أبو البنات يفتح خزينة أسرار انتصار أكتوبر.. مواجهات مفكر مصرى مع زعماء تل أبيب

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


طبيب أسنان يطالب السفير الإسرائيلى بدفع أتعابه لمنظمة التحرير 

5 ملايين دولار رشوة أمريكية لسرقة الوثائق اليهودية فى مصر

أبو البنات كان اللقب الذى كنت أحب أن أنادى به الراحل الكبير الدكتور إبراهيم البحراوى، لم أكن أعرفه كمفكر مختص فى الشئون الإسرائيلية فقط، ولكنه أيضا زوج صديقتى العزيرة راندا الزغبى، وقد تعرفت فى منزلهم على مفكرين وكتاب، فقد كان منزلهم أشبه بدوار عمدة. المثير أننى تأخرت فى قراءة مذكراته (حكاية مصرى مع إسرائيل)، ربما لأننى توقعت أننى أعرف محتواها من قراءتى لمقالاته فى المصرى اليوم، ولكننى اكتشفت خطئى عندما قرأت الكتاب، فهو كتاب مهم جدا جدا فى الوقت الحالى. أنه كتاب يحكى مواجهة شخصية مع الفكرة الصهيونية، وهى فكرة أو بالأحرى عقيدة مستمرة لدى العديد من قيادات إسرائيل بل وشبعها أيضا، فكما يقول الدكتور بحراوى (إن الإسرائيليين يريدون الجمع ما بين التوسع وللسلام فى آن واحد إذا ما تمكنوا).

1مواجهة مبكرة

منذ طفولته كان إبراهيم البحراوى ابن مدينة بورسعيد فى مواجهة مع المستعمر.الاحتلال البريطانى الذى قتل زميلاً له. ثم مع إسرائيل التى قتلت جارة وصديقه فى المدرسة فى حرب 56 وقد أهدى مذكراته لهذا الشهيد، وفى هذه اللحظة، وقبل أن تبرد دماء صديقه اتخذ البحراوى القرار الذى جعله فيما بعد من أهم المفكرين فى الملف الإسرائيلى، وهو قرار دراسة العدو من الداخل من خلال دراسة لغتهم العبرية.

كان الدكتور البحراوى يعمل على الوثائق العبرية مباشرة، ولكن ما زاد من تقدير أعماله ومواقفه هو أنه شخصية وطنية وعربية وآمن دوما بالحق فى الدولة الفلسطينية، ورفض مثل الكثير من الشعب المصرى التطبيع مع إسرائيل، فقد ربط أى علاقة ثقافية أو علمية مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية، ورغم موافقته على اتفاقية كامب ديفيد، فقد كان صديقا لعدد كبير من معارضيها.

من هؤلاء الأصدقاء الدكتور كمال الإبراشى طبيب الأسنان الشهير، والذى دفعته كفاءته لأن يكون طبيب معظم السفراء الأجانب فى مصر، ويحكى البحراوى أن الدكتور الإبراشى استقبل أول سفير لإسرائيل فى القاهرة فى عيادته، وبعد أن عالجه طلب من السفير الفيزته أو الأتعاب بشكل مثير، فقد طلب الأتعاب فى شيك باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وبالطبع ثار السفير ورفع الأمر إلى كبار المسئولين.

2حاجز نفسى

ولم يختلف موقف البحراوى عن معارضى كامب ديفيد، فهو كأى مصرى رفض التعامل المباشر مع إسرائيل الحاجز النفسى.

طلب منه وزير الإعلام السابق منصور حسن أن يكون مستشارنا الإعلامى فى تل أبيب ولكنه رفض، فبعد أن استشار أصدقاءه وفكر انتهى أنه لا يستطيع العيش براحة فى إسرائيل.

مرة أخرى طلبه مستشار الرئيس الراحل أسامة الباز وأخبره أن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتياهو سيأتى فى زياره لمصر، و سيعقد لقاء من بعض المثقفين المصريين، وكان رأى الباز أن الدكتور البحراوى بثقافته وموقفه الوطنى سيكون مفيدا فى اللقاء، حتى يسمع نتنياهو منه، فرفض البحراوى، وقال للباز: نتنياهو مش جاهز فكريا لقبول مبدأ إقامة دولة فلسطينية، فهو أسير لشعار (بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هى دولة إسرائيل)، وأنهى البحراوى الحوار مع الباز قائلا: نتنياهو عقله مغلق على فكرة أن الضفة الغربية هى يهودا والسامرة.

رغم هذا الحاجز فقد نشر الدكتور البحراوى اقتراحاً بأن تجرى بينه وبين أبو الدبلوماسيين الإسرائيليين مناظرة على صفحات جريدة معاريف وبالعبرية.

وترجع القصة إلى أن الدكتور البحراوى كتب مقالا فى جريدة الأخبار المصرية بعنوان (الدولة الفسلطينية شرط موضوعى للسلام الشامل) وكانت هذه هى المرة الأولى التى تصل فيها جريدة الأخبار لإسرائيل، وكان مقال البحراوى موجهاً إلى الشعب الإسرائيلى، فقام أبو الدبلوماسيين الإسرائيليين، وكان يجيد العربية بكتابة مقال فى الأخبار ردا على البحراوى، وطلب لقاء البحراوى فى لقاء مغلق.

وفطن البحراوى إلى اللعبة، فطالب الدبلوماسى الإسرائيلى بأن يدخلا فى مواجهة على صفحات جريدة معاريف وباللغة العبرية، وبالطبع تهرب الإسرائيليون من هذه المواجهة على أرضهم.

3معركة الجنيزاه

الجنيزاه هى كلمة عبرية ترجمتها التخزين أو الكنز، وهى غرفة فى المعابد تحوى الوثائق اليهودية. من المعارك المهمة الذى توقف عندها الدكتور البحراوى هى معركة الوثائق اليهودية الموجودة فى المعابد اليهودية خاصة معبد ابن عزارا، وقد استبق البحراوى إسرائيل وبدأت كلية الآداب جامعة عين شمس بالتنسيق مع الآثار التوثيق لهذه الوثائق وأرشفتها وحفظها على الميكرو فليم. وحاولت إسرائيل سرقة الوثائق، فلجأت إسرائيل إلى محاولة رشوة جامعة عين شمس، فتقدمت بطلب مشترك مع جامعة أمريكية للقيام بالعملية مقابل 5 ملايين دولار لجامعة عين شمس، وتم رفض الرشوة، وأخيرا أصدر الخامات اليهود فتوى بأنه لا يجوز فتح الجنيزاه إلا بوجود اثنين من الحاخامات، ومنعت إسرائيل أى حاخام فى العالم من الحضور لمصر.

4- خزانة 6 أكتوبر

فى محطة مهمة من حياته عمل البحراوى على مشروع الوثائق الإسرائيلية عن حرب أكتوبر والتى يتم الإفراج عنها بعد 40 عاما من الحرب، وتم حذف بعض المعلومات حتى الآن.

ومن الوثائق اكتشف البحراوى وفريق عمله أن هناك إسرائيلياً واحداً يدعى سودائى تنبأ بقرب شن مصر حربا على إسرائيل، وهذا الإسرائيلى كان مجرد موظف فى إحدى وحدات المخابرات الإسرائيلية العسكرية، وهو عراقى يهودى هاجر لإسرائيل فى عام 50. الأكثر إثارة أن أحد أسباب هذا التنبؤ هو سبب متعلق بالرئيس الراحل السادات، فقد كان من عادة السادات أن يلقى اللوم على رئيس الحكومة فى أى مشكلة، وعندما جمع السادات بين الرئاسة والحكومة استنتج سوادئى بأن هناك أمرا جللا يعد له السادات. وترسم الوثائق السرية حجم الهزيمة والمفاجأة التى صدعت إسرائيل وقاداتها نتيجة لخطة الخداع الاستراتيجى التى نفذتها مصر لإخفاء موعد الحرب، وإقناع القادة فى إسرائيل بأن مصر لم ولن تحارب. وبعد انتصار أكتوبر لم تعد الثقة فى المخابرات العسكرية الإسرائيلى أبدا، وقد أنشأت أقساماً خاصة فى كل من الموساد ووزارة الخارجية للتقديرات بدلا من الاعتماد على المخابرات العسكرية فقط. بل أن صدمة إسرائيل من عبقرية عملية الخداع الاستراتيجى المصرى دفعتهم لإنشاء هيئة خاصة للتقديرات المعاكسة، ووظيفة هذه الهيئة كانت دراسة البراهين على إثبات عكس المعلومة. وهذه الوثائق هى وسيلة مثلى لرفع المعنويات المنهارة مثل حالتى، فقد استعدت تفاؤلى وأنا أقرأ بانبهار توابع انتصار أكتوبر على إسرائيل وقاداتها المتعجرفين، يكفى أن تعرف أن وزير الدفاع موشية ديان فى ذلك الوقت قال فى اجتماع مصغر لمجلس الوزراء: لو استمر الحال على ما هو عليه فالمعركة ستدور فوق أرض دولة إسرائيل نفسها.

ويلفت البحراوى نظرنا إلى أن إسرائيل لم تنشر وثائق محاضر الاجتماعات منذ بدء موافقة أمريكا على إرسال إمدادات أو جسر جوى كامل بالطيارين وكل المعدات، ويفسر البحراوى هذا الموقف أن إسرائيل لا تريد أن يعرف الأجيال الجديدة أنه لولا أمريكا لما استطاعت إسرائيل حماية نفسها.