تعرف على المصانع والمدارس الحربية في عهد محمد علي
شهدت مصر منذ ما يقارب قرنين من الزمان نهضة كبرى لم يُعرف لها مثيل في تاريخها الحديث والمعاصر، حتى عُرفت تلك الحقبة ﺑمصر الحديثة، وحمل حاكمها في تلك المرحلة محمد علي لقب مؤسس الدولة الحديثة وكان بناء جيش قوي هو المنطلق الذي بدأت منه النهضة فإنشاء مدارس الطب كان نتيجة حاجة الضباط والجنود للعلاج والمستشفيات، كما شيدت مصانع الغزل لتوفير الزي العسكري، وتم بناء مصانع الحديد والذخيرة لتزويد الجيش بالسلاح، حتى الموسيقى ارتبطت بحاجة الجيش للفرق الموسيقية.
فإذا أراد صاحب البلاد أن يكون لها جيش علي النظام الحديث، مؤلف من المشاة والفرسان ورجال المدفعية، فإن هذا الجيش يحتاج إلي مدارس تقوم بمهمة تخريج الضباط اللازمين لمختلف هذه الأسلحة، وإلي مستشفيات تعتني بأفراده إذا مرضوا، ولا بد فضلًا عن ذلك أن تكون له إدارة حربية تشرف علي هذا العمل العظيم، إذ بدونها لا يتأتى وجود جيش منظم، فقد شغف محمد علي بتمدين مصر ولم يهمل شيئًا للوصول إلي هذا الغرض فقد أحضر من مختلف بلاد أوروبية أساتذة وأطباء وصيادلة ومعلمين، وشيد في أماكن اختيرت أحسن اختيار تلك المدارس والمستشفيات وهذا العمل الكبير الذي هو وليد فكرة محمد علي ظهرت نتائجه الباهرة بعدما امتدت يد الإصلاح إلي كل فرع من فروع التعليم وخطت المدارس كافة خطوات واسعة المدي.
مدرسة الطب والمستشفى العسكري والمجلس الصحي
شيدت بين قريتي الخانقاه وأبي زعبيل علي الأوضاع والرسوم التي قام بتخطيطها الدكتور كلوت بك رئيس أطباء الجيش، أما بناء هذا المستشفى الجامع الذي أدي وظيفته الأصلية باستعداد تام من حيث معالجة المرضي وكان فوق ذلك مدرسة طب يتعلم فيه التلاميذ ويطبقون العلم علي العمل ويري الزائر حول هذا المستشفى حقلا جميلًا زرعت فيه العقاقير والنباتات الطبية.
مدرسة المشاة بالخانقاه
أعدت هذه المدرسة علي أحدث نظام ليتعلم فيها أربعمائة شاب مصري قسموا إلي ثلاثة بلوكات والعلوم التي تلقي فيها هي التمرينات والإدارة الحربية واللغات العربية والتركية والفارسية وكان بها ضابط جراح للاعتناء بالجرحى والمرضي وكانت أول ما أنشئت بمدينة دمياط ثم نقلت إلي الخانقاه.
مدرسة الفرسان بالجيزة
وكانت في نفس القصر الذي سكنة المملوك الحربي الشهير مراد بك والذي قضي فيه بونابرت الليلة التالية لمعركة الأهرام وفي هذا القصر يتعلم مائتا جندي حديثوا السن مناورات الفرسان فضلا عن الحركات العسكرية وهم مشاة وكانوا يرتدون ملبسا مشابها تمام المشابهة لملبس الفرسان الفرنسيين فيما عدا القلنسوة ولهم اساتذة يعلمونهم اللغتين التركية والعربية وضباط لقيادتهم ويتعلم فيها التلاميذ استعمال النفير " البوق " وسائر أركانن الموسيقي التي تستخدم في فرق الفرسان وهؤلاء التلاميذ كانوا خليطا من المصريين والأتراك وهم يتخرجون منها ضابطاًُ\ لفرق الفرسان متعلمين ومدربين تدريبًا حسنًا ولهذه المدرسة كبقية المعاهد الاخري ناظر مكلف بالسهر علي حفظ النظام بيم مرؤسية وتوقيع الجزاءات وتوزيع الغذاء والعلف ورئيسه المباشر هو ناظر الحربية.
مدرسة المدفعية بطرا
أسس هذا المعهد الكولونيل الإسباني دون أنطونيو وهو الذي أوحي إلي إبراهيم باشا فكرة وجود مدرسة خاصة بالمدفعية لتخريج ضباط أخصائيين في هذا السلاح إذ فأسست المدرسة وانتدب لها ثلاثمائة طالب من مدرسة قصر العيني الابتدائية يتعلمون فيها مبادئ اللغات الفرنسية والانجليزية والايطالية وكان يعطيعم الكولونيل نفسه دروسا ومعلمين أخرين يعلمونهم ويدربونهم علي كيفية استعمال المدافع فتقدموا تقدما سريعًا في العلوم النظرية والعلمية وأظهر الذين أرسلوا منهم في الجيش المغير علي سورية نشاطًا فائقًا ومهارة عظيمة كما أظهرت المدفعيتان الثقيلة والخفيفة مثل هذا النشاط والمعرفة التامة خصوصًا ضابطهما الذين كانوا ذوي كفاءه ودراية عظيمة بفنهم ويوجد بالقرب من هذه المدرسة أربع وعشرون بطارية من المدافع وفي هذه المدرسة مستشفي خاص يديره أحد الأطباء لأجل معالجة المرضي.
معامل القلعة
كانت تمتد من قصر صلاح الدين القديم إلي باب النكشارية الذي يطل علي ميدان الرميلة وهي تحت إدارة قائد المدفعية أدهم بك ويشتغل فيها تسعمائة صانع في معامل الأسلحة يصنعون في الشهر من ستمائة إلي ستمائة وخمسين بندقية والبندقية الواحدة تتكلف اثني عشر قرشًا ولرؤساء الصناع مرتبات ثابتة وللعمال اليومية وفي مصنع خاص تصنع زناد بنادق المشاة وسيوف الفرسان ورمحاهم وفي معامل أخري تصنع النيازك وحمائل السيوف وكل ما يتعلق معدات المشاة والفرسان وكذلك اللجم والسروج وملحقاتها وصناديق المفرقعات ومواسير البنادق.
أما أهم هذه المعامل قهو معمل صب المدافع الذي يستدعي بذل مجهود كبير وانتباه أكبر ويصنع فيه من ثلاثة إلي أربعة مدافع من عيار أربعة وثمانية أرطال في كل شهر وفي بعض الأحيان يصب فيه مدافع الهاون ذات الثماني بوصات ومدافع من هذا النوع يبلغ قطرها أربعًا وعشرين بوصة وعماله يبلغ عددهم ألف وخمسمائة عامل.
معمل البنادق في الحوض المرصود
تأسس هذا المعمل كان عقب تأسيس معامل القلعة في حاولي أخر سنة 1831 وشُرع في جمع العمال له وأعد للعمل وألقيت عهده النظام فيه علي عاتق مسيو مارنجو والمعروف باسم علي أفندي وبلغت طوائف العمال في هذا المعمل ألفًا ومائتي شخص ما بين عامل ورئيس عامل وصبي وهو يصنعون في الشهر نحو التسعمائة بندقية منها ثلاثمائة أنجليزية دون مواسيرها والبنادق المصنوعة في هذا المعمل لمشاة النظاميين والفرسان ورجال المدفعية علي ومتوسط ما كانت تتكلفه البندقية أربعون قرشًا.
معمل البارود وملح البارود
أقيم هذا المعمل بالمقياس في طرف جزيرة الروضة في مكان فسيح ومناسب لبعده عن جميع المباني الاهله بالسكان ومديره هو مسيو مارتيل الذي كان مستخدما في معمل البارود ويعمل تحت إدارته تسعون عاملا موزعون علي اقسامه الكثيرة ومن بين هؤلاء العمال ثمانية عشر عاملا يخلطون الكبريت والفحم وملح البارود وواحد وعشرون عاملا يقلبون البارود في الطواحين وهي عشر طواحين لكل واحدة منها عشرون مدقة ويصنع المعمل في اليوم الواحد في هذا المعمل خمسة وثلاثون قنطارًا من الرش علي يد أربعين عاملا مكلفين بهذه المهمة وطريقة صنع البارود في مصر هي طريقة التبخير وهي الطريقة الاقتصادية وقد كثر صنع الباردود في مصر بانشاء كثير من المعامل التي تصنع ملح البارود.