عادل حمودة يكتب: كالبتومانيا إسرائيلية من طابا إلى دبى

مقالات الرأي



تعليقات سوشيال ميديا: من يسرق وطنا يسرق مناشف

كان المشهد لافتًا للنظر.. مثيرا للدهشة.. تكرر كثيرا فيما بعد

كنت المراسل العسكرى لـ«روز اليوسف» المكلف بتغطية اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التى تقر انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء حسب الجداول الزمنية فى معاهدة السلام.

كان يرأس الجانب الإسرائيلى العميد دوف سيئون بينما رأس الجانب المصرى فى البداية العميد بحرى محسن حمدى ليأتى بعده اللواء صفى الدين أبو شناف الذى أصبح رئيسا لقيادة الأركان فيما بعد.

فى يوم 25 مايو 1979 قضينا ليلتنا فى القنطرة شرق على أن نستقل أتوبيسا فى فجر اليوم التالى لنشهد رفع العلم المصرى على مدينة العريش.

لفت نظرى وجود خمسة جنود إسرائيليين مسلحين بالبنادق يجلسون فى المقعد الخلفى العريض صامتين يقتسمون قطعة خبز فى حجم الكف وتناول كل منهم عدة فصوص من برتقالة ألقى بها قائدهم إليهم.

كانت المرة الأولى التى التقى فيها بإسرائيليين وجها لوجه فرحت أكرر النظر إليهم ربما اكتشف سر الشخصية السوبرمانية التى تقمصوها بعد هزيمة يونيو.

أكثر من خبير متخصص فى علم اجتماع الشعوب أكدوا أن السر فى قطعة الخبز وفصوص البرتقال وأضافوا ربما احتفظوا بقشرة البرتقالة لعلهم يستفيدون منها.

القاعدة الذهبية عندهم: كل ما تصل يدك إليه اجعله ملكا لك مهما بدا تافها.

فى العريش تجسدت تلك القاعدة أمامنا فى مشهد يصعب نسيانه.

كان الجنود يفكون صنابير المياه ومواسيرها وقواعد المراحيض ويخلعون القيشانى الرخيص من على الجدران ولم ينسوا مصابيح الكهرباء وأسلاكها ومفاتيحها وأبواب المكاتب والسور الحديدى الذى كان خارج مبنى الإدارة المدنية.

تلك الأشياء الصغيرة حملوها معهم حتى لا يتركونها لبشر غيرهم يستفيدون بها وإلا أصيبوا بلعنة ما تفقدهم نعمة العيش.

لا يجوز لغير اليهود أن يحصل بلا مقابل على أشياء اليهود.

ولو تعذر الحصول على تلك الأشياء لابد من هدمها كما حدث فى مستوطنة ياميت التى تسلمناها أكواما من الحجارة بعد أن رفضنا دفع التعويضات التى طلبوها.

تلك المشاهد تكررت فى الانسحابات الإسرائيلية التى تابعتها فى باقى مدن سيناء دون أن أنسى دموع المجندات الإسرائيليات وهن فوق شاحنات الجيش.

فى طابا كان الموقف مختلفا تماما.

كان الإسرائيليون قد بنوا فندقا ومنتجعا هناك كاد أن يعطل إعادة طابا إلى مصر بعد فوزها فى التحكيم الدولى وطالبوا ببقاء الفندق تحت تصرفهم مقابل تأجير الأرض المقام عليها ولكن مصر قررت شراء الفندق وهنا وجد الإسرائيليون فرصتهم لبيعه لنا بأضعاف سعره.

ولو كانت الشخصية الإسرائيلية لا تقبل بترك شىء تملكه ولو كان بلا قيمة فإنها ترى فيما يملكه غيرها شيئا مغريا مستباحا.

يحرم على اليهودى مال وعرض وحياة اليهودى بينما يحل له مال وعرض وحياة غير اليهودى حسب ما فى التلمود من تعليمات.

لن نضرب مثلا بما حدث فى فلسطين ولكننا سنضرب مثلا بما حدث فى دبى.

ما إن بدأت العلاقات بين الإمارات وإسرائيل حتى أصبحت دبى وأبو ظبى مقصدا جذابا لمئات من السياح الإسرائيليين حتى وصل عددهم فى أول أسبوعين إلى خمسين ألف زائر واحتفل أغلبهم بعيد هانوكا أو عيد الأنوار إحياء لذكرى تدشين الهيكل أمام برج خليفة.

لكن لم تسلم الفنادق من السرقات التى اشتهر بها الإسرائيليون فى العالم كله.

كنت فى طابا يوم شم النسيم عام ألفين عندما قرر مدير فندق هيلتون تحميل العاملين قيمة المفقودات فى غرف السياح الإسرائيليين من نسبة الخدمة التى توزع عليهم إضافة إلى مرتبهم.

تصورت أنها حالات فردية وليست ظاهرة جماعية لكن ما إن نشط رجال الأمن فى متابعة النزلاء حتى وجدت عشرات الحقائب مفتوحة أمام مكتب الاستقبال وفيها كل ما يمكن تصوره وما لا يمكن تصوره.

بدا المشهد وكأننا فى صالة جمارك حمراء لم ينج منها سائح إسرائيلى واحد أو يطلب المرور من الصالة الخضراء.

خرجت من الحقائب أشياء عادة ما تسمح بها الفنادق نوعا من الدعاية لها العبوات الصغيرة من الشامبو وجيلى الاستحمام وكريم فرد الشعر والنعال القماش وعلب الورنيش ولكن ما أثار الدهشة والغضب وجود أشياء مكلفة مثل برنس الحمام والمناشف الفوط وعلاقات الملابس الشماعات وأغطية الوسائد المخدات.

أكثر من ذلك وجدت فى بعض الحقائب ماكينات القهوة ومرآة الحلاقة ومجفف الشعر سيشوار ولوحات فنية انتزعت من الجدران.

لم أصدق ما رأيت بل لم أتخيله.

لكن ما رأيت فى طابا تكرر فى جنيف.

كنت أغطى زيارة مبارك للمقر الأوروبى للأمم المتحدة عندما اختير لنا فندق هيلتون نوجا للإقامة فيه والفندق بالصدفة يمتلكه يهودى سودانى بدا واضحا أنه يعرف سلوكيات عشيرته فلم يترك حقيبة لنزيل إسرائيلى دون تفتيش.

واللافت للانتباه أن النزلاء الإسرائيليين يتناقلون تلك المعلومات بينهم ويعرفون أن حقائبهم لن تترك الفندق دون تفتيش إلا أن غريزة التحدى تدفعهم على ما يبدو للاستيلاء على ما يحلو لهم من الغرف أو هم على ما يبدو أيضا يعانون من إصابة عامة بـ الكلبتومانيا أو الهوس بالسرقة حيث يشعر المريض برغبة ملحة يصعب مقاومتها فى سرقة أشياء تافهة أو ثمينة ولو لم يكن فى حاجة إليها.

أخرج رجال الأمن من حقائب نزلاء إسرائيليين فى هليتون نوجا أشياء لا تخطر على البال مثل ملاءة سرير وكؤوس كريستال ودش حمام.

وغالبا ما تكتفى الفنادق باسترداد المسروقات أو إضافة ثمنها على فواتير الإقامة ولا تبلغ الشرطة حفاظا على سمعتها وحتى لا تخيف باقى الجنسيات منها.

سألت صاحب الفندق: لم يسرق الإسرائيليون منك وأنت منهم إليس ذلك حراما عليهم؟.

أجاب: كان تبريرهم أنهم يسرقون من الجزء الذى يملكه شريكى التركى المسلم.

لكنه استدرك قائلا: إنها ظاهرة منتشرة فى جميع الجنسيات وإن كان الإسرائيليون الأكثر نهما والأقل شعورا بالذنب وتأنيب الضمير.

وفيما بعد نشرت شبكة فوكس نيوز الأمريكية نتيجة استطلاع قامت به شركة ويلسن هافين شارك فيه 643 فندقا أوروبيا قال أصحابها إن سرقات النزلاء وصلت إلى حد المراتب والبطاريات وأدوات المائدة وإطارات الصور والكتب المقدسة إن وجدت وغالبا ما تقع السرقات ليلا بسبب ضعف الأمن ونوم موظفى الاستقبال.

فيما بعد عرفت أن الشريك اليهودى فى هيلتون نوجا باعه لشريكه المسلم الذى غير الاسم إلى كمبينيسكى.

فى دبى تكررت السرقات الإسرائيلية الجماعية من الفنادق حسب صحيفة يديعوت أحرنوت التى وصفت مرتكبى الجريمة بـ لصوص الفوط.

ووصفت صحف عبرية أخرى ما حدث بـ الفضيحة رغم أنها ليست المرة الأولى من نوعها ولكن فى وجود السوشيال ميديا والمواقع الإخبارية متعددة اللغات أصبحت مثل هذه السرقات فضيحة بالفعل يصعب التستر عليها.

نقلت يديعوت أحرونوت عن رجل أعمال إسرائيلي: إنه جاء من قبل إلى الإمارات لتنفيذ أعمال تجارية ولكن عندما عاد فى الشهر الماضى إلى الفندق الذى كان ينزل فيه أحس بالرعب عندما شاهد فى بهو الفندق إسرائيليين يفتحون حقابئهم قبل المغادرة ويجرى تفتيشهم بحثا عن أشياء مسروقة فى الغرف.

ونقلت الصحيفة عن مدير فندق آخر يطل على برج خليفة: فى الفترة الأخيرة أوقفنا سائحين إسرائيليين حملوا من غرفهم المناشف وأكياس الشاى والقهوة ومصابيح الكهرباء.

فى البداية صرخ السائحان فى وجه المدير رافضين التفتيش ولكن ما إن هدد المدير بإبلاغ الشرطة حتى وافقا وأعادا ما سرقاه واعتذرا.

وليس من الصعب توقع التعليقات على مثل هذه الحوادث لتكون على هذا النحو: من يسرق وطنا ليس صعبا عليه سرقة مناشف.

ومن جانبه طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بوضع مدونة سلوك يلتزم بها السياح الإسرائيليون فى الإمارات.

ولكن كان الرد عليه من حزبه: الطبع يغلب التطبع أو يغلب التطبيع.