د. رشا سمير تكتب: عين القاهرة وقلبها

مقالات الرأي




أجد أن فى الاعتذار شجاعة لا يمتلكها سوى الأقوياء.. وأعتقد أن التراجع عن القرار الخاطئ سمة لا يتحلى بها سوى القادة الأشداء

كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أكثر من تشاور مع أتباعه وقت اتخاذ القرار، وفى بعض المواضع كان يخص بالشورى فئة بعينها من أصحابه..

الشورى ليست ضعفا ولا تندرج أبدا تحت بند الأيادى المرتعشة.. الشورى هى الرأى والرأى من منظور آخر.

أتذكر جيدا أنه منذ سنوات طويلة يوم اتخذت الحكومة قرار عمل مترو الأنفاق بمنطقة الزمالك أنه قد جاءنى إيميل مرسل أيضا لكل أصحاب الأقلام والأصوات فى مصر، أرسله مهندس معمارى متخصص رافضا رفضا باتا فكرة الحفر فى منطقة الزمالك، وشارحا بكل دقة تداعيات الحفر فى جزيرة تحاوطها المياه من كل جهة..والحقيقة أنه لم يؤخذ كلامه فى الاعتبار وتصور البعض وقتها أن سكان الزمالك يتعاملون مع المنطقة وكأنها ملك خاص للأغنياء لا يجوز أن يدخلها البسطاء..وبدأ الحفر وظهرت التداعيات، وللأسف بعد فوات الأوان..

بنفس الحماس بدأت أرقب على الفيسبوك ما يحدث من معركة ضارية بين سكان منطقة الزمالك بعمل جروبات وهاشتاجات وتظلمات لمجرد أنهم سمعوا أن هناك مشروعًا يسمى (عين القاهرة) أو Egypt Eye سوف يقام مكان حديقة الأندلس أو ربما بالقرب منها مما يستدعى أولا تدمير بعض أجزاء من الحديقة وثانيا خلق حالة زحام شديد فى منطقة تئن من الزحام..

المشروع بالفعل مقام فى كل دول العالم وهو فكرة جيدة ولكن..أين؟ ولماذا؟

الحقيقة أيضا أن سكان الزمالك ولأنهم ناس تتسم أخلاقهم بالرقى وهم بالفعل ما تبقى من الزمن الجميل، فقد تعاملوا بكل أدب وتمدن مع الموقف، ودون الدخول فى هزل وهذى..

بالفعل ونتيجة ضغط شعبى هائل، ظهر على الساحة كلام كثير يؤكد أن القائمين عن المشروع تراجعوا عن الفكرة، وأنها ستُنقل لمكان آخر..هل هذا الكلام حقيقي؟ هل هو من مصدر مؤكد؟ العلم عند الله!..

بعدها تعالت صيحات سكان مصر الجديدة ضد فكرة بناء كوبرى يهدد أمان كنيسة البازليك، الكنيسة الأثرية العريقة المدفون تحتها البارون إمبان الذى أعتقد أن مجرد فكرة بناء كافتيريا فى حديقة قصره ربما تسبب له صداعا شديدا يمنعه من الرقاد بسلام فى قبره!.

هذه المرة أصبح الدور على سكان مصر الجديدة، الذين لجأوا إلى نواب الدائرة يشتكون لهم، وللتوضيح فقط اثنان من نواب هذه الدائرة هما رجال أعمال لهما مشاريع مع الدولة وممثلان لحزب مستقبل وطن!..

وماذا بعد؟ هل تمخض النائب فولد بيانا؟ هل أرضى البيان السكان؟ الحقيقة لا..

فأبناء الدائرة هاجموا النواب وعادوا يهجمون على الفيسبوك وكأن المعركة أصبحت هى ساحة الحاج زوكربرج، البقاء فيها أصبح لمن لديه متابعون أكثر!.

إحقاقا للحق عملية إنشاء كبارى فى منطقة مصر الجديدة جعلت المرور فيها أسهل على الرغم من أنه تسبب فى تحول المنطقة إلى (هاى واى) لا تسمح بالسكن الآمن المريح، العربيات تجرى بجنون وحوادث كل يوم، لكن هذا لا يمنع أن الوقت الذى كنا نقضيه متكدسين فى الإشارات قل كثيرا..

الأكيد أن الكبارى ليست هى الحل الوحيد، فهذا الكم من الكبارى أفقد الشارع المصرى طابعه المختلف.. وصحوة المواطنين من أجل إنقاذ تراث مصر هى صحوة بحق محمودة جدا..

صحوة تدل على أن هناك مواطنا قلبه مازال متعلقا بالنيل وبحديقة الأندلس وبالأشجار القديمة وبقصر البارون إمبان وبالكنائس والجوامع..

أنا من جيل ذكرياته فى كل ركن من أركان مصر الجديدة، وآباؤنا لهم ذكريات وحكايات لا تنتهى عن حديقة الأسماك ودار الكتب وشوارع وسط البلد ودار الأوبرا وحفلات أم كلثوم وخان الخليلى ومصر القديمة وغيرها..

التراث المعمارى لتلك المناطق وغيرها هو قلب مصر..مصر العظيمة التى يأتى إليها السياح من كل صوب وحدب ليس لكى يشاهدونا العجلة الدوارة بل لكى يعيشونا حلما اسمه القاهرة..

أتمنى أن يستمع مجلس النواب وأن تنصت الحكومة إلى نبض الشارع، إلى صوت المواطن الذى بدأ يشعر بالغربة فى مكانه وداخل منطقته..

لو صدق أن الحكومة تراجعت عن خططها من أجل المواطن، فأنا أصفق لها وأنحنى احتراما لكل من كان سببا فى إعادة تدوير الفكرة.. وعاشت القاهرة قلب الحضارة والعمارة.