بالأدلة.. خبير أثري: مسجد زغلول يفقد أثريته بعد الترميم الأخير (صور)
ثارت ضجة حول مسجد زغلول الأثري في رشيد بعد انتشار صور على السوشيال ميديا توضح أخطاء في ترميم محراب الجامع الأثري، وأكد الدكتور أسامة طلعت رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار أن ما تم نشره من معلومات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية هي صور عارية من الصحة.
وأوضح أن أعمال الترميم المعماري والدقيق التي تمت في القطاع الغربي لمسجد زغلول تمت طبقًا للتوثيق الأثري والهندسي وقت إنشائه والصور الفوتوغرافية التي تم تصويرها للمسجد في ثلاثينيات القرن الماضي والموجودة بملفات المنطقة، وتم توثيق المسجد بالكامل قبل البدء في أعمال الترميم ومراجعة هذا التوثيق من قبل لجنة إشراف أثري وهندسي.
وأكد أن ما تم نشره من صور على مواقع التواصل الاجتماعي هي صورة لمحراب القطاع الشرقي للمسجد وليس الغربي والمتوقف الأعمال به منذ عام 2010، أما المحراب الموجود بالقطاع الغربي الأثري فقد تم ترميمه وفقا للمواصفات الأثرية الأصلية.
وقد تبع ذلك تصريح لمدير ترميم أثار رشيد والبحيرة الذي شرح طبيعة الأعمال التي تمت لمسجد زغلول في رشيد، ردا على نفس ما تم تداوله حول الموضوع، أن أعمال الترميم المعماري والدقيق للمسجد تمت في القطاع الغربي فقط، وذلك طبقا للتوثيق الاثري للمسجد وقت الإنشاء، واستنادا الي الصور القديمة المحفوظة بملفات منطقة أثار رشيد، وتم توثيق المسجد قبل أعمال الفك وإعادة الإنشاء، وتمت مراجعة ذلك التوثيق من قبل جهاز الأشراف الاثري والهندسي والترميم الدقيق، ومطابقته بتوثيق منطقة الاثار والصور القديمة قبل التنفيذ.
رد الدكتور محمود درويش مدير آثار منطقة رشيد سابقًا وأستاذ الآثار بجامعة المنيا حاليًا
ومن ناحيته رد الدكتور محمود درويش بخصوص ترميم مسجد زغلول برشيد قائلًا، إن التقرير تجاهل أنني كنت مديرًا لآثار منطقة رشيد قبل تعييني بجامعة المنيا، وعندما تسلمت العمل برشيد عام 1977 كان المسجد في حالة جيدة ومفتوح للصلاة وقد رأيت المحرابين رأي العين، والصور الفوتوغرافية التي تم تصويرها للمسجد من ثلاثينيات القرن الماضي موجودة بملفات المنطقة، وهذا غير صحيح جملة وتفصيلا إذ أن الصور التي أرفقتها للمحرابين معا ترجع إلى نهاية سبعينات القرن الماضي، وهي التي تحمل الحقيقة لا الكلام المرسل وموضوع الثلاثينات الذي لا فائدة منه.
وتابع، اعتمد الرد على تقرير المنطقة الأثرية والتي تتحمل المسئولية كاملة وقد تجاهلت الحقيقة وكان الأولى أن تقدم الصورة الأصلية للمحراب للمرممين كما هو متبع في قواعد الترميم بشكل عام، وهم في ذلك لا ذنب لهم حيث نفذوا ما قدمته المنطقة.
وقال، الصورة التي سبق لنا نشرها للمحراب الأصلي هي صورة للمحراب الغربي الذي كان يشبه المحراب الشرقي تماما، والصورة تبين بوضوح المواصفات الأثرية لهذا المحراب والذي لم يكن بالطوب المنجور كما ذكر وكما تم تنفيذه مخالفا للأصول الأثرية، وللصور التي خلفتها لجنة حفظ الاثار العربية أو التي قمت بتصويرها عندما كنت مديرا للمنطقة.
وأضاف، فيما يلي صورتان لمحرابي مسجد زغلول والصورتان تكذبان ما سبق أن قدمته المنطقة الأثرية، والذي تم التصريح به من الآثار، حيث أن كلا المحرابين كان مقاما بالطوب المنجور، وتمت تغطية كتلة المحراب بالزخارف الجصية وبطاقية المحراب زخارف خوصات مقرنصة من الجص أيضا.
واستندت الآثار في الترميم على صورة المحراب بعد سقوط الزخارف الجصية التي تظهر بوضوح في الصورة الثانية، ظنا منهم أنه الأصل دون الرجوع إلى الصور الأصلية، وقد أرفقنا الصورة التي تم الاستناد إليها في الترميم وتظهر بقايا الجص على أوجه الطوب بعد أن سقطت الزخارف.
هذه الصور تنفي ما ذكر أن المسجد تم توثيقه قبل أعمال الفك وإعادة الإنشاء، وتمت مراجعة ذلك التوثيق من قبل جهاز الأشراف الاثري والهندسي والترميم الدقيق، ومطابقته بتوثيق منطقة الآثار والصور القديمة قبل التنفيذ. إذ كيف للآثاريين أن يتجاهلوا هاتين الصورتين عند إعداد الدراسة، واللتان تؤكدان أن ما تم بالمحراب قد تم بدون دراسة، وقد قاموا بتنفيذ كحلة على الطوب ظنا منهم أن ذلك هو الأصل وهم لا يعلمون مدى التشابه بين المحرابين من ناحية التفاصيل المعمارية والعناصر الزخرفية، كما أن أسلوب الطوب المنجور لم يكن متبعا في مساجد رشيد وإنما كان للواجهات فقط.
وأشار درويش إلى أن المتبع في التوثيق الأثري هو إجراء الدراسة العلمية لمراحل الأثر وعناصره المعمارية والفنية بالاستناد على جميع الصور القديمة والدراسات السابقة خاصة وأن جميع صور المسجد موجودة لدى المنطقة وبمركز تسجيل الاثار الإسلامية والقبطية، لذلك فقد شاب التوثيق قصور كان من نتائجه تنفيذ المحراب بالطوب المنجور وأغفلوا أنه كان مغطى بالزخارف الجصية حتى وإن سقطت هذه الزخارف، فالصور القديمة تعطي الشكل العام لها، والتي يمكن تنفيذ المحراب متضمنا إياها وليس من المنطقي تجاهل هذه الزخارف التي تظهر في الصور القديمة، كما أغفلوا التفاصيل المعمارية التي تكتنف المحراب والواضحة جيدا في الصورتين، والمعروف في مدارس الترميم أنه لا يمكن الرجوع إلى الدراسات الوصفية الآنية أو تقارير الحالة للسير في إجراءات الترميم، وإنما الرجوع إلى جميع الوثائق والمصادر التي تبين المراحل التي مر بها الأثر، وتظهر ما سقط أو تهدم من عناصر معمارية أو زخرفية، خاصة وان جميع المناهج تتبع أسلوبين لجمع المادة العلمية للأثر قبل ترميمه الأول يتمثل في جمع المادة العلمية من المراجع والوثائق والمصادر والصور القديمة وكتب الرحالة وغيرها، أما الأسلوب الثاني فهو دراسة الحالة لتحديد ما يجب أن يتبع في الترميم.
وقال درويش إن التقرير لم يتطرق إلى المئذنة الأثرية التي تم تغيير معالمها وتشويه عناصرها المعمارية حيث أن المئذنة كانت تتكون من قاعدة مربعة من الحجر يعلوها شطف لتحويل القطاع المربع إلى مثمن ويعلو ذلك الطابق المثمن، كما أن الترميم بهذا الأسلوب يخالف ما انتهجته جميع مدارس الترميم للمباني الأثرية كافة، إذ لا يمكن أن يتضمن الترميم تغيير المواصفات والعناصر الأثرية للأثر، وكان يجب الابقاء على المئذنة دون مساس لتظل رمزا تاريخيا وأثريا لمدينة رشيد، وذلك وراد في جميع مدارس الترميم في العالم، لا أن يتم تغيير معالمها الأثرية مما ينفي صفاتها التاريخية والأثرية.
وتابع، لم يتطرق التقرير إلى الأعمدة الأثرية والتي تم رفعها جميعا بلا استثناء ووضع أعمدة حديثة من نوع الكرارة الإيطالي، ولا علاقة لها بالأعمدة الأثرية وليست من طرزها الفنية، ولا يوجد أي تشابه بينها وبين الأعمدة الأثرية التي كانت من طرز مختلفة.
وختم الدكتور محمود درويش بخصوص ترميم مسجد زغلول برشيد قائلًا، إن ما تم في مسجد زغلول لا يمكن أن نطلق عليه ترميمًا وإنما هو إعادة بناء مسجد تسبب ما تم به في أن يفقد قيمته الأثرية، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع والتي تنفي ما ذكر من توثيق للمسجد بالكامل قبل الترميم، وقد نتج عن هذا الترميم مسجد لا علاقة له بالآثار اللهم إلا دكة المبلغ، مما يضع المسئولية في رقبة الآثاريين الذين كان عليهم الرجوع إلى الصور القديمة للمسجد والمحفوظة بأرشيف المنطقة وأرشيف مركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية.