عبدالحفيظ سعد يكتب: تنمية الريف بالعرض «1»

مقالات الرأي




فى التاريخ.. الريف كلمة السر فى حضارة مصر الزراعية، فى هذه الأرض المباركة وجدت أسطورة الإنسان الأولى يزرع ويفلح أرضه، ليبنى بيتا، ويراعى ماشيته.

من خيرات الريف ازدهرت حضارة مصر، شيدت القصور وارتفعت المعابد، ورسمت على رمالها الأهرامات، حضارة ممتدة عبر آلاف السنين، مع صعودها وحتى خفوتها كان ريف مصر كلمة السر.. عند الصعود الريف هو الممول الذى يجلب الخير، وحتى عند الهبوط هو المحافظ على سر هذه الحضارة.

ريف مصر.. أصل هذا البلد، فحتى لوقت قصير، كانت أحياء القاهرة التى تعرفت بأنها شعبية فى الأصل أرض ريفية، من بولاق، كانت تسير الترع لتروى أرضها، فى الهرم والجيزة، فى الأصل كانت ريفًا زراعيًا.. وهكذا فى كل مدن مصر ومحافظاتها فى الأصل كانت ريفا وزراعة.

تحولات عديدة، ضربت مصر منذ عدة عقود، غيرت شكل الحياة، طغت المدن على الريف، بعمارة خرسانية كئيبة، ونمط حياة غلبته عشوائية المدينة القاتلة للأخضر وبساطة الريف وهدوه الذى كان يسر الناظرين..

مئات الآلاف من الأفدنة، أكلها الأسمنت، طمست خيرتها تحت أعمدة خرسانية.. ويوم وراء يوم ولظروف عديدة منها اضطرار سكان الريف للبناء لتوسيع حياتهم، أكلت الأرض وفقد الريف جزءًا من بهائه ومصدر قوته.

ولذلك حسنا عندما انتبهت الدولة فى مشروعها القومى لتطوير قرى الريف المصرى بتمويل عملاق (500 مليار جنيه)، رُصدت لتطوير حياته الريف فما يزيد على أربعة آلاف قرية، لمنحهما حياة أفضل فى الخدمات خاصة التعليم والصحة، وليس ذلك فحسب بل يسعى المشروع أيضا لاستغلال أفضل للريف ليطور من إنتاجه الحيوانى والزراعى.

لكن دار فى ذهنى وأنا ابن هذا الريف، عشت فيه حياتى ومازلت متمسكا به، هل يكفى التطوير الرأسى وتحسين الخدمات للريف أن يعيده لبريقه؟

هذا السؤال يبدو منطقيا بعد أن زاد عدد السكان بطريقة كبيرة، لا تجعل الطريقة التى كانت تكفل منذ عشرين سنة الحياة والخير، لسكانها البالغين الخمسة آلاف. لكن الآن الخمسة آلاف ربما زادوا على الـ15 وربما الـ 20 ألفًا، ومساحة الأرض كما هى بل تقلصت نتيجة البناء الأسمنتى على أراضيها، بالطبيعى لا تكفى.

السؤال لم يفارق ذهنى، كيف تكفى خيرات القرية وإنتاجها، هذا التغول فى عدد السكان.. فكيف لفدان واحد يكاد إنتاجه يستر ويربى فردا أو اثنين، أن يكفى عشرين فردا الآن، بعد أن تفتت الملكية.

السؤال الحائر فى ذهنى بدون إجابة حتى وقت قصير، لكن عندما كنت فى زيارة لواحة الفرافرة، والتى تبعد عن القاهرة بحوالى 650 كم، قطعنا المسافة مع أصدقاء، فى ضيافة أحد المستثمرين الزراعيين، وهو المهندس الشوربجى على.

وكانت هناك المفاجأة الأرض الرملية هناك الخضار غطى عشرات الآلاف من الأفدنة التى استصلحت بالنخيل وأشجار الفاكهة والخضراوات وحتى المحاصيل الحقلية من قمح وفول وبنجر وبطاطس وبرسيم، والتى تعطى إنتاجًا ربما يفوق الأراضى الطينية فى وادى النيل والدلتا.

لم تكن هذه المفاجأة الوحيدة، كانت الثانية فى الطريق للأراضى المستصلحة، وجدت لافتة فى الطريق (المسافة إلى مدينة ديروط بمحافظة أسيوط 250 فقط).

كانت المسافة القصيرة والتى مهد لها الطريق الجديد الذى يربط شمال أسيوط، للفرافرة مغرية لى أن أكمل الرحلة ولا أعود للقاهرة بل أذهب لزيارة أهلى فى أسيوط، فالمسافة لا تتجاوز بالسيارة الساعتين والنصف بعد أن قصر الطريق الجديد المسافة مع الفرافرة.

وفى الطريق ومع اقترابه أكثر نحو قريتى، بدأ الخضار بدأ ينازع الرمال.. وخيراته تتدفق.. ومن هنا بدأت ألغاز السؤال الملح كيف تكون التنمية الحقيقية للريف، تبرز إلى ذهنى.. وذلك عبر أن تنمية الريف الحقيقية لن تتحقق فقط بجهود الدولة فى مدها بالخدمات وتسهيل الحياة فيها بل التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا بالتنمية بالعرض.. وللحديث بقية.