منال لاشين تكتب: برلمان.. أم ساحة محكمة؟

مقالات الرأي




العقوبة على نائب الوفد مؤشر سلبى على أداء المجلس مستقبلاً

ساحات المحاكم مقدسة.. وساحة البرلمان سياسة وشغب

يتأثر البرلمان، أى برلمان، بشخصية وخلفية رئيسه، فعلى الرغم من وجود قانون ولائحة لمجلس النواب، وعلى الرغم من وجود مئات السوابق البرلمانية المدونة، رغم هذا وذاك فإن شخصية رئيس البرلمان تضفى على البرلمان بعضا من روح وعلم وخلفية الرئيس، وفى بريطانيا جرت مناقشة منذ فترة حول شخصية رئيس مجلس العموم المتحرر لأنه سمح للنواب بحضور الجلسات بدون (كرافتة)، ومع ذلك لم يتوقف الكثير منا حول تأثير شخصية رئيس مجلس النواب المستشار حنفى الجبالى على شكل وسير المجلس، فالمستشار شخصية قضائية جليلة وأنهى مشواره القضائى برئاسة المحكمة الدستورية العليا، ورغم أن البرلمان المصرى شهد رئاسة قاضى آخر وهو الزعيم سعد زغلول إلا أن سعد ترك سلك القضاء وعمل بالمحاماة والحكومة، فهذه هى السابقة الأولى لأن يتولى رجل قضى عمره فى القضاء، ونصف عمره فى أهم وأرقى المحاكم وهى المحكمة الدستورية منصب رئيس مجلس النواب، فالقاضى النزيه يجلس على منصة سياسية فى المقام الأول، منصة لا علاقة لها بمنصة القضاء الشامخ، وقد خطر لى أن أراقب فى الجلسات الأولى أثر الخلفية القضائية لرئيس مجلس النواب على أداء البرلمان الجديد.

1طلة مشرفة

منذ الربع ساعة لرئيس البرلمان لاحظ الجميع طلته المشرفة، فالرجل يجيد اللغة العربية إجادة تامة نثرا ونحوا، ولا يجد صعوبة فى اختيار العبارات أو الكلمات المناسبة لكل موقف، وقد زاد من تقدير الجميع لهذه الملكة، أن رئيس البرلمان السابق الدكتور على عبد العال لم يكن متمكنا من اللغة العربية، ولاشك أن خبرة المستشار الجبالى الطويلة فى القضاء قد ساهمت فى إصقال اللغة العربية لديه. ومن ناحية أخرى فإن عمله القضائى وخاصة فى المحكمة الدستورية ورئاستها أكسبه خبرة مواجهة البشر دون خوف أو توتر وبشموخ، وهو ما عبر عنه المواطن العادى بأن الرئيس الجديد لمجلس النواب له هيبة واضحة.

2رئيس محافظ

ومن خلفية رئيس البرلمان الجديد القضائية توقع الكثيرون عن حق أن يكون رئيسًا محافظًا، فساحة المحاكم ساحة مقدسة لا مجال فيها للتلاعب بالكلام أو المشاعر فضلا عن أية تجاوزات، وقد ظهر ذلك بوضوح مع أول مواجهة للمستشار مع نائب تجاوز، فما أن خرج رئيس الهيئة البرلمانية للوفد النائب المخضرم محمد عبد العليم داود عن القضية الأساسية ورفع صوته حتى واجهته المنصة بحزم وحسم، قام رئيس المجلس المستشار حنفى بطرد النائب وإحالته للجنة القيم، وهو تصرف يتفق مع طبيعة القاضى، ولكنه يختلف مع طبيعة البرلمان فى العالم كله وليس فى البرلمان المصرى.

3شغب البرلمانات

البرلمان ساحة سياسية شعبية، والمحكمة كما قلت ساحة مقدسة لإقامة العدل، ولذلك تجد فى كل البرلمانات اللغة ساخنة والأعصاب مشدودة.

الشعب البريطانى هادىء والبرود الإنجليزى يضرب به المثل، ولكن مجلس العموم البريطانى يعتمد على الصراخ لمواجهة الحكومة، فعندما يقول أحد الوزراء أو رئيس الحكومة أرقامًا أو إجراءات لا تعجب النواب، يبدأون بالصراخ.

وقد شهد الكونجرس الأمريكى خناقات ساخنة وبالأيدى بين النواب فى عدد من القضايا، ومزقت رئيس الكونجرس خطاب الرئيس الأمريكى وألقته فى وجهه.

والهند تزهو وتفتخر بديمقراطيتها وبرلمانها، ولكن البرلمان شهد اشتباكات بالأيدى بين النواب لأكثر من مرة.

وحمل أحد نواب المعارضة رئيس مجلس الوزراء حتى يمنعه من تكملة بيانه. وشهد عدد من البرلمانات العالمية خناقات بالأيدى وإصابات، بل أن المعارضة فى أحد البرلمانات ألقت قنبلة غاز لتعطيل الجلسة، وخلع الأخذية حدث متكرر فى عدد من البرلمانات بما فيها البرلمان المصرى.

أما اللغة الساخنة والمتجاوزة أحيانا فهى أحداث عادية فى العديد من البرلمانات، ولذلك فإن رفع مستوى الحديث فى البرلمان لا يجب أن يحد أو يهدد من مساحة الحرية الممنوحة للنواب بأمر الدستور، فالحصانة الممنوحة للنائب للتجاوز مرجعها وهدفها أن يتمكن النائب من الحديث بدون خوف من العقاب، وقد تكون اتهامات بعض النواب غير مؤثقة، ومع ذلك يحظى بحماية وحصانة دستورية لأنه يسعى لكشف الأخطاء ولصالح المواطن الذى يمثله، ولذلك أتمنى ألا يكون عقاب النائب عبد العليم داود شديدا، لصالح البرلمان قبل مصلحة عبد العليم داود أو غيره من النواب، وأعتقد أنه يجب التفرقة بين ساحة البرلمان وساحة المحكمة، فما يعد تجاوزا أو خرقًا فى ساحات المحاكم المقدسة ويعتبر لغة سياسية وأسلوبًا سياسيًا فى ساحة البرلمان.

4- احترام الأحكام

ومع هذا التحفظ فإن رئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق للبرلمان يحمل مزايا قانونية ودستورية، فالقاضى يحترم القانون والأحكام القضائية الصادرة والباتة ويؤمن أن الحكم عنوان الحقيقة، ولذلك أتوقع أن يعلى المستشار حنفى الجبالى شأن الأحكام القضائية الصادرة من محكمة النقض لصالح بعض المرشحين، وأن يسارع بتنفيذها، ولا يهملها أو يضرب بها عرض الحائط مثلما فعل سلفه الدكتور على عبد العال، فسوف يظل إهمال حكم النقض لصالح الدكتور عمرو الشوبكى وعدم تنفيذه نقطة سوداء فى سجله البرلمانى.

ثمة توقع أخير لرئاسة المستشار حنفى الجبالى للبرلمان، وهو توقع يتعلق بالقوانين التى يقرها البرلمان، فلاشك أن رئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا للبرلمان ستؤثر إيجابيا على القوانين التى يقرها البرلمان، فخبرة الرجل الطويلة والعميقة فى المحكمة الدستورية ستفيد فى ضبط الأداء التشريعى، وإقرار قوانين لا تخالف الدستور ومواده وأحكامه الأساسية، وهذه الخبرة تصب فى صالح سمعة البرلمان من ناحية، والاستقرار القانونى من ناحية أخرى، خاصة أن الناس بالمعنى الواسع تنتظر الكثير من البرلمان ومتفائلة برئاسة المستشار ذو الهيبة حنفى الجبالى للبرلمان وارتفاع نسبة الشباب والنواب الجدد فى هذا البرلمان.

خالص الأمنيات بالتوفيق لكل من رئيس البرلمان المستشار حنفى الجبالى والبرلمان للعمل لمصلحة الوطن والمواطن.