منال لاشين تكتب: تنظيم الأسرة من قمح أمريكا إلى سيارات إيران

مقالات الرأي




فجأة أصبحت قضية تنظيم الأسرة مانشيتات الصحف الحكومية والخاصة، والفقرة الرئيسية فى كل القنوات الفضائية، ولأن الاهتمام بالقضية ليس لوجه الله والوطن، ولا عن إيمان أو متابعة، فإن معظم ما كتب وقيل أعد أو بالأحرى سلق على عجل بعد اهتمام الرئيس السيسى بالملف الخطير.

وقد كنت من المهتمين بقضية تنظيم الأسرة فى فترة من حياتى المهنية، اهتمامًا نابعا من إيمانى بالقضية، ولذلك حرصت على دراسة العديد من التجارب الدولية وتاريخ تنظيم الأسرة وثورة حبوب منع الحمل، وربما لا يعرف المهرولون إلى الحديث عن تنظيم الأسرة أن هذا الملف ارتبط عالميا وتاريخيا بالتطور فى حقوق المرأة وانتهاء زمن اعتبار المرأة مجرد وعاء للطفل.

1- إيران المسلمة

ولأن الاهتمام المفاجئ بقضية تنظيم الأسرة من الإعلام والخبراء لا ينبع من إيمان حقيقى، فقد فات على الجميع أن إيران 2020 قد أوقفت دعم وسائل تنظيم الأسرة بعد نجاح مذهل فى الملف كان مثار إعجاب العالم، ووصل معدل النمو السكانى إلى 1% فى 2020، وأدى هذا النظام من ناحية وإضراب الشباب عن الزواج إلى حملة عكسية لزيادة النسل.

وفى الوقت الذى كنت أهتم صحفيا بالقضية كتبت مقالا موسعا عن التجربة الإيرانية، وكان ذلك أيام نظام مبارك، وقد فوجئت بردود فعل غريبة وغاضبة، فالموقف السياسى من إيران دفع أحد أفراد مؤسسة أمنية إلى معاتبتى عن تمجيد إيران، واتصل بى أحد الخبراء الحقيقيين فى قضية تنظيم الأسرة، وحكى لى قصة مشابهة، فقد حاول عرض التجربة الإيرانية على المسئولين المصريين ففوجئ بنفس الرفض لنفس السبب، ووجد عدم حماس فى التعاون معه فيما بعد. والتجربة الإيرانية فى ذروتها كانت فى عهد الرئيس محمد خاتمى، فما إن تدهورت الأحوال الاقتصادية فى إيران حتى تخلى الإسلاميون فى الدولة عن مهاجمة ورفض تنظيم الأسرة، ودعمت الحكومة 80% من جهود تنظيم الأسرة واستخدمت العيادات المتنقلة (150 ألف سيارة) للوصول للقرى البعيدة، وفى خطوة شجاعة جدا أقرت الحكومة الإسلامية سياسة التعقيم للرجال والنساء، بل وتحملت ثمن إجراء هذه العمليات، وكانت إيران هى الدولة الإسلامية الوحيدة التى أقرت سياسة التعقيم لمن يرغب.

وكان تنظيم الأسرة جزءًا من مناهج التدريس فى المدارس والجامعات، ومزجت إيران ما بين تقديم خدمات الأسرة والخدمات الصحية، كما دمجت الرجل فى خدمات تنظيم الأسرة، وكان كل رجل أو امرأة يدرسان كورسات تعليمية عن تنظيم الأسرة، وذلك كشرط لإتمام الزواج، وكانت هناك حوافز للزوجات اللاتى يخترن عدم الإنجاب فى الفترة العمرية ما قبل 18 سنة وفوق الـ35، ولذلك إذا كنا جادين فى تحقيق هدف تنظيم الأسرة فعلينا دراسة التجربة الإيرانية بعناية شديدة.

2- التجربة الأمريكية

وثانى تجربة لى مع صحافة تنظيم الأسرة كانت التجربة الأمريكية أو بالأحرى تجربة وكالة المعونة الأمريكية، وهى تجربة كانت شهيرة فى وقتها بمصر، كانت وكالة المعونة تقوم بتوزيع دقيقًا وزيتًا مع وسائل تنظيم الأسرة، وبالإضافة للدقيق والزيت كان المشروع يوفر خدمات صحية للمرأة والطفل، ومن بين هذه الخدمات حضانات، وكان المشروع من خلال الجمعيات الأهلية. وكان عيب المشروع أنه ارتبط بالأمريكان مما سمح لمعارضى تنظيم الأسرة بضرب المشروع، فقد الإسلاميون أو بالأحرى تجار ظل الدين يهاجمون تنظيم الأسرة الممول من الأمريكان لهدم الأمة الإسلامية، وساعدهم على ضرب تنظيم الأسرة ارتباط المشروع بالمعونة الأمريكية، ولذلك ومن منطق وطنى فقد كتبت مطالبة بالفصل بين المعونة الأمريكية والمشروع، وأن تكتفى المعونة بالتمويل فقط، وأن يكون مشروع تنظيم الأسرة مصريا خالصا، وكالعادة فهم بعض المسئولين المقال لتحريض على العلاقات المصرية الأمريكية، فى وقت كان رضا أمريكا من رضا الرب لدى قيادات فى النخبة الحاكمة. وقد توقف مشروع تنظيم الأسرة مع المعونة لأسباب أخرى لاعلاقة لها بمقالاتى بالطبع، وقد قرأت منذ فترة أن برنامج المعونة الأمريكية تعرض للمساهمة فى برنامج تنظيم الأسرة من جديد، ولذلك أعاود التحذير والتنبيه من الربط ما بين أى مشروعات لتنظيم الأسرة والأمريكان.

3- سلفيون وفقراء

ولاشك أن تركة تنظيم الأسرة ثقيلة، فالسلفيون انتشروا وتوغلوا فى كل القرى والنجوع والأحياء الشعبية فضلا عن العشوئيات، وقد نشروا أو بالأحرى سمموا أفكار المصريين، فمن ناحية نشروا أن الإنجاب عمل إسلامى، وبالمثل نشروا ثقافة الفقر والرضا بالفقر والعيش فى العشوائيات من ناحية أخرى. وضرب الفقر منظومة الأسرة فى مقتل، فقد أصبح الطفل مصدرًا للزرق من خلال عمالة الأطفال، وتعدت القضية فكرة (أن الطفل بيتولد برزقه) إلى فكرة (أن الطفل هو مصدر رزق)، كما أن تراجع فرص عمل المرأة يهدد خطط تنظيم الأسرة، لأن المرأة العاملة أكثر حرصا على أسرة صغيرة.

4- البحث عن خبير

وقد كتبت هذه المقالة ليس من باب الذكريات، ولكن لأنبه المسئولين عن الملف إلى أهمية الاعتماد على الخبراء والمؤمنين الحقيقيين بملف تنظيم الأسرة، وهم موجودون فى مصر والحمد لله وبعضهم عمل بمؤسسات دولية فى مجال تنظيم الأسرة والسكان، والبعد عن كذابي الزفة ومدعى العلم والخبرة. والمقربين من الجهة سين أو صاد أو عين.