبسرعة واجهته بخطط طوارئ عاجلة تصورت أنها لن تستمر طويلا ولكن مع استمرار الضيف الثقيل جاثما على صدرها أصبح عليها وضعه فى حساباتها الدائمة قبل أن ترسم خطا واحدا فى اتجاه المستقبل.

وليس عليها أن تراهن كثيرا على اللقاحات التى خرجت إلى النور بعد نحو العام من التعرف على الفيروس وإلا ستخسر أعدادا إضافية من شعبها.

عليها ضبط سلوكيات مواطنيها بوسائل مناسبة حتى لو بدت صارمة لضمان عدم التوسع فى انتشار العدوى خاصة فى الدول كثيفة السكان مثل الهند وباكستان ومصر.

حسب مشاهداتى فى مصر فإن واحدا من عشرة فقط يلتزمون بالقواعد ولو كنا فى منطقة حساسة مثل مطار القاهرة حيث لا أحد يقيس درجة الحرارة ولا أحد يحترم مسافات التباعد ولا توجد مطهرات فى الحمامات والاستراحات والكافيتريات وغالبا ما توضع الكمامة تحت الأنف إذا ما استجاب البعض واستعملها ولو كان ذلك يحدث فى المطار ترى ما هو الحال فى الأسواق فى العتبة والموسكى مثلا؟.

اللقاحات بالقطع تخفف من أعراض الإصابة بالفيروس وغالبا ما تنقذ من الموت وتحد من تطور الحالة إلى حد دخول المستشفى وبالتالى يبطئ الوباء ولو قليلا ويسهل تخفيف عمليات الإغلاق ولكن مثل هذه الأخبار المفرحة تفرض علينا فى الوقت نفسه أن تتذكر أن القضاء الكامل على الفيروس يبدو مستحيلا وسيستمر فى الانتشار على نطاق واسع ومرعب ومن المرجح أنه سيجد بيتا دائما بيننا يستقر فيه مما سيؤثر على الكيفية التى ستتأقلم بها الحكومات والشعوب فى وجوده الإجبارى.

أحد أسباب استمرار كورونا أن صنع وتوزيع ما يكفى من اللقاحات المكتشفة لحماية سكان العالم 7.8 مليار نسمة مهمة شاقة وتحتاج سنوات طوال يكون الفيروس فيها حرا طليقا يتصرف على هواه.

بريطانيا التى تقوم بتطعيم السكان بأسرع معدل لن تنتهى من تطعيم فوق الخمسين قبل مايو القادم وخارج العالم الغنى لم تبدأ 85 % من الدول بعد برامج التطعيم الخاصة بها وغالبا لن تحقق الأمن اللقاحى لمواطنيها قبل 2023.

والمؤلم أن على تلك الدول تطعيم شعوبها كل سنة فى حين أنها لا تقدر على هذه المهمة إلا كل ثلاث سنوات.

والمشكلة الصعبة قدرة الفيروس على التحور والتحول والتطور مما يلغى بعضا من عمل اللقاحات والمأساة المؤلمة أن نسبة العدوى فى النسخ الجديدة من الفيروس أعلى من النسخة الأصلية مما يزيد من تراكم الحالات والوفيات بسرعة أكبر حتى لو لم يكن الفيروس المتغير أكثر فتكا.

ويمكن للنسخة الجديدة من الفيروس مقاومة اللقاحات الحالية كما حدث فى البرازيل وجنوب إفريقيا حيث هزمت المناعة المكتسبة من كورونا سابقة.

إن النسخ الجديدة من الفيروس يمكنها إعادة البلاد التى قامت بتلقيح الكثير من شعبها إلى المربع الأول بالفعل.

وهناك سبب آخر وراء انتشار الإصابة بالفيروس هو أن كثيرين من الناس يرفضون التطعيم أو لم يصل إليهم التطعيم مما يزيد من احتمالات الإصابة والوفاة.

إن بريطانيا الحريصة على تطعيم مواطنيها حتى وصلت إلى 13 مليون جرعة وجدت ما يقرب من مليونى شخص يرفضون التطعيم وتكررت حالات الرفض الجماعية فى الولايات المتحدة وفرنسا وسترتفع حالات الرفض فى الشهور المقبلة بين الأصغر سنا ربما لشعورهم بأنهم أقل عرضة للإصابة ولكن الأهم زيادة الحملة المضادة للقاحات بأكاذيب صريحة خاطئة توهم بأنها تسبب العقم والزهايمر وتلف الحمض النووى.

وصعدت الصين وروسيا فى حملات التضليل ضمن حروبهما ضد اللقاحات الغربية خاصة لقاح فايزر.

لكن من ناحية أخرى هناك مخاوف إنسانية كل ما يدخل الجسم ما عدا الطعام وقبول التطعيم تجربة مشحونة بالعواطف منذ طعم الدكتور إدوارد جينر البريطانيين بجدرى البقر ضد الجدرى البشرى فى القرن الثامن عشر ونشرت كاريكاتوراً لرجال حقنوا باللقاح وقد تحولت رؤوسهم إلى رؤوس بقر.

ومنذ ذلك الوقت من عام 1853 أصبح التطعيم إجباريا لجميع الأطفال فى غالبية الدول الأوروبية ولكن فى المواجهة اعتبرت تيارات معارضة التطعيم مناهضاً للحرية الشخصية ونشرت معلومات خاطئة تشبه ما ينشر اليوم.

بل تكونت فى عام 1878 منظمة وطنية ضد التطعيم الإجبارى فى إنجلترا واعتبرته شرا أكبر من الجدرى نفسه وتكهنت بأن التطعيم الإجبارى مؤامرة من المؤسسات الطبية وهو ما تكرر كثيرا فيما بعد.

ولكن فيما بعد انتصر الطب وأصبحت اللقاحات المركبة ضد الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكى إنقاذا لنحو 85 % من أطفال العالم فى عامهم الأول.

ولكن حتى الآن لا يطعم الأطفال بلقاحات كورونا رغم تعرضهم للإصابة بالفيروس.

وترفض الأقليات فى دول كثيرة التطعيم لفقدانها الثقة فى حكوماتها ومؤسساتها الطبية خشية أن تحقن بما يقيد نموها أو يصيبها بأضرار ما.

بل إن نصف الأطقم الطبية فى تلك الدول يرفض التطعيم رغم موت بعضهم بالفيروس.

ولابد من تطعيم ثمانين فى المائة على الأقل حتى تهدأ الجائحة وتنحصر إلى حد كبير.

ولابد أن تكف الحكومات على اعتبار كورونا أمرا طارئا وعليها تغيير طرق التعامل معها لتصبح دائمة.

أغلقت نيوزيلندا أبوابها على أنفسها فلم تزد الوفيات عن 25 حالة ولكن نيوزيلندا ليست كوريا الشمالية لتلجأ إلى هذه السياسة القاسية ولن يقبل شعبها الاستمرار فى ذلك السجن العام.

سيتعين على الحكومات تحديد متى وكيف تتحول من تدابير الطوارئ إلى سياسات مستدامة اقتصاديا واجتماعيا إلى أجل غير مسمى.

ليست الإجراءات الاحترازية المفروضة والمتبعة مؤقتة وليست قواعد التباعد الاجتماعى ترفا نختاره أو نرفضه وإنما إجبارا لا يمكن الاستهتار به.

وليس هناك ما يمنع من فرض عقوبات على المخالفين ويمكن تشديد العقوبة كلما تكررت المخالفة والمؤكد أن الدول التى تنفذ العقوبات بصرامة مثل السويد تنخفض فيها النسبة بعشرين فى المائة على الأقل.

لكننا فى مصر نؤمن بأن الغربال الجديد له شدة سرعان ما ترتخى.

كنا نقيس درجة الحرارة على أبواب الشركات والمؤسسات ثم نسينا الترمومتر فى مخزن مهمل وكانت المحلات التجارية تضع عند مداخلها مطهرات وكمامات ثم وفرت ثمنها لتحقق مزيدا من الربح ولو على حساب الضحايا.

وحاول أن تنصح أحدا بوضع الكمامة على أنفه وفمه ليغضب منك وربما سبك أو لكمك مع أن المسئولية جماعية.

وعلينا التعود على التعليم عن بعد وإجراء الحوارات التليفزيونية عن بعد والعمل عن بعد وتقليل حمل النقود والتعامل بالبطاقات الائتمانية ولكن السؤال المحرج لكل شركات الاتصالات وللجهاز المراقب عليها: هل يصلح الإنترنت لدينا للمهام الجديدة الثقيلة التى ألقيت عليه؟.