عادل حمودة يكتب: صدق أو لا تصدق.. منطقة بنى شنقول التى بنى عليها سد النهضة سودانية!
فرنسا جمدت طائرات رافال وهليوكوبتر وغواصات نووية مرسلة إلى إثيوبيا وأوقفت تصدير 4 توربينات لسد النهضة
مناورات نسور النيل بين مصر والسودان رسالة واضحة إلى أديس أبابا ستؤتى ثمارها قبل يوليو المقبل
يقع سد النهضة على بعد 15 كيلومتراً 9 أميال شرقا من الحدود الإثيوبية السودانية فى منطقة تسمى بنى شنقول.
المفاجأة هنا أن منطقة بنى شنقول منطقة سودانية تحتلها إثيوبيا حسب المذكرة القانونية التى صاغها الدكتور معاذ أحمد تنقو رئيس المفوضية السودانية لترسيم الحدود.
لكن بنى شنقول ليست المنطقة الوحيدة التى تحتلها إثيوبيا.. هناك هضبة البصقة ومدينة المتممة وقرى الحمراء إلى جانب مساحات أخرى تصر إثيوبيا على السيطرة عليها وتتمسك بها وترفض إعادتها بدعوى أن ترسيم الحدود بين البلدين لم ينفذ.
منذ خمسين سنة بدأت مفاوضات ترسيم الحدود ولكن الطبيعة الإثيوبية المشهورة بالمناورة والمراوغة والمماطلة وضعت عراقيل واخترعت حججا واستغلت أحداثا اشترت بها وقتا لفرض سياسة الأمر الواقع كما فعلت فيما بعد فى مباحثات سد النهضة.
ومن جانبه كان السودان حليما حتى نفد ما لديه من مخزون الصبر فقرر العودة إلى أرضه طبقا لمبدأ: من حكم فى ماله ما ظلم.
وفى الوقت نفسه أعلن أنه لا يريد حربا وإنما يريد تحكيما دوليا يقر حقوقه كما حدث من قبل بين ليبيا وتشاد على إقليم أوزو وكما حدث بين مصر وإسرائيل على طابا.
والحقيقة أن مشكلة الحدود بين البلدين ترجع إلى عام 1900 حين هدد إمبراطور الحبشة إثيوبيا فيما بعد منليك الثانى بإقامة سدود على النيل إذا طالبت حكومة السودان بأراضيها التى تضع إثيوبيا يدها عليها تمهيدا لترسيم الحدود بين البلدين.
فى ذلك الوقت كانت بريطانيا تحتل السودان ووجدت أن حجب المياه عن دولة الوسط السودان ودولة المصب مصر مشكلة حياة أو موت يهون فى سبيلها ما طمعت فيه إثيوبيا.
وفى 15 مايو 1902 وقعت بريطانيا وإثيوبيا اتفاقية ثنائية بشهادة إيطاليا تعهد الإمبراطور الشرس فى مادتها الثالثة بأن لا يبنى سدودا أو غيرها من الأعمال على النيل الأزرق أو نهر السوباط أحد روافد النيل الأبيض وينبع من جبال إثيوبيا وبحيرة تانا.
باختصار وضعت الاتفاقية أرضا سودانية مقابل المياه إلى أن تحسم الحدود.
ظلت الاتفاقية سارية طوال أكثر من تسعين سنة حتى اكتسبت ما يعرف فى القانون الدولى بحصانة الأمر الواقع ولكن ما أن قدم المهندس الأمريكى جيمس كليستون تصميم سد النهضة فى خريف 2010 حتى تنصلت إثيوبيا من الاتفاقية.
كانت حجتها الأولى أن الاتفاقية وقعت فى الحقبة الاستعمارية التى كانت فيها بريطانيا تحتل السودان ومصر ولكن تلك الحجة أبطلتها منظمة الوحدة الإفريقية.
فى عام 1963 اجتمع قادة إفريقيا فى القاهرة لوضع ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية وخلال مناقشات استمرت عشر ساعات صدقوا على الاتفاقيات والمعاهدات التى وقعت قبل التحرر واعتبروها أمرا ملزما لا مهرب منه.
هنا ظهرت الحجة الإثيوبية الثانية: إن الاتفاقية لم يصدق عليها البرلمان البريطانى ومجلس العرش الإثيوبى ومن ثم فإنها كأن لم تكن.
وبإنكار الاتفاقية بدأت إثيوبيا فى بناء السد بل جعلت منه قضية قومية عبأت بها الشعب وشجعته على المساهمة فى تمويله بالتبرع الرمزى.
فى تلك الفترة المبكرة من الحديث عن السد سافرت إلى إثيوبيا وقطعت رحلة صعبة جوا وبرا حتى المنابع الأولى للنيل الأزرق فى منطقة تسمى بحر دار ونشرت التفاصيل بالصور فى كتاب: ثرثرة أخرى فوق النيل.
بدا لى واضحا أن الأحزاب المتصارعة تستغل قضية السد فى صراعاتها السياسية وتكرر على سمعى كلمة أمهرية حديشية أو الحشد.
حشدت الصحف للحديث عن العرب «الشماليون» الذين تاجروا فى العبيد وحشدت المؤسسات الحكومية لتبرع الموظفين لتمويل السد الذى رفض البنك الدولى تمويله ووضعت فيه الصين مليارا و900 مليون دولار استثمارا لوضع قدمها فى القرن الإفريقى وحشدت أجهزة الأمن خوفا من التفجيرات التى تقوم بها جبهة تحرير الصومال الغربى وجبهة تحرير تيجرى وحشدت الدبلوماسية للتقرب من إسرائيل لمساعدتها فى خلق الظروف المناسبة لبناء السد.
ولكن الحشد الأهم كان حشد المكاتب القانونية التى أنكرت الاتفاقية وشجعت إثيوبيا على البدء فى بناء السد.
ولكن فات المكاتب القانونية أن التنصل من الاتفاقية له جانب آخر أهم: إعادة الأراضى التى اقتطعت من السودان ووضعت إثيوبيا يدها عليها.
بعبارة أخرى يجب أن تعود الأوضاع الجغرافية إلى ما كانت عليه فى عام 1902.
كانت قطعا من أراضٍ سودانية مقابل عدم بناء سدود إثيوبية ومن ثم فإن وجود سد النهضة يعنى أن إثيوبيا أخلت بالتزاماتها وعليها أن تعيد إلى السودان أراضيه المحتلة ومنها المنطقة المقام عليها سد النهضة.
دون تردد اعتبرت القوات السودانية تواجدها فى أرضها أمرا مشروعا ولو تصورت إثيوبيا أنها أرضها.
وعجزت القوات الإثيوبية عن المواجهة.
إن الجيش الإثيوبى يحتل المرتبة الستين بين جيوش العالم وقواته الجوية معظمها طائرات سوفيتية من سنوات حكم مانجستو هيلا مريام لم تعد تصلح للخدمة.
إن طرز الطائرات الإثيوبية وحالتها الفنية يستحيل عليها الوصول إلى السد العالى كما ادعت صحف إثيوبية فى محاولة لتخويف مصر حتى لا تقترب من سد النهضة.
تمتلك القوات الجوية الإثيوبية 88 طائرة ميج 21 منها 35 طائرة خارج الخدمة و41 طائرة ميج 23 منها 24 طائرة خارج الخدمة.
إن ما فى القواعد العسكرية الإثيوبية من قوات برية وجوية ومنظومات دفاعية لا يقدر على حماية سد النهضة ولا تزيد قدراته على حماية المنشآت العامة.
والمفاجأة الأخيرة هنا: إن فرنسا جمدت صفقة الأسلحة التى طلبتها إثيوبيا ومنها: 12 طائرة رافال متعددة المهام و18 طائرة مروحية هليوكوبتر منها ثمانى طائرات للتجسس إلى جانب غواصات نووية مزودة بصواريخ مضادة للطائرات تحمى السد من البحيرة الصناعية التى تزيد مساحتها على ضعف مساحة بحيرة تانا طول مساحة بحيرة تانا 84 كيلومترا وعرضها 66 كيلومترا وعمقها 15 مترا.
وجمدت فرنسا أيضا إرسال التوربين الثالث والرابع والسادس وقبل الأخير.
وجمدت كذلك تكنولوجيا الكشف عن الهجمات ووضع السد تحت قبة حديدية.
فى الوقت نفسه فشلت إثيوبيا فى الحصول على طائرات إف 16 من الولايات المتحدة بعد أن رفضت التوقيع على اتفاق واشنطن الخاص بسد النهضة فى 29 فبراير الماضى.
ويزداد الموقف العسكرى الإثيوبى ارتباكا بهجمات منظمة تحرير تيجرى.
يقع إقليم تيجرى على مساحة تزيد على 100 ألف كيلومتر مربع يتمدد فوق المرتفعات من وسط إثيوبيا وغربها حتى شمال إريتريا ويسكنه ستة ملايين نسمة من المسيحيين الأرثوذكس وهم مجموعة عرقية ضمن ثمانين مجموعة عرقية تتكون منها إثيوبيا.
بعد عام من انقلاب مانجستو تأسست جبهة تحرير تيجرى فى عام 1975 لمقاومة النظام الشيوعى الذى فرض على إثيوبيا حتى جرى إسقاطه.
ولكن التمييز بين المجموعات العرقية من جانب الفصيل الحاكم فى أديس أبابا جار على التيجريين وضاعف من شعورهم بالاضطهاد فلم يكن أمامهم سوى العودة إلى السلاح وإعلان التمرد على الحكومة المركزية.
وجرت حرب دموية شرسة بين الجانبين انقلب فيها آبى أحمد على مبادئه التى أعلنها فى بداية حكمه وتحدث فيها عن حقوق الإنسان وحل النزاعات العرقية بالتفاهم.
وإلى جانب جثث القتلى من الجانبين التى تكدست فى الشوارع فر 40 ألف إثيوبى إلى السودان وفى الوقت نفسه غيرت الجبهة استراتيجيتها العسكرية من حرب نظامية إلى حرب عصابات لتبدأ مرحلة جديدة من عدم الشعور بالأمان الذى سبق أن عاشته إثيوبيا من قبل.
والسؤال الذى تطرحه الأحداث الساخنة: هل تساعد مصر السودان؟.
والمؤكد أن لا أحد يقدر على تقديم إجابة حاسمة ولكن المؤكد أيضا أن مصلحة السودان هى الوجه الآخر لمصلحة مصر.
إن النيل الذى يأتى من عيون السودانيين يصب فى قلوبنا.
وبين القاهرة والخرطوم اتفاقيات للتعاون العسكرى وفى نوفمبر الماضى جرت بين الجيشين مناورة نسور النيل واحد.
واعتبرت إثيوبيا خطأ المناورة رسالة مبطنة إليها والصح أنها رسالة صريحة إليها.
والمؤكد أنها ستستجيب لتلك الرسالة قبل يوليو القادم منفذة لشروط القاهرة والخرطوم طبقا لمبدأ: من لا يقبل بالخوخ يجبر على شرابه.