د. إبراهيم الإسنوي يكتب: الأُخُوَّة أصلٌ واحد في ضوء وثيقة الأخوة الإنسانية

ركن القراء

بوابة الفجر


 د. إبراهيم الإسنوي عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر‏

إن ممَّا لا شكَّ فيه لمُنصف ولا ريب فيه لعاقلٍ أن المؤاخاة بين الإنسانية هي أساس المجتمع الحضاري الآمن، إذ لا تقوم الأخوة الإنسانية بين الناس إلا بتوثيق الروابط في بينهم على التكافل والتعاون والمعاملة بالبر والتقوى؛ لذلك كان من أول ما ألقت عليه الضوء وثيقة الأخوة الإنسانية هو التأكيد على أن الأخوة بين الناس أصل واحد لا يتجزأ، بمقدمتها التي نصّها: (باسمِ الله الَّذي خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلامِ. ..) 


 والأخوة من الإخاء والمؤاخاة التي تعني الترابط والتشارُك والتشابه والتعاون والاقتران وحب الخير للأخ والصاحب والصديق، فلقد جاء في معاجم اللغة أن أصل لفظ الأخوة يعود إلى (أ خ و)، وقيل: (و خ ى) ومادتها: (أخا) و (أَخا) و(آخى).. والْأَخ هو: من جمعك وإياه صلب أَو بطن أَو هما مَعًا، أو من يُشَارك فِي الرضَاعَة، أو الصديق وفي الْمثل: (رُبَّ أَخٍ لَك لم تلده أمك)، وأخو الشَّيْء: صَاحبه وملازمه، يُقَال: هُوَ أَخُو أسفار كَثِيره، والجمع: آخاء وإخوان وإخوة. 
  

ومع تعدد جهات الأخوة بين الناس سواءً كانت من صلبٍ، أو رضاعٍ أو صداقة وزمالة، أو عشيرة وقبيلة، إلخ، فقد اعتنى الدين الإسلامي العظيم بهذه الأخوة الإنسانية وترسيخ مبادئها، فقال الله - تعالى -: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )[الإسراء/70]، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (( كلُّكم لآدم وآدم من تراب )) [مسند أحمد بإسناد صحيح]، فلا فرق بين إنسان وإنسان، مهما تعدَّدت الألسن أو اختلفت الأشكال والألوان، لذلك كان أول ما فعله النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما دخل المدينة المنورة، إبان هجرته المباركة بعد بناء المسجد، هو ترسيخ الأخوة بين أفراد المجتمع الواحد من المهاجرين والأنصار، فجعل لكل أنصاري أخًا من المهاجرين، فكان الأنصاري يذهب بأخيه المهاجري إلى بيته، فيعرض عليه أن يقتسم معه كل شيء في بيته، وأثاثه، وماله، وأرضه، ويؤثره على نفسه، ثم أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأخوة الإنسانية بمفهومها العالمي الشامل بما عقده من كتاب بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم، فكانت (وثيقة المدينة) هي أول وثيقة للأخوة الإنسانية في التاريخ؛ إذ أوضح النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- بهذه المؤاخاة أن الإسلام يؤخى بين الإنسانية جميعًا فلا يؤذي غير المسلمين في المجتمع المسلم، ولا يضطهد عقائدهم، ولا ينتقص من حقوقهم، وأوضح أن شرائع الإسلام المتينة، وأحكامه القويمة كلها عدل ورحمة، وحق وقوة، وإخاء وتكافل اجتماعي شامل، يعتمد على أساس من أصل الأخوة الواحد.

ولا شك أن هذه الأخوة الشاملة يترتّب عليها الكثير من الحقوق والواجبات تجاه الأخوة بعضهم البعض، وذلك كالنّصح والتّناصح والتسامح، والتعاون والمشاركة في كل ما ينفع، وغير ذلك من أمور من شأنها إشاعة الألفة والتّألف والتماسك الاجتماعي بين الأخوة، تحقيقًا لأهداف رسالة الأديان السامية.