محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 29.. «مارد الجبل» أسطورة الـ«نور» بين الدمرداش والشريف
محمد النقلى يفتح خزينة أسرار خاله المخرج الكبير الراحل نور الدمرداش: أسرتى بالكامل سافرت إلى ليبيا وكنت ملازما له مع محمود عبدالعزيز وكنا لا نفترق إلا فى وقت النوم
نور الدمرداش كان لا يسامح فى حق العمل فالممثل إن لم يحضر إلى الاستوديو فى موعده ويكون حافظا لدوره سيتعرض لعقاب شديد
شاهد عايدة رياض فى استعراض لفرقة رضا فعرض عليها الانضمام للمسلسل.. فغابت شهرًا كاملاً ثم عادت بشفاعة من «المعلم» حسن شحاتة
المخرج الكبير كان يستضيف فريق الزمالك فى البلاتوهات عند حصولهم على بطولة وكان يقفز فى السماء عند تسجيلهم هدفا فى الأهلى
كان المقربون من المخرج الكبير الراحل نور الدمرداش، يعرفون عنه ثلاثة أشياء، أنه وإن وقف فى بلاتوهات التصوير، لا يعرف حجم نجم، أو مكانة ممثلة، لا يفرق بين ممثل ثانوى، وبطل العمل، فالممثل فى قاموسه، هو أداة للتمثيل، فإذا حدث وجاء الممثل للتصوير دون أن يكون حافظا لدوره، يثور المخرج و«يشخط» فيه أيا كان، ويكون رد الفعل نفسه إذا حضر متأخرا. كان ذلك فى زمن لم يشهد خضوع المخرج، ولا تحويل المؤلف إلى ترزى يفصل الأدوار، أو ماكيير، يضع مساحيق درامية منتهية الصلاحية فوق وجوه تمثيلية عكرة.
وقتها كانت هذه مدرسة الأستاذ.. الأب الروحى للدراما المصرية.. نور الدمرداش.
أما الشىء الثانى الذى كان يعرفه المحيطون والمقربون من المخرج الكبير الراحل، إنه كان مشجعا متعصبا، محبا عاشقا متيما بنادى الزمالك، القطب الأروع فى الرياضة المصرية من وجهة نظره، كان يحتفل بأهداف الزمالك فى مرمى غريمه ومنافسه التقليدى الأهلى، بالقفز عاليا، أو التمرغ فوق الأرض.
هذا الجبروت.. أسد الاستوديوهات كان ضعيفا أمام كل من يرتدى فانلة بيضاء ذات خطين حُمر، يرى أن الخطين يمثلان شريانين يوصلان إلى القلب مباشرة، وكما كان محبا لنادى الزمالك، كان محبا للعب الطاولة، ويرفض الخسارة، ولا يقبلها.. فسواء فى البلاتوهات.. أو بين الزهر و«القواشيط» كان نور الدمرداش، يرفض الهزيمة.
وكما يقال إن «الولد يطلع لخاله» خرج من تحت يدى الأستاذ العظيم، مخرج كبير ومهم فى عالم الدراما.. محمد النقلى الذى كان مساعدا تحت التمرين، عندما أخرج خاله المخرج الكبير نور الدمرداش، مسلسله المدهش «مارد الجبل» سنة 1977 عن قصة وسيناريو وحوار لـ «سنية قراعة».
1- قبلها بـ 7 سنوات
التقى المخرج الكبير نور الدمرداش، بالفنان نور الشريف، قبل تعاونهما فى مسلسل «مارد الجبل»، ففى سنة 1969 استعان به الدمرداش للمشاركة فى بطولة مسلسل «الانتقام» قصة سعد زايد، وسيناريو وحوار نبيل غلام، ولعب بطولته أمام ميرفت أمين، ومديحة كامل، وسعد أردش.
بعدها ومع بداية حقبة السبعينيات، بزغ نجم نور الشريف سينمائيا، عندما قدم دوره فى فيلم «زوجتى والكلب» 1971، واستمر فى تقديم أفلام مهمة طوال النصف الأول من الحقبة الزمنية مثل «كلمة شرف، دمى ودموعى وابتساماتى، السكرية، الأخوة الأعداء، أبناء الصمت، شقة فى وسط البلد، الكرنك، الحفيد، دائرة الانتقام».
ورغم اهتمام نور بالسينما خلال تلك الفترة لكنه لم يغفل الدراما التليفزيونية، فقدم مسلسل «الحواجز الزجاجية» تأليف يحيى زكريا، وإخراج حمادة عبدالوهاب، وشارك فى بطولته أمام ليلى طاهر، وبوسى وناهد جبر سنة 1974، وفى العام التالى قدم مسلسل «ابن الليل»، المأخوذ عن قصة لثروت أباظة، صاغ لها السيناريو والحوار فيصل ندا وشاركته البطولة نورا، حمدى أحمد، يوسف فخر الدين، ووداد حمدى، وأخرجه فايز حجاب، وفى عام 1976 قدم مسلسل «هروب»، قصة مدحت السباعى، وسيناريو وحوار نبيل غلام، وإخراج نيازى مصطفى، وشارك فى بطولته منى جبر، أحمد عبدالوارث، جميل راتب، إبراهيم خان، وكوكا.
كان نور الشريف حريصا على تنويع أدواره بين السينما والدراما التليفزيونية، علاوة على المسرح، حتى أرسل له المخرج الكبير نور الدمرداش سيناريو مسلسل «مارد الجبل»، ليوافق عليه بمجرد قراءة سيناريو المسلسل كاملا، بواقع 16 حلقة، كونه ذا مسحة شعبية، ويقدم دراما اجتماعية ملحمية تنتهى بمقتل البطل بعد خطف حبيبته بفستان زفافها، قبل زواجها بلحظات، ويقرر لعب بطولته ليعود إلى الوقوف أمام كاميرات نور الدمرداش بعد غياب 7 سنوات، بجوار محمود المليجى، توفيق الدقن، ليلى حمادة، مصطفى متولى، إبراهيم نصر، رجاء حسين، وعايدة رياض.
2- التعاون الثانى
كان مسلسل «مارد الجبل» هو التعاون الثانى للفنانة رجاء حسين، مع المخرج الكبير الراحل نور الدمرداش، بعدما أسند إليها أحد الأدوار فى مسلسل «خيال المآتة» للكاتب زكريا الحجاوى سنة 1964، وشاركت فى بطولته أمام الفنان الكبير حسين رياض، عبدالله غيث، سميحة أيوب، سهير البابلى، والراقصة نعمت مختار.
وبعد مرور 12 عاما كاملا عاد نور الدمرداش ليرشحها للعب دور «عوالى»، وهى إحدى الشخصيات المهمة فى مسلسله الجديد، وكانت الشخصية شديدة التعقيد، لأنها فى الحلقات الأولى من المسلسل، تفعل الكثير من المشكلات بكثرة حديثها الذى يُحدث الوقيعة فى نفوس الآخرين، وإشعال الأزمات ودق الأسافين بينهم، الأمر الذى يدفع «بهجورى» الذى قدم دوره الفنان الكبير الراحل محمود المليجى إلى قطع لسانها، لتتعامل فى بقية حلقات المسلسل بطريقة الإشارة.
الغريب وفقا لرواية ذكرتها الفنانة الكبيرة رجاء حسين أن المخرج محمد فاضل رشحها لتقديم دور «نعيمة» فى مسلسل «أحلام الفتى الطائر» الذى تم عرضه قبل عرض «مارد الجبل» رغم انتهاء تصوير الأخيرة قبله بوقت كبير، ووافقت رجاء حسين على تقديم الشخصية، ليعاتبها المخرج الكبير نور الدمرداش على قبولها دور «نعيمة»، بعد أن أسند لها دورا كبيرا ومهما مثل دور «عوالى» فى مسلسل «مارد الجبل» ووقتها كان نور الدمرداش أستاذها فى معهد التمثيل، وزميلها فى المسرح القومى.
المخرج محمد فاضل كان قد قال لى إن الفنانة القديرة فردوس عبدالحميد كانت المرشحة الأولى للعب دور «نعيمة» وهو يعتبر دور البطولة النسائية فى العمل، لكنها اعتذرت عنه رغم إعجابها الشديد بالنص الذى كتبه وحيد حامد، كونها كانت مرتبطة بعرض مسرحى يعرض فى تونس.. وكان المسلسل لابد من تصويره للحاق بالعرض فى شهر رمضان، فقام بإسناد الدور إلى الفنانة الكبيرة رجاء حسين.
3- «شفاعة» المعلم
قال لى المخرج الكبير محمد النقلى، ابن شقيقة المخرج الكبير الراحل نور الدمرداش ومساعده لفترة طويلة، إن خاله كان محبا عاشقا لنادى الزمالك، وكان يستقبل لاعبى الزمالك فى الاستوديو عند حصولهم على الكأس أو الدورى، لالتقاط الصور التذكارية مع أسرة المسلسل، ورغم قربه الشديد منه إلا أن النقلى كان ولا يزال عاشقا للنادى الأهلى.
ما قاله النقلى عن حب نور الدمرداش لنادى الزمالك، يؤكد ما حدث مع الفنانة الكبيرة عايدة رياض فى مسلسل مارد الجبل، عايدة بدأت مشوارها بالتمثيل مع المخرج الكبير يوسف شاهين الذى استعان بها فى فيلم وثائقى عن مديرية التحرير الجديدة، وكانت وقتها راقصة فى فرقة رضا، وبعد مرور 4 سنوات شاهدها المخرج الكبير نور الدمرداش فى أحد الاستعراضات، وبعد نهاية الاستعراض عرض عليها المشاركة فى مسلسل «مارد الجبل» ورشحها للعب دور «صابحة»، قالت له عايدة رياض إنها لا تجيد فن التمثيل، فأخبرها أن عليه مسئولية تعليمها.
وقتها كانت عايدة رياض مرتبطة بالسفر مع الفرقة إلى دبى، وكان الوقت المقرر لغيابها لا يتجاوز الأسبوعين، فاستأذنت من المخرج الكبير الراحل أن تسافر مع الفرقة على أن تعود بعدها لتصوير دورها، ووافق المخرج، لكن السفرية امتدت ووصلت إلى الشهر، وعند عودة عايدة رياض، خشيت أن تذهب إليه بمفردها، لكنها كانت تريد أن تعتذر له عن تأخيرها لعله وإن لم يسامحها ويعيدها إلى المسلسل، فيرشحها فى أعمال قادمة.
وعلمت عايدة رياض أن المخرج الكبير نور الدمرداش زملكاوى صميم، فاستعانت بزوج شقيقتها الكابتن الكبير حسن شحاتة كابتن مصر، ونادى الزمالك، ليذهب معها إلى الاستوديو لمقابلة المخرج والاعتذار له.
وما إن التقى كابتن مصر الأول، مع مخرج مصر الأول، حتى نسى نور الدمرداش أمر عايدة رياض تماما، ورحب بحسن شحاتة وسأله عن أحوال الفريق، بعدها سأل عايدة عن سبب تأخرها، فأجابته أن مدة السفر طالت دونا عن إرادتها ورغبتها.. فقال لها ستصورين دورك اليوم، وبالفعل صورت عايدة رياض أول مشاهدها بشفاعة من المعلم حسن شحاتة.
4- مدرسة نور الدمرداش
سألت المخرج الكبير محمد النقلى عن كيفية التحاقه بالعمل مع خاله المخرج الكبير نور الدمرداش، وهل كان ذلك بناء على طلب من والدته شقيقة المخرج الراحل، فنفى حدوث ذلك (أسرتى بالكامل كانت فى ذلك الوقت فى ليبيا، وكنت أعيش فى القاهرة بمفردى، وكنت ملازما لخالى، وكان ثالثنا هو الفنان الكبير محمود عبدالعزيز، تقريبا كنا بنسيب بعض فى وقت النوم فقط، وبناء على هذا القرب بدأت العمل معه، ففى مسلسل مارد الجبل كنت مساعدًا رابعًا تقريبا، لم يكن لى دور محدد، كنت أحيانا أقف لمراجعة اللغة رغم وجود مصحح لهجة، أو أنادى على الممثلين، وكنت أقف لمراقبته وكيف كان يحرك الممثلين فى المشاهد، وفى إحدى المرات سألته فى البلاتوه عن حركة فى الميزانسين، فطردنى خارج الاستوديو، وعندما قابلته فى بيته بعد نهاية التصوير، قال لى لما تتعلم الحاجة بنفسك عمرك ما هتنساها، لكن لو أنا قلت لك عليها دلوقتى، بكره الصبح هتكون نسيتها).
أكد المخرج الكبير محمد النقلى على الشخصية القوية التى كان يتمتع بها المخرج الكبير الراحل، علاوة على أنه لم يكن يرحم ممثلاً يهمل فى الحفظ أو يأتى متأخرا.. ففى إحدى المرات جاء أحمد زكى متأخرا، وكانت كارثة فوق رأسه ورأس المنتج.
5- كارثة أحمد زكى
قبل مسلسل «مارد الجبل» بعام واحد، وبالتحديد سنة 1976، قدم المخرج الكبير نور الدمرداش مسلسل «خان الخليلى» المأخوذ عن قصة لأديب نوبل نجيب محفوظ، والمعروف أن المسلسل كان بطولة صلاح ذو الفقار وصلاح السعدنى وليلى حمادة وفاروق نجيب، وكان من إنتاج إحدى الشركات الكويتية بالمشاركة مع كمال الطويل، وتم تصويره فى استوديو «الجيب» بالعباسية.
قبل ترشيح الفنان صلاح السعدنى، مثل الفنان أحمد زكى نفس الدور، وانتهى من تصوير مشاهد ديكور كامل كما قال النقلى (وقتها أحمد زكى انتهى من تصوير 75 مشهدًا فى ديكور يجمعه بالممثل فاروق نجيب، وبعد انتهاء تصوير المشاهد تم هدم الديكور وبناء ديكور آخر فى نفس الاستوديو، وكان لأحمد زكى أيام قليلة من التصوير فى الديكور الجديد، وفى أحد الأيام كان من المفترض أن يقف أحمد زكى أمام الكاميرا فى الحادية عشرة صباحا، لكنه لم يأت وتعطل يوم التصوير، فأمر المخرج نور الدمرداش بإخراج مقعد على باب الاستوديو، وطلب من عامل البوفيه عم عبده بأن يحضر له كوبا من الشاى، وظل منتظرا أحمد زكى الذى جاء فى الثالثة عصرا، وما إن شاهد نور الدمرداش قال له أنا آسف يا أستاذ أصلى منمتش من إمبارح، هنام ساعة وأكون جاهزًا مع حضرتك، نور الدمرداش قابل خالد الشريعان مسئول الشركة الكويتية المنتجة بصحبة كمال الطويل وقال لهم بصوا قدامكم حل واحد يا أنا أكمل وأحمد يمشى.. يا أحمد يكمل وأنا أمشى، المنتج قال له لكنه صور 75 مشهدا، فرد نور الدمرداش يا أنا يا هو.. طيب والديكور اللى اتهد ؟.. قال لهم سأبنيه على حسابى، قالا والديكور القائم حاليا فى الاستوديو الذى ندفع إيجاره هل نهدمه هو الآخر.. قال لهم لأ.. الريجيسير يطلع على مطار القاهرة.. هيلاقى طائرة مصر للطيران ستصل من دبى فى العاشرة مساء، يأخذ معه نسخة من الحلقات ويسلمها لصلاح السعدنى ويقولون له نور الدمرداش بيقولك أنزل التصوير بكره، وهو ما حدث بالفعل، فلم يقبل نور الدمرداش تأخر أحمد زكى أربع ساعات كاملة عن موعده واستبعده تماما من المسلسل، وفى العاشرة من صباح اليوم التالى وصل صلاح السعدنى إلى الاستوديو وبدأ تصوير دوره، وكان المستفيد الوحيد من الموقف هو الفنان فاروق نجيب الذى حصل على أجره عن الـ75 مشهدًا التى صورها مع أحمد زكى، وحصل عليها مجددا عندما صورها مع صلاح السعدنى، ورفض المنتجان تحمل نور الدمرداش تكاليف إعادة بناء الديكور).
تصويب
نشرت فى الأسبوع الماضى الحلقة الثامنة والعشرين من سلسلة «أساطير الدراما» بعنوان «التوأم.. عندما اعتذر المخرج والمنتج والمرشحات للبطولة عن العمل». بعدها اتصل بى المخرج الكبير ملك الفيديو مجدى أبوعميرة لتدقيق إحدى المعلومات الخاصة بأنه استبعد النجمة الكبيرة إيمان الطوخى من بطولة المسلسل، وفى الحقيقة نحن لم نؤكد ذلك على الإطلاق بينما أكدنا أن المخرج يحيى العلمى رشحها للعب بطولة المسلسل، وبعد اعتذاره استعانت أسرة العمل بالنجمة الكبيرة ليلى علوى لبطولته لاعتبارات تسويقية.
المخرج الكبير مجدى أبوعميرة أكد على كونه ذهب للقاء المنتج رياض العريان والكاتب يسرى الجندى فى مكتب الأول بشارع هدى شعراوى، للاتفاق على إخراج المسلسل، وعندما دخل إلى المكتب وجد ليلى علوى بصحبة المؤلف والمنتج، علما بأن الكاتب الكبير يسرى الجندى هو الذى رشحها، وعندما قرأ أبوعميرة الحلقات وجد أنها مناسبة تماما للشخصية، ثم علم من المنتج أن إيمان الطوخى وإلهام شاهين كانتا مرشحتين لبطولة المسلسل، وبدوره لم يكن صاحب أى يد فى استبعاد إحداهما أو كلتيهما من بطولة المسلسل الذى تم إنتاجه سنة 1997.