نهلة عوض تكتب: الهند متعة للمغامرين

ركن القراء

الرحالة نهلة عوض
الرحالة نهلة عوض


الهند لا يكفيها مقال او اثنين ولا حتى كتاب بل تحتاج لعدة كتب لوصفها او بمعنى أدق لوصف ما يحدث لزائريها بعد تذوقها، فهي ليست بلد تسافر له كسائح بل بلد تسافر من خلاله لترى العالم ونفسك بشكل مختلف، بلد قادر على تغيير نظرتك للحياة، يسكنك بكل تفاصيله وألوانه ومذاقه وموسيقاه، تسافر له ولا تعود منه ابدا حتى بعد عودتك وتظل زيارته الخط الفاصل بين من كنت قبله ومن أصبحت بعده، فإن كنت لم تسافر قط فلا تجعله اول مكان وان كنت من رواد الفنادق وتريد الإستجمام والرفاهية فلا تذهب -بالرغم من وجود ذلك وبكثرة- وإن كنت تصاب بالصدمة والدهشة من الإختلاف فهي ليست وجهتك المناسبة.

ولكن …
إن كنت مثلى عاشقا لتلك الصدمة الحضارية بنشوتها وتبحث عن الإختلاف في كل شئ لترى أمور الدنيا من زوايا مختلفة فالهند جنتك.

إن كنت تريد تجربة كل ما هو جديد كل يوم وطول اليوم مهما زاد إختلافه فالإستمتاع سيكون من نصيبك
وإن كنت من عشاق الحضارات القديمة والقصور فبسهولة ستشعر انك انتقلت إلى الماضي او ربما داخل أحد الأفلام التراثية بأجوائها وحتى أزيائها.

الهند ليست مجرد دولة لكنها قارة بأكملها تحوي كل شئ ونقيضه حتى مناخها يختلف تماما من جنوبها لشمالها فيمكنك التزحلق على الجليد في أقصى شمالها في حين أن آخرون يسبحون في شواطئها جنوبا مستمتعين بشمسها الساطعة.

فستجد في أقصى جنوبها وحيث بدأت انا رحلتى ولاية كيرلا وفيها مقاطعة مونار حيث مزارع الشاي وهو مكان لم أستطع مغادرته بسهولة فأطلت إقامتى فيه وغيرت خططى حين رأيت جماله، هناك تلمس السحاب بأيديك وتخترقه ومن ثم تراه تحت ارجلك وكأنك تحلق في السماء وحدك، مونار حيث الخضرة ولكن بتدريج عجيب كأنه سلم للسماء وكأنها لوحة او أمر غير واقعى، مونار حيث ألوان البنفسج والورود الحمراء والروائح الزكية عكس كل ما يقال عن الهند.

ثم تنتقل من كيرلا لتذهب إلى مومباي لتشعر بالنقلة الحضارية والتطور وترى أغلى مبانى الأرض فيها ومنازل نجوم السينما الهندية ومن ترعرعنا على أفلامهم مثل أميتاب باتشان وتراه وهو يخرج ملوحا بيده لجمهوره من نافذته كل يوم أحد وترى جمهوره وهو ملتف حول منزله في انتظار رؤياه او حتى اخد مجرد صورة بجوار منزله.

ثم تنتقل إلى المثلث الذهبى جايبور و أجرا و نيو دلهى، ولنبدأ بجايبور تلك المدينة الزهرية كما يسمونها وفي تلك البقعة تحديدا تشعر بالتراث والأصالة وتتذوق المذاق الهندى الأصيل بقصوره وألوانه وفخامته ومعابده وتدخل حيث العائلة المالكة لراجستان سابقا مازالت تقطن وتشعر بالغرابة إن دخلت هذا المكان الفخم بملابسك الحديثة و”الجينز” وانه يجب ارتداء ما يليق بهذا المكان وتشعر فجأة انك انتقلت بالزمن ولا تريد العودة.

وان أردت حقا الاختلاط بالثقافة الهندية فلتنضم لاحتفالاتهم في العيد المقدس في مارس من كل عام او كما نعرفه ب “مهرجان الألوان” وتلك التجربة كانت من أكثر تجارب سفري متعة على الإطلاق حيث تجد كل الشعب خارجا في الشوارع يرقص على أنغام الموسيقى الهندية الساحرة ويلتفون حول بعضهم ملقين بعض بكل مساحيق الألوان وتسكنك البهجة لأيام عدة بعدها ويظل ذلك الإحتفال في ذاكرتك للأبد.

ثم ثانى مدينة في المثلث الذهبى هى أجرا حيث تاج محل وهو من أهم معالم الهند السياحية او أهمها على الإطلاق، كونى مصرية اعتادت رؤية الأهرامات وأعظم الآثار في العالم يصعب جدا انبهاري بالآثار والتاريخ ولكن ذلك العظيم تاج محل إستطاع أن يبهرنى بسهولة فاصبت بالدهشة بمجرد رؤيته من بعيد جدا ومن قبل حتى دخولى إلى اسواره فإن لم يدهشهك حجمه وشموخه فستدهشك قصة الحب التى وراءه.

ثم تنطلق إلى دلهى اخر مدينة في المثلث حيث زحام العاصمة وتقدمها وفي ذات الوقت أحياءها الشعبية البسيطة.

وأخيرا وليس آخرا منالى تلك الساحرة الشمالية المكسوة بالأبيض  شتاءا وبالاخضر ربيعا وصيفا، تلك المحاطة بأعلى جبال العالم جبال الهيمالايا.

الهند تملك ١٥ لغة رسمية وعدد هائل من اللغات الغير رسمية وعدد لا نهائي من الأديان والطوائف
تقضى بها أيام او أسابيع وتعود وكأنك طفت العالم كله
الهند هى الجميلة القبيحة
الهادئة المزعجة
الحديثة العتيقة
الشابة العجوز
هى كل شئ ونقيضه، هى القادرة على تغييرك للأفضل وجعلك قادر على تقبل الاخر واحترام ثقافته مهما اختلفت، تجعلك ترى العالم من خلالها
الهند هى متعة للمغامرين فقط