د. مصطفي السعداوي يكتب: الرجل الصالح اعينوه بقوة

ركن القراء

الدكتور مصطفى السعداوي
الدكتور مصطفى السعداوي


في حكم التاريخ, ربما تمر أوقات علي أمم تكن في أشد لحظات ضعفها ووهنها, وهنا المفترق ياسادة بين شعوب تزول وشعوب تجاهد للبقاء لتنتصر فتنصر, فلا فرق بين ضعف عاماً للمجتمع كله أو ضعف جزئي فلربما الجزئي يصبح يوما ما عاما, الحد الفاصل بين لحظات ضعف الأمم هو وجود رجال أقوياء لا بقايا من بشر مستضعفين ترهبهم القوة أو تحبط عزائمهم وتسوقهم للزول واحداً تلو الآخر, الفرق ياسادة هنا بالتحديد, فإذا خلت الأمم من هؤلاء وأمثالهم كتب التاريخ كان يحيا هنا يوما ما شعب, وإذا ما تواجد هؤلاء كانت النجاة للشعب كله بل قل للأمة أن تماثلت شعوبها.

ويبقي التساؤل المطروح كيف ينتج مثل هؤلاء الأقوياء, هل قادرة مصانعكم علي إنتاجهم أو إنتاج أجزاءاً منهم قابلة للتجميع, الإجابة النافية تسبق السؤال الإستفهام, فلا مجال لإنتاجهم الا من تراب هذه الأرض وطينها, جوعها وشبعها, ظلمها وعدلها, فرحها وحزنها متناقضاتها قادرة علي إنتاجهم لأن عشق الأوطان هو الرحم الذي يولد منه أمثالهم.

مرت مصر والمنطقة بهذه الأوقات الموصفة سلفاً وكادت مصر أن تخطف من أبنائها كحال غيرها وكان حسن التدبير غائباً عن من يعشقها وتوقفت حيلتهم عند حد البكاء بل الإنتحاب علي حالها وحالهم , كانوا يعانون من فساد والإستقواء بيأجوج ومأجوج عليهم وضعفهم عن مواجهتهم ورد عدوانهم. وقد فكر هؤلاء الوطنين ووجدوا أن هناك رجالاً قدموا أنفسهم فداء لمصر ولهم, رسالتهم حمايتهم من أعدائهم وأعدائها، دون مقابل اللهم حفظ مصر وشعبها. 

وهنا يبقي الفرق ويبرز بين شعوباً هلكت وشعوباً بقيت وتقدمت, متي تقدم الأبطال من أبنائها دون حشية أو رهبة, ألم تحدثك السنوات السابقة وقد صدقت عن جميل صنعهم, ماذا لو كانوا كغيرهم, ماذا لو لم يتسلحوا بحبكم في مواجهة المؤامرات والفتن, دعوني أسألكم الأن, هل أخافهم الموت, أو فكروا في أبنائهم ماذا يفعلون بعد موتهم, هل أرهبتهم ظلمة القبر, هل أغرتهم نعم الدنيا, هل نكلوا يوماً عن المواجهة, هل لديكم جهاز يحسب ألم الطلقة في القلب حتي تقدر ما عانون,  هل لديهم غطاء يلف هذا السماء في برد الشتاء حتي يحميهم أو يظلهم بظله إذا ما أشتدت شمس الصحراء عليهم,  ثم دعوني من ناحية أخري أن أسألكم ماذا قدمتم لهم ولأبنائهم بعد موتهم, اللهم بضعه كلمات رثاء وأعتراف بالجميل, ولكن هل قادرة مشاعركم الجميلة والنبيلة في أن تعيد رجل ضحي بحياته لأجلكم حتي يأنس وحدة زوجته أو يعيد بسمة طفله أو يهدى من دموع أمه, حقاً أشقنا إليهم وأشتاقت إليهم أماكنهم, لكنها ضريبه أقسم الشرفاء علي أن يقدموها راضيين مرضيين.

حضرات السادة حافظوا علي أمانة وصلت إليكم محمولة علي أكتاف رجال أقويا عطرت بدمائهم, وأعينوا الرجل الصالح بقوة فما يريد لكم إلا الإصلاح الحقيقي والدائم وليس المؤقت المرتبط بالزمان والظروف الراهنة, حتي تبقوا آمنين مطمئنين, وليكن لكم في ذو القرنين العبرة والمثال فحين استغاث به قومه أغاثهم ونظم له استغلال ثرواتهم طلب منهم أن يستغلوا ويستفيدوا مما يملكون من إمكانيات بشرية (قوتهم البدنية وعددهم) وثروات مادية وهي الحديد والنحاس والتي يبدو أنها كانت متوفرة لديهم بكثرة، لدرجة أنه كانت لديهم كمية تكفي أن تملأ بين الجبلين، ومع ذلك كانوا ضعفاء غير قادرين على إدارتها واستخدامها لمصلحتهم وحماية أنفسهم (إدارة الموارد). 

وبدأ يعلمهم خطوة خطوة وبأيديهم، فطلب منهم رص قطع الحديد بين الصدفين (الجبلين) حتى ساوى بينهما (التخطيط الهندسي)، ثم علمهم ومن خلال العمل والتطبيق المباشر وبأيديهم تقنيات البناء، فأوقدوا النار وأذابوا النحاس ثم صبوه على قطع الحديد المرصوصة الملتهبة بين الجبلين. ونتجت عن ذلك سبيكة شديدة الصلابة لم يستطع أعداؤهم يأجوج ومأجوج، رغم كثرتهم وقوتهم وفسادهم، نقب ذلك السد لشدة صلابته، ولم يستطيعوا تسلقه لارتفاعه وملاسته. أعينوه بقوة كما أعانوا ذي القرنين حني تكتب لكم النجاة ويكتب لنا الخلود وتحفظ قبور شهدائنا أن تندسها أقدام اعدائنا, وتبقي مصر آمنه مطمئنه برجالاً أقوياء وشعباً يعي ويدرك ما خطط لهم سلفاً, شعباً يعين بقوة لا يحتاج لقوة تعينه.