مى سمير تكتب: رسائل بايدن لدول العالم فى خطابه الأول
مواجهة بكين بانتهاكاتها الاقتصادية.. إنهاء الدعم الأمريكى للحرب فى اليمن
محللون: القضية الفلسطينية لن تكون على رأس أولويات الرئيس الجديد فى الظروف الحالية.. و«فورين بوليسى» تدعوه إلى تطوير علاقته بمصر
أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن فى أول خطاب له فى السياسة الخارجية منذ توليه منصبه أن «أمريكا لا تستطيع تحمل التغيب عن المسرح العالمى بعد الآن»، موضحا من خلال التأكيد على القيم الديمقراطية، وإعادة الالتزام بالتحالفات والاستثمار فى الدبلوماسية أنه يمكن للولايات المتحدة إعادة بناء قيادتها العالمية والتنافس مع الصين.
مضيفا: «سنصلح تحالفاتنا ونتعامل مع العالم مرة أخرى، ليس لمواجهة تحديات الأمس، ولكن تحديات اليوم والغد»، فماذا يكشف هذا الخطاب بالتحديد عن علاقته بالعالم بشكل عام وبالشرق الأوسط ومصر بشكل خاص؟.
1- الإعلانات والنوايا
تناول بايدن بعض التطورات العالمية الأخيرة حول سجن الناشط الروسى أليكسى نافالنى قائلا: «لقد استهدف لفضح الفساد، يجب الإفراج عنه فورا ودون شروط»، وبشأن الانقلاب فى ميانمار، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستعمل مع شركاء دوليين «لدعم استعادة الديمقراطية وسيادة القانون وفرض عواقب على المسئولين»، مضيفا أنه سيوجه دعوات لأقرب حلفاء أمريكا للبدء فى إصلاح علاقات التعاون وإعادة بناء التحالفات الديمقراطية التى انهارت على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب الإهمال.
وظهر تحديان رئيسيان بشكل كبير فى خطاب بايدن: تغير المناخ والصين، فيما يتعلق بالمناخ، قال بايدن إن على أمريكا رفع أهدافها الخاصة لتشجيع الآخرين بدورهم على رفع أهدافهم، وفيما يتعلق بالصين، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستواجه بكين بسبب «انتهاكاتها الاقتصادية» و«الإجراءات القسرية» و«الهجوم على حقوق الإنسان والملكية الفكرية والحوكمة العالمية»، متابعا: «نحن مستعدون للعمل مع بكين عندما يكون ذلك فى مصلحة أمريكا».
وفقا لإيلين دوناهو السفيرة الأمريكية السابقة لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كان هناك ثلاثة مواضيع مهمة فى خطاب الرئيس الأمريكى بايدن: أولا، أرسل بايدن تحذيراً صارخاً إلى روسيا والصين، بأنهم يمكن أن يتوقعوا من الولايات المتحدة مواجهتهم بشكل مباشر وفرض عواقب على الأنشطة التى تقوض المصالح الأمريكية، خاصة أنشطة «المنطقة الرمادية» التى نجت من العقوبات فى الماضى.
ثانيا، أشار إلى أن الدبلوماسية هى الوسيلة الأساسية لتعزيز الاهتمام الأمريكى وأن إدارته ستستثمر موارد كبيرة فى المجال الدبلوماسى الدولى، خاصة لمواجهة التحديات عبر الوطنية مثل الأوبئة وتغير المناخ.
ثالثا، اختتم الرئيس الخطاب بموضوع دقيق حول أهمية القيادة الأمريكية على المسرح العالمى، ليس فقط لتعزيز المصالح الأمريكية ولكن لتعزيز مصالح العالم الديمقراطى، فى الواقع، أشار الرئيس إلى أنه لن يتراجع عن الاعتقاد بأن ممارسة القيادة الأمريكية تساهم فى التقدم العالمى والخير فى العالم.
2- الشرق الأوسط
تضمن خطاب بايدن حفنة من الإعلانات والنوايا، من ضمنها مراجعة عالمية لجميع القوات الأمريكية لتقييم ما إذا كانت البصمة العسكرية الأمريكية تتماشى مع أولوياتها، كما أعلن إنهاء الدعم الأمريكى للحرب فى اليمن، بما فى ذلك إنهاء «مبيعات الأسلحة ذات الصلة» إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والضغط من أجل وقف إطلاق النار، وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل مساعدة المملكة العربية السعودية فى الدفاع عن أراضيها، كما أعلن عن تعيين الدبلوماسى المحترف تيموثى ليندركينج كمبعوث جديد للولايات المتحدة إلى اليمن.
يقدم وليام كوانت أستاذ السياسة بجامعة فيرجينيا، توقعاته الخاصة لسياسة بايدن فى منطقة الشرق الأوسط على موقع كايرو ريفيو، قام كوانت بالتدريس فى جامعة كاليفورنيا ولوس أنجلوس ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بنسلفانيا وكان زميل أقدم فى معهد بروكينجز، خلال إدارتى نيكسون وكارتر، عمل فى مجلس الأمن القومى، كما لعب دوراً نشطاً فى المفاوضات التى أدت إلى اتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وهو مؤلف للعديد من الكتب التى تناولت الشرق الأوسط بما فى ذلك (عملية السلام: الدبلوماسية الأمريكية والصراع العربى الإسرائيلى منذ عام 1967).
كتب كوانت أن مع استعداد أى رئيس أمريكى جديد لتولى مهام منصبه، تتوالى التحليلات التى تتناول مبادرات السياسة الداخلية والخارجية الجديدة للرجل الجديد الذى يحتل البيت الأبيض، يضيف السياسى الأمريكى المخضرم: « تبين أن بعضها واضح، وبعضها ثاقب، وبعضها خاطئ تماما، تذكر أنه فى عام 2000، كان جورج دبليو بوش قد وعد باتباع سياسة خارجية متواضعة، ولكن ذلك كان قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 والتدخلات الأمريكية اللاحقة فى أفغانستان والعراق».
يتناول كوانت على نحو خاص السياسة الأمريكية المتوقعة فى الشرق الأوسط، مشيرا إلى أننا عندما ننظر إلى الأعضاء الرئيسيين فى فريق السياسة الخارجية والأمن القومى لبايدن، نرى فى الغالب أسماء مألوفة من فترة أوباما، خاصة أولئك الذين عملوا عن كثب مع بايدن عندما كان نائب الرئيس، لقد اختار فى منصب وزير الخارجية أنتونى بلينكن و فى منصب مستشاره للأمن القومى جيك سوليفان، كلاهما تربطهما علاقات شخصية وثيقة مع بايدن وهما صديقان مقربان، إنهم يتناسبون مع نموذج السياسيين الأمميين، مع التركيز على أوروبا والميل إلى تفضيل الدبلوماسية على القوة العسكرية، لكنهم مهتمون على نحو كبير بإعادة تأكيد القيادة الأمريكية فى الشؤون العالمية، فيما يتعلق بالعالم العربى، يكفى أن نقول إن كلا المستشارين الرئيسيين يبدو أنهما استنتجا أن الشرق الأوسط لا ينبغى أن يتمتع بالمركزية فى السياسة الخارجية الأمريكية التى كان يتمتع بها فى عهد أوباما، وأن العلاقات مع أوروبا وروسيا والصين ستتصدر جدول أعمال الإدارة الجديدة.
اختار بايدن أيضا دبلوماسياً متمرساً هو ويليام بيرنز كرئيس لوكالة المخابرات المركزية، وهو اختيار غير عادى ولكنه مرحب به على نطاق واسع، بيرنز دبلوماسى متمرس ومحترم عمل سفيراً فى الأردن وروسيا، كان مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى، وكان وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية ونائب وزير الخارجية فى عهد أوباما، لمنصب نائب وزير الخارجية، وقع الاختيار على ويندى شيرمان، أحد المفاوضين الرئيسيين مع إيران فى خطة العمل الشاملة المشتركة، الاسم الآخر الوحيد الذى قد يعطينا تلميحاً إلى تفكير بايدن فيما يتعلق بالشرق الأوسط هو اختيار بريت ماكجورك لرئاسة مكتب الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى، عمل ماكجورك فى كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية، وكان آخرها مع ترامب فى القضايا المتعلقة بالعراق وسوريا ودعم الأكراد فى سوريا كحلفاء فى القتال ضد داعش، فى أواخر العام الماضى، استقال ماكجورك عندما دعا ترامب إلى سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا. مع وجود ماكجورك، فلا ينبغى أن نتوقع رحيلاً مفاجئاً للقوات الأمريكية من العراق وسوريا وأفغانستان.
ستكون القضية ذات الأولوية القصوى هى محاولة العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وتنشيطها، يدرك الفريق الجديد أن نافذة العمل قد تغلق مبكرا، لأن لدى إيران انتخابات رئاسية خاصة بها بحلول منتصف العام، تدرك إدارة بايدن أن عليها تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران إذا أرادت من الأخيرة إيقاف أنشطة تخصيب اليورانيوم على الفور، سيتم التعامل مع قضايا مثل تطوير إيران للصواريخ، وإجراءاتها الإقليمية التى تثير قلق بعض أصدقاء وحلفاء أمريكا، فى المحادثات اللاحقة، ولكن لا يمكن حلها قبل الانضمام مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، يعرف فريق بايدن أن دولاً مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لن تشعر بالرضا من هذا التقارب مع إيران، تخشى إدارة بايدن أن بديل عدم التقارب مع النظام فى طهران سيكون خطر الحرب مع إيران فى المستقبل، وسباق الدول الأخرى للحصول على قدرات نووية، واستمرار عدم الاستقرار فى المنطقة.
فريق بايدن مصمم أيضا على إعادة التوازن للعلاقة مع المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل مع الإمارات، ستكون هناك محادثات جادة مع السعودية والإمارات بشأن إنهاء العمليات العسكرية فى اليمن ومحاولة معالجة الكارثة الإنسانية هناك. وقد أبلغ بايدن بالفعل الكونجرس الأمريكى عزمه على إلغاء تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية.
فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، فالأمور لا تصب فى صالح السلطان العثمانى. يتخذ ماكجورك مواقف معادية تماما لأنقرة حيث اتهمها صراحة بدعم التنظيمات الإرهابية، أما بلينكن فقد وصف تركيا فى جلسة استماع الكونجرس بأنها حليف غير موثوق فيه.
حسب كوانت، لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية، التى شغلت الرؤساء الأمريكيين منذ أواخر الستينيات على الأقل، ولكنها لن تكون على رأس أولويات بايدن فى الظروف الحالية. «على الأكثر، قد نتوقع نهاية مبكرة لمقاطعة السلطة الفلسطينية، وتجديد الدعم لتمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا)، بالإضافة إلى ذلك، ستتم إعادة شكل من أشكال الاتصالات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، لكن التفاصيل لم يتم الاتفاق عليها بعد، سيكون رد الفعل السريع محاولة حشد الدعم لحل الدولتين.
3- الملف المصري
بين تحليلات تؤكد أن العلاقات قد تشهد توتراً وآراء تشير إلى ضرورة توطيد العلاقات بين القاهرة وواشنطن، لاتزال سياسة بايدن مع مصر تثير الكثير من علامات التساؤل، يقول اتش ايه هايلير وهو باحث كبير غير مقيم فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى،على موقع صحيفة كريستيان ساينس مونيتور: «إن خطاب إدارة بايدن المنتخبة هو بالتأكيد أكثر تأكيدا على حقوق الإنسان من إدارة ترامب. لكن هذا لا يعنى أن سياسات الإدارة ستكون مختلفة إلى حد كبير، أو أنه سيكون من الصعب على القاهرة والرياض المناورة»، وقالت ميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى فى تقرير لصحيفة المونيتور: «لا أعتقد أن الرئيس المنتخب بايدن سوف يتولى منصبه مع رغبة فى تعطيل العلاقة مع مصر».
من جانبها لفتت مجلة فورين بوليسى لحقيقة مهمة قد تحكم بقوة علاقة واشنطن مع القاهرة وهى القارة الأفريقية، فى تحليل بعنوان «لقد حان الوقت لتحديث سياسة أفريقيا»، أشارت المجلة الأمريكية أن إدارة بايدن تحتاج إلى تحديد الأولويات والمشاركة بنشاط مع العمالقة الإقليميين فى القارة الأفريقية ، ودعت المجلة بايدن إلى تطوير علاقته مع خمست بلاد بالتحديد وهى نيجيريا ومصر وجنوب إفريقيا والمغرب وكينيا وإثيوبيا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، حيث تشكل هذه البلاد الثقل الاقتصادى والسياسى الكبير فى القارة السمراء أو قارة المستقبل كما تصف التحليلات السياسية الغربية.