بطرس دانيال يكتب: ثمرات شريرة
كان داود النبى يتحدث مع الله قائلاً: «يا رب، مَنْ يَحِلُّ فى خَيمتك؟ ومَنْ يُقيمُ فى جبلِ قداستك؟ نَزيهُ المَسلَكِ وفاعلُ البر والمُتكلَّمِ بالحَقِّ فى قلبِه. الذى لا يغتابُ لسانه ولا يفعلُ بصاحِبه شرّاً، ولا يُنزِلُ بقريبه عاراً...» (مزمور 14: 1-3). ذات يوم كان سقراط أكبر فلاسفة اليونان، يُحاضر لمجموعةٍ من تلاميذه، ونجد فيهم كل متَوقّد الذهن، عالى الهمّة، والطموح كأفلاطون الشهير وكثيرين من أمثاله، وكان موضوع المحاضرة: «نقائص الإنسان وعيوبه». ومن جملة ما قاله سقراط: «لا يوجد كائن على الأرض، إلا وله منها نصيب، يكثر أو يقل». فإن أهمل مقاومتها، والعمل على استئصالها، شوّهت معالم الإنسانية فيه، ثم لا تلبث أن تغزو ملامح الوجه وتظهر عليها للجميع. ثم قاطعه على الفور أحد التلاميذ قائلاً: «إن كانت نظريتك صائبة، فأنت يا سقراط بملامحك المعيبة، أكثر الناس عيوباً ونقائص!». وبكل هدوء أجابه الفيلسوف: «نعم! فأنت على حق فيما تقوله يا بُني! ولكننى عندما تنبّهت إليها، قد فات الأوان، لذلك بدأت أقاومها، ومازلتُ فى حربٍ معها طوال الأيام». هل نتخيّل أى إنسانٍ منّا يخلو من العيوب والنقائص؟ فقط، الشخص الذى أعماه الكبرياء، ويهمل فى التخلّص منها، حتى أنها تشوّه معالم وملامح شخصيته، وتجعل الناس ينفرون منه. كما أن أسوأ ما يُعيب الإنسان، انشغاله عن عيوبه الشخصية، والسعى فى الكشف عن نقائص الآخرين، على نحو ما يفعل النمّام الحقود، الذى يؤذيه رؤية الخير والنجاح والنمو فى الناس، فيبدأ فى التنقيب والبحث عما يعيبهم به من فضائح لينشرها، أو أكاذيب وافتراءات ليروّجها. ومما لاشك فيه أن الإنسان النمّام يريد أن يهدم كل مَنْ حوله، ولا يدرى نتيجة أفعاله هذه. فأول ثمرة رديئة لنقل الكلام هى زرع البغض بين الناس، مما يدفعهم إلى التنافر والقطيعة والعداوة، غير أنه يُعتبر عملاً شيطانياً لمراضاة إبليس، ولكن السماء تغضب منه! والثمرة الثانية الفاسدة لنقل الكلام والنميمة، جلبُ الهَمّ والغَم للقلب الخالى وانشغاله بما لا طائل منه، أو لا فائدة منه ولا نفع. وجميعنا يعلم أن الهموم تفسد القلب وتقضى على راحة البال، وتسلب النوم والراحة منَّا. والثمرة الثالثة غير الصالحة هى أن النميمة دليلٌ على سوء النية والأخلاق فى النمّام، وبرهان على فساده وخبثه، حتى أنه لا يَكُفّ عن كشف العيوب فى الآخرين، لنشرها فى كل مكانٍ وزمان. كما أن البعض من ضعاف الشخصية، لا يجدون أمام عيوبهم أفضل من أن يبحثوا فى حياة الغير عن مواطن الضعف والنقص، ليجدوا فيها ما يعزّيهم، ويخدِّر تقريع ضميرهم، ويتلمّس لهم الأعذار عن تصرفاتهم أمام الجميع. والإنسان الذى يرفض التعلّم واكتساب الفضيلة والأخلاق، لديه سلاحٌ واحدٌ وهو ذم أهل الفضيلة، والسخرية منهم وتوجيه الاتهامات لهم، لتشويه سمعتهم، ولا يكتفى بهذا، بل يسعى لدعوة الناس لفقدان الثقة فيهم، على أمل أن يتراجعوا عن كل ما هو حسن وخير ليصيروا مثله، والهدف من كل هذا، أن يجد التعزية والمبررات لما يفعله من مساوئ وشرور ونقائص. كم من المرات ألقينا خلف ظهورنا عيوبنا وأخطاءنا، بينما نضع نُصب أعيننا أخطاء وسلبيات الآخرين؟ ونعيش هذا الواقع المؤلم عندما نكون فى قطيعة مع أحدٍ، أو فى خلاف مع البعض، فنتصيّد لهم كل شيء يقومون به دون رحمة ولا شفقة، مهما كانت الظروف التى يمرون بها، أو التى دفعتهم إلى ذلك. للأسف، فى كثيرٍ من الأحيان نحن نُكيل بمكيالين: نتهاون مع سلبيات البعض، لأنهم من المقرّبين لقلوبنا، بينما مع الآخرين الذين هم فى خلاف معنا، ننتظر اللحظة الحاسمة التى يقعون فيها حتى لا نرحمهم بسياطنا، ونجلدهم بكلامنا أمام الغير. ياليتنا نفتح أعيننا لنرى العيوب والأخطاء التى نرتكبها حتى نستطيع التخلّص منها، بينما ننظر للغير بعين الرحمة والرأفة ملتمسين لهم العُذر عما يصدر منهم. فالإنسان الناضج الذى يشعر بعيوبه، يسعى للتخلّص منها وتجنّبها، لأن كل شخصٍ منّا هو أفضل مَنْ يدرك حقيقة ذاته ومكنون داخله، لأنه سيضع المشرط على أمراضه وعلله والداء الذى أصابه، فيداويها مثل الطبيب الجرّاح الذى يقتلع أسباب الورم الذى تفشّى فينا. كل واحدٍ منا مجهول بالنسبة للآخرين، فإذا اكتشف نقائصه وفضائله فى ذات الوقت، مما لا شك فيه أنه سيعالج الأولى وينمّى الثانية، وبهذه المعالجة سيصير أفضل مما كان. ونختم بقول الشاعر: «إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوه، وإن لم يعلموا كذبوا».