محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 30.. «الشهد والدموع» معركة ضد الزمن والمنتج والرقابة

مقالات الرأي




صلاح السعدنى اعتذر عن دور «شوقى» لارتباطات أخرى.. وفردوس عبدالحميد تفضل «ليلة القبض على فاطمة» وتعتذر عن دور «زينب» 

المنتج الإماراتى بعد 40 يوما فى استوديوهات عجمان: عثرة مالية تمنعنى من استكمال تصوير الحلقات وسأكتفى بما صورته

التليفزيون المصرى يعرض على أسامة أنور عكاشة إنتاج بقية الحلقات بعد نجاح الجزء الأول

أسامة أنور عكاشة كتب المسلسل فى 35 حلقة وتعاقد مع المنتج الإماراتى عبدالله مراد

المخرج رضا النجار المرشح الأول لإخراج المسلسل وخلافات فى وجهات النظر تطيح به

الرقابة منعت تصوير جميع المشاهد التى تنتقد الأوضاع بعد ثورة يوليو فى معركة خرج منها المؤلف مهزوما

المخرج إسماعيل عبدالحافظ لخالد زكى: اعتذارك مرفوض وهتشتغل المسلسل

كطفل وحيد، ظل طوال عمره يبحث عن حضن أم مفقود؛ عوض الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة؛ عميد الأدب التليفزيونى؛ هذا الفقد على الورق؛ ليتحول إلى لحم ودم وشخصيات أقرب إلى الحقيقة؛ كان مثال الأم لديه، امرأة قوية، تفرض إرادتها على الزمن؛ وتستطيع أن تغلب قسوته؛ وتحمى صغارها من بطشه. نموذج مدهش لامرأة مكافحة؛ قرر أن يصيغه بمنتهى الدقة والأحاسيس فى شخصية «زينب» المرأة المقهورة التى توفى زوجها الثرى «شوقى»، ووضع شقيقه «حافظ» يده على ميراثه؛ وميراث أولاده من بعده، لتواجه «زينب» الحياة بوجه يحمل شراسة النمرة؛ وقلب يحمل جبال الحنان والحزن.

1- فردوس عبدالحميد «زينب»

فى حديث نادر قال الكاتب الكبير الراحل إن شخصية على البدرى فى «ليالى الحلمية» تشبهه تماما، ويكاد يكون على البدرى بما عاشه من صعوبات هى بعض ما عاشه الكاتب الكبير، خاصة أن كليهما كان بلا أم، وفى ليالى الحلمية اختار أسامة أنور عكاشة أن تكون «فردوس عبدالحميد» هى الأم البديلة من خلال شخصية «أنيسة» لتعوضه حرمان رحيل الأم.

نظرة أسامة أنور عكاشة لفردوس عبدالحميد كأم حنونة، لم تقتصر على «ليالى الحلمية»، لكنها تأكدت عندما رشحها للعب بطولة مسلسل «الشهد والدموع»، من خلال شخصية «زينب» التى قدمتها فيما بعد الفنانة الكبيرة عفاف شعيب.

لكن فردوس كانت قد وقعت فى نفس وقت التحضير عقدا يقضى ببطولتها لمسلسل «ليلة القبض على فاطمة» قصة سكينة فؤاد وسيناريو وحوار الكاتب الكبير الراحل محسن زايد، وإخراج محمد فاضل، ووقتها لم يكن المخرج الكبير والفنانة الكبيرة قد تزوجا، وتم ترشيحها فى البداية عن طريق الكاتب الكبير محسن زايد.

وبما أن الفنانة القديرة فردوس عبدالحميد تحترم تعاقدها، فإنها رفضت بطولة الشهد والدموع، وفضلت عليه مسلسل «ليلة القبض على فاطمة».

2- شريك النجاح

وعندما سُئل الكاتب الكبير الراحل وعميد الأدب التليفزيونى أسامة أنور عكاشة عن سبب اختياره للمخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ، لإخراج ملحمته الدرامية «الشهد والدموع»، قال دون أن يفكر، إن علاقتهما بدأت من المنشأ؛ فى محافظة كفر الشيخ، مسقط رأسيهما؛ وتزاملا فى كلية الآداب لكن فى قسمين مختلفين، وكان يعرف عنه دفء مشاعره؛ وعواطفه وإنسانيته؛ لذلك قرر أن يسند إليه مهمة إخراج المسلسل الذى كان يحتاج لمخرج فى موهبة وإحساس وفكر؛ إسماعيل عبدالحافظ، لينقل بدوره تجربة الشهد والدموع فى حياة أسرة مصرية.

الغريب أن المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ، لم يكن المرشح الأول لإخراج ملحمة «الشهد والدموع»، بينما كان المخرج الراحل رضا النجار هو أول المرشحين لإخراج المسلسل، وجمعت جلسات عمل كثيرة بين المؤلف والمخرج، أسفرت عن اكتشاف خطير، أن كليهما لا يقف على نفس الأرض الفكرية، وأن وجهات النظر بعيدة، وهناك استحالة لتقريبها؛ وقتها لم يكن أسامة أنور عكاشة الذى بدأ مسيرته بمسلسل «الفارس الأخير» 1978، بالشهرة الكافية التى تسمح له بالإطاحة بالمخرج، ولم يكن رضا النجار الذى بدأ مسيرته كمخرج بمسلسل «ليل الغربة» 1982 أيضا بالشهرة الكافية التى تمكنه من إجبار مؤلف واعد على تغيير أفكاره؛ وبعد شد وجذب بين الطرفين على المستوى الفكرى، اتفقا على أن يتقابلا فى عمل آخر.. ليقرر الكاتب الكبير أن يسند مهمة الإخراج إلى بلدياته النبيل إسماعيل عبدالحافظ.

قرار أسامة بتغيير المخرج وافق عليه منتج المسلسل «عبدالله مراد»، وهو إماراتى الجنسية، وبالفعل تم الاتفاق مع اسماعيل عبدالحافظ الذى حاز سيناريو أسامة أنور عكاشة على رضائه التام، وبدأت جلسات العمل بين الطرفين لوضع فريق التمثيل، وكان الاتفاق بينهما على لعب فردوس عبدالحميد لبطولة المسلسل واعتذرت للأسباب سالفة الذكر.

3- طاقة القدر

باعتذار فردوس عن العمل، قرر المخرج إسماعيل عبدالحافظ، والكاتب أسامة أنور عكاشة، ترشيح الفنانة عفاف شعيب للعب بطولته، وبدأ كلاهما يبحثان عن عفاف، ولم يتوصلا إليها بعد أسبوع كامل من البحث، وقتها كانت عفاف شعيب، تصور مسلسلا باستوديوهات أثينا باليونان، ولا تعلم عن الأمر برمته أى شىء.

وفى أحد أيام التصوير، جاء من مصر الفنان أحمد الجزيرى لتصوير دوره فى نفس المسلسل الذى تصوره عفاف شعيب باليونان، وما إن قابلها قال لها « أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ، قالبين الدنيا عليك فى مصر يا عفاف، فى دور لو عملتيه تبقى الست والدتك دعيالك فى ليلة القدر».

الفنانة عفاف شعيب كان قد تبقى لها يومين تصوير فى اليونان، ومن بعدها ستعود إلى مصر، وما إن عادت تلقت اتصالا هاتفيا من المخرج إسماعيل عبدالحافظ، يقول لها «عندى ليك دور رهيب» وأرسل لها 22 حلقة من السيناريو الذى كتبه أسامة أنور عكاشة قرأتها عفاف بالكامل فى نفس الليلة ووافقت على لعب بطولة المسلسل الذى تم تصوير الجزء الأول منه باستوديوهات عجمان.

4- حافظ وشوقى

رسم مسلسل «الشهد والدموع» أمام الفنان الكبير يوسف شعبان طريق النجومية فى التليفزيون، بعد أن حققها على شاشة السينما، وكان دوره من أعظم ما قدمه على الشاشة الصغيرة حتى الآن (أول من طلب ترشيحى لدور حافظ رضوان هو الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، وكنت قد قدمت قبلها بطولة أول أعماله مسلسل الفارس الأخير من إخراج فخر الدين صلاح، كان يرى فىّ صورة البطل، والحمد لله خرج العمل بشكل رائع، فأعمال أسامة مثل الموسيقى الكلاسيكية التى نحتفظ بها).

نجاح يوسف شعبان فى أداء دور حافظ رضوان لم يأت من فراغ، كونه أكثر نجوم العمل حفظا واستعدادا للدور، فخلال أوقات الراحة وجلسات الترفيه بعد نهاية يوم التصوير، كان يوسف شعبان يخرج معهم بصحبة مشاهد اليوم التالى لحفظها ودراستها، وكان هو النجم الوحيد الذى يفعل ذلك.

كان الفنان محمود الجندى من أوائل المرشحين للعب بطولة المسلسل على الإطلاق، فالفنان الكبير الراحل حصل على نسخة من سيناريو المسلسل، وعليها اسم المخرج الكبير رضا النجار، وعلم بعدها أن المسلسل توقف لفترة، فوجئ بعدها بأن جهة الإنتاج ترسل له نسخة جديدة من السيناريو لم يتغير فيها سوى اسم المخرج، وكانت الأخيرة تحمل اسم اسماعيل عبدالحافظ، لكن قبل اعتذار رضا النجار وترشيح محمود الجندى، كان هناك اتفاق مسبق بين الكاتب والمخرج أن يقدم صلاح السعدنى دور «شوقى» لكنه كان مرتبطا بأعمال أخرى فقرر الاعتذار فتم الاستقرار على محمود الجندى، وبعدها تم ترشيح عفاف شعيب، نوال أبو الفتوح «دولت»، أحمد الجزيزى «جعفر»، محمد متولى «حجازى»؛ رجاء حسين «إحسان»، جليلة محمود «سنية»، سيدعبدالكريم «عبودة»، وضيف الحلقات حمدى غيث «الحاج رضوان».

وبعد الاستقرار على الممثلين، تقرر موعد السفر للتصوير باستوديوهات عجمان، وسافرت أسرة المسلسل بعد أن وفر المنتج الإماراتى عبدالله مراد سبل الإقامة وحجز استوديو التصوير، وبعد بناء الديكور بدأ المخرج إسماعيل عبدالحافظ تصوير المسلسل.

5- الصدمة

مر على سفر أسرة المسلسل نحو 40 يوما، قبل أن يجتمع المنتج عبدالله مراد بالمخرج إسماعيل عبدالحافظ، أخبره آسفا أنه تعرض لعثرة مالية كبيرة، وعلى ذلك لن يستطيع استكمال أيام التصوير، وكان قبل ذلك قد سأل الفنانة الكبيرة عفاف شعيب التى روت الواقعة ( سألنى ما رأيك فى هذا المسلسل، أخبرته أنه مسلسل عظيم بحق من ناحية الكتابة والدراما كما أن المخرج إسماعيل عبدالحافظ يبدع فى عمله، فسألنى مرة أخرى قائلا أعلم أنك سيدة لا تخافين إلا الله هل من الممكن أن يكون المسلسل عبارة عن جزأين، فقلت له أكيد ممكن.. ووقتها كان قد مر على وجودى فى الإمارات نحو 37 يوما، وكنت مشتاقة للعودة إلى مصر).

وبعد شهادة عفاف شعيب لمنتج المسلسل أخبر المخرج والكاتب الكبير، أنه سيكتفى بما تم تصويره فعليا نظرا للعثرة الإنتاجية التى يمر بها.

الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة عندما سئل فى لقاء تليفزيونى نادر عن سر كتابته العمل فى جزأين، شرح ما حدث ( لم أكتب العمل فى جزأين، كان جزءا واحدا بواقع 35 حلقة كاملة، لكن المنتج تعرض لعثرة مالية وقرر الاكتفاء بما تم تصويره وكانت تقريبا نصف عدد الحلقات، وعلى ذلك جمعنا ما تم تصويره وتم عرضه فى 16 حلقة كاملة أطلقوا عليها الجزء الأول، نظرا لما حدث.. وبعد أن حقق المسلسل نجاحا كبيرا عند عرضه على شاشة التليفزيون المصرى سنة 1983، علم المسئولون فيه بما حدث مع هذا العمل الذى تم اجتزاؤه، وتواصلوا معى ليصوروا بقية الحلقات التى لم تصور، فأعطيتها لهم، فصوروها وأطلقوا عليها الجزء الثانى الذى خرج فى 20 حلقة وتم عرضه فى 1985).

6- معركة الرقابة

حاول الكاتب الكبير فى المسلسل أن يرصد المتغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى، من خلال أسرة الحاج رضوان، التى تفرقت وتحولت إلى فريقين، بعد أن فصلت بينهما المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وفى النصف الثانى من الحلقات، شهدت مصر ثورة يوليو، وبدأ الكاتب فى وصف مرحلة المخاض التى عاشتها مصر بعد الثورة، والتى أدت فى بداية الستينيات إلى وجود التوظيف العشوائى عن طريق القوى العاملة، وبداية السلبيات التى ظهرت فى نظام التعليم الجامعى والوساطة والمحسوبية فى التعيين.

وعلى ذلك رأى القائمون على الرقابة حذف عدد كبير من المشاهد عن الآثار السلبية لثورة يوليو، ورغم محاولات أسامة أنور عكاشة كسب المعركة لكنه خسرها واضطر المخرج لعدم تصوير جميع المشاهد التى طالبت الرقابة بحذفها، وعند تعليق الكاتب الكبير عما حدث من الرقابة تجاه المسلسل قال « غلبتنى الرقابة وخسرت المعركة».

7- تصوير الجزء الثانى

الفنان الكبير خالد زكى الذى قدم شخصية «أحمد شوقى»، يرى أن مسلسل «الشهد والدموع» من أعظم الأعمال التى قدمت فى الدراما المصرية والعربية على مر العصور، وكان غريبا أن يحقق الجزء الثانى من المسلسل نجاحا يفوق نجاح الجزء الأول على غير المعتاد دائما، مؤكدا أن الشوارع كانت تخلو من المارة خلال شهر رمضان أثناء عرض الجزء الثانى سنة 1985.

ترشيح خالد زكى جاء عن طريق المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ، وقتها كان خالد يصور مسلسلا فى استوديو 2 بمبنى التليفزيون المصرى للمخرج فايز حجاب، وكان من أشد المعجبين بسيناريو وحلقات «الشهد والدموع»، لكن ارتباطه بعمل آخر منعه من الموافقة على طلب المخرج إسماعيل عبدالحافظ لانضمامه إلى أسرة المسلسل، وقرر خالد الذهاب للمخرج باستوديو 10 بمبنى ماسبيرو، وعندما قابله أخبره أن المسلسل رائع لكنه لن يستطيع المشاركة نظرا لارتباطه بعمل آخر، وأنه إن انضم إليهم سيعطلهم ويحدث تضاربا فى مواعيد التصوير، وكان رد فعل المخرج إسماعيل عبدالحافظ مفاجئا ومدهشا (مفيش حاجة اسمها اعتذار.. خلاص أنت معانا واحنا هنوفق أوضاع التصوير بيننا وبين المسلسل الآخر) كان كلام المخرج قاطعا ومحددا، فوافق خالد زكى وانضم لأسرة المسلسل.

الغريب أن الفنان الكبير خالد زكى لم يكن محبا لأدوار الشر، ورغم رفضه لدور «ماجد» فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرا» للمخرج الكبير محمد فاضل، إلا أنه عاد وقبل دور «أحمد» فى «الشهد والدموع» رغم أنه يحمل حقدا دفينا على عمه وعائلته ويحاول تدمير ابنته «ناهد» التى قدمت دورها الفنانة نسرين.

المشاهد الفلسفية التى كتبها أسامة أنور عكاشة وجمعت بين خالد زكى ونسرين، شهدت قبل تصويرها نقاشا وجلسات طويلة بين خالد زكى والكاتب الكبير، خالد شعر بتضاد كبير فى الشخصية، وصراع داخلى محتدم من الصعب تمثيله، لكن أسامة أنور عكاشة ورغم موافقته فى الرأى ألا أنه أكد له أنه يستطيع تقديمها ويثق أنه سيقدمها بصورة جيدة، وهو ما حدث بالفعل.

أما الفنانة نسرين فكان ترشيحها من المؤلف الكبير أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبدالحافظ توافقيا، كونها عملت مع كليهما من قبل وحققت نجاحات مهمة، ونجحت فى خطف الأضواء من خلال شخصية «شريفة النوسانى» التى قدمتها فى الجزء الثانى من مسلسل «أبواب المدينة» للكاتب نفسه ومن إخراج فخر الدين صلاح 1983، علاوة على اقتناع الكاتب الكبير بها فى مسلسله «عابر سبيل» للمخرج سامى محمد على وعرض فى نفس العام وقدمت من خلاله نسرين شخصية «رضا»، وقدمت فى عام 1982 مسلسل «أبناء العطش» للمؤلف فراج إسماعيل والمخرج إسماعيل عبدالحافظ وقدمت من خلاله شخصية «عزة».

بعدها تم ترشيح ماجدة وليلى حمادة وإبراهيم يسرى، ويسرى مصطفى وتحية الأنصارى، وعبلة كاملة فى ظهورها التليفزيونى الأول، وتم إسناد دور جعفر للفنان الكبير عبدالمنعم إبراهيم بعد رحيل الفنان أحمد الجزيرى، ليستمر الصراع بين «زينب ودولت» فى معركة حسمها المؤلف الكبير لصالح زينب كونها تحملت الدموع فكان من حقها أن تأكل الشهد فى النهاية.