د. رشا سمير تكتب: الدراما والرسالة المرجوة
اقترب رمضان وتحولت التحضيرات للدراما الرمضانية إلى مرحلة العمل على قدم وساق، المفاوضات والترتيبات والسيناريوهات تتحول إلى مواقع تصوير ومشاهد ومسلسلات.
الحقيقة أن الدراما مثلها مثل أى شيء فى مصر قد تغير شكلها مؤخرا، وهذه هى التبعيات الطبيعية لعالم يتحضر ويتغير وتكنولوجيا متطورة أصبحت هى المسيطرة على كل شىء.
فمن المستحيل أن تدفع ابنك اليوم للفرجة على الأفلام الصامتة أو أفلام تشارلى شابلن بنفس الشغف والاستمتاعبل والمصداقية التى كان يشاهدها بها جدوده.
ويبقى السؤال: هل يجب أن تخاطب الدراما وجدان المشاهد بتقديم الواقع أم بتزييف الواقع؟
الحقيقة أن الدراما التلفزيونية والسينمائية أصبحت تخاطب شريحة مجتمع واحدة، هى شريحة الشباب )الكوول( بمشاكلهم ولغتهم وملابسهم وحتى مصطلحاتهم المختلفة.
أصبحت اللغة التى نسمعها عبر الشاشة هى لغة شباب أغانى المهرجانات وبالتالى اللغة التى تدخل البيوت للأطفال وتلتصق بأسماعهم هى تلك اللغة المتدنية التى أضاعت مفردات اللغة العربية وذبحتها على أعتاب الدراما مثل: )فاكس وقشطة يا مان واحلق له! وغيرها من الكلمات التى أصبحت ُتتداول على لسان الأطفال قبل الشباب(.
ناهيكم عن املحتوى الذى يقدم.. فلقد تابعت بالمصادفة بعض المسلسلات التى تندرج حتت قائمة الحلقات المنفصلة والتى يقوم ببطولتها فى كل حلقة فنان وفنانة شابة، ويكتبها سيناريست مختلف معنى بكتابة كل حلقة، فكرة جديدة وتستحق الإشادة، ولكننى اندهشت من مضمون الحلقات، ورأيت أن المسلسل يخاطب طبقة بعينها، وهى الطبقة التى تسكن الكومباوندات وتركب السيارات الفارهة.. بل إن موضوع الحلقات لم يخرج عن الخيانة والمخدرات والدعارة والبارات والحمل غير الشرعى! وكأن مشاكل مصر وقضاياها كلها انحسرت فى تلك الصور الباهتة الخارجة عن المألوف..
أتفق تمام مع فكرة أن الدراما يجب أن تناقش المختلف، ولا يجب أن تعطى صورة وردية أو نمطية للمجتمع، وأن ما يستفز الأقلام عادة هو غير املألوف، وغير سوى.. فالكتابة عن الشخص الشريف المتزن شيء عادى ولكن الكتابة عن المتطرف أو المجنون ربما تبدو أكثر جذبا للمتفرج.
دعونى أعود بكم إلى الزمن اجلميل، زمن الأفلام عظيمة مثل )لا أنام( و)القاهرة 30 ) و)نادية( و)بحب السيما( و)الكرنك(.. وإلى زمن المسلسالت التى جذبت المشاهد لسنين طويلة وتركت قيمة ورسالة وسلطت الضوء على مشاكل الوطن السياسية والإنسانية مثل )ليالى الحلمية( و)أرابيسك( و)العائلة( وحتى )يوميات ونيس(..
دعونى أعود بكم إلى زمن المسرح المصرى العظيم والفنانين الذين اقتنصوا الضحكة والدمعة ودوى التصفيق بمسرحيات غيّرت أوضاع مائلة وهاجمت بذكاء قوانين وممارسات فاسدة، وعمالقة المسرح الذين أثرونا بمسرحيات نشاهدها مائة مرة دون ملل )سهير البابلى وحسن عابدين وأحمد بدير وعادل إمام( ومسرحيات مثل )دستور يا اسيادنا( و)ع الرصيف(..
وقتها كنا نصفق لإلفيه السياسى الذى ينطلق من أفواه الفنانين مثل طلقة الرصاص، وبالمثل فالزلنا نردد ااجمل التى حفظناها عن ظهر قلب من الأفلام القدمية وحتى الكوميدى منها..
أما اليوم فعندما تكتب كلمة )النهاية( على الشاشة تنتهى عالقتك بالعمل برمته، فلا تتذكر منه جملة ولا مشهدا، وربما حتى تنسى أسماء الممثلين!
المشكلة الحقيقية من وجهة نظرى هى مشكلة نقص الأقلام والكلمة الركيكة.
كم أتمنى أن يبحث المنتجون عن أقلاْم ومبدعين بحق، قادرين على تقديم أعمال مبثابة اللوحة التى تحمل رتوشا هى للناظرين عنوان الأْماكن والأشخاص.
أتذكر عملا مثل )ثرثرة فوق النيل( الذى كان فى وقتها عملا استثنائيا ومثيرا للجدل بكل المقاييس، على الرغم من أن الفيلم كان يدور حول شلة من األصدقاء جتمعهم العربدة وإدمان الكيف إلا أنه كان صرخة فى وجه مجتمع يحتاج إلى التغيير.
ليت المنتجين يبحثون عن قضايا تمس الواقع وتقدمه بشكل أكثر رقيا.. ليتهم يعلمون أن الكلمة التى يقدمونها تساهم فى تربية جيل جديد، لن يرتقى إلا بالتعليم والثقافة والفن..
الفن يا سادة هو وجه المجتمع حتى لو قدم صورة عن العشوائيات فباستطاعته دائما أن يتأنى ليقدم صورة تبنى ولا تهدم.