عادل حمودة يكتب: عزل ترامب قبل محاكمته
الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية ترفض تنفيذ قراراته
شركات الفيسبوك وتويتر وإنستجرام تجمد حساباته رغم وجود ٨٨ مليون مشترك فيها
مجلس النواب يجهض ضربة نووية أمريكية تنفذها إسرائيل بطائرة بى ٥٢ إتش
موظفو البيت الأبيض أجبروه على الاستقالة إذا لم ينفذ تعليماتهم
لو أدين فى محاكمة اليوم الأخير لرئاسته سيدمر مستقبله السياسى
إدانته ستزيد من الانقسام وتصعّب حكم بايدن
ما أن فضت نانسى بيلوسى 80 عاما الملف المغلق بالشمع الأحمر وقرأت التقرير الذى كان بداخله حتى فزعت وكاد قلبها أن يتوقف ووجدت نفسها تفتح حقيبة يدها وتتناول منها قرصا دوائيا وضعته تحت لسانها.
كان التقرير صادراً من البنتاجون ويحمل رقم 4404 جى بى وعنوان: تقديرات توجيه ضربة نووية لدولة بعيدة حسب طلب الرئيس.
كان ترامب قد طلب من قيادة أركان القوات المسلحة بحث مدى إمكانية نجاح تنفيذ تلك الضربة وما يترتب عليها من آثار تهدد الأمن القومى الأمريكى.
لم يذكر ترامب اسم الدولة التى يريد دكها نوويا ولكن لم يكن من الصعب استنتاج أنه يقصد إيران والدليل على ذلك أحال التنفيذ إلى إسرائيل وأرسل إليها طائرة بى 52 إتش حاملة صواريخ بها رءوس نووية شحنت فى بريطانيا قبل أن تستقر فى قاعدة جوية سرية إسرائيلية.
استدعت بيلوسى لجنة الاستخبارات فى مجلس النواب الذى ترأسه بحضور مدير مخابرات البنتاجون الجنرال روبرت أشلى الموقع على التقرير الذى أفزعها.
انتهت المناقشات التى استغرقت نحو ست ساعات وغير المصرح بنشر تفاصيلها إلى عدة حقائق حاسمة:
إن ترامب له الحق بحكم صلاحياته الرئاسية فيما طلب.
إن الضربة لو نفذت ستمحو ثلث إيران من على الخريطة رغم أنها لن توجه إلا إلى 9 أهداف من ضمن 80 هدفا حددتها إسرائيل و80 هدفا حددها البنتاجون ثم رفعها إلى 95 هدفا فيما بعد.
إن الحكومة البريطانية أبلغت الكونجرس بتحميل رءوس نووية على طائرة بى 52 إتش اتجهت إلى إسرائيل التى شاركت فى وضع خطة الهجوم بعد سبعين ساعة مستمرة من المناقشات بين واشنطن وتل أبيب.
إن إيران لديها أربع فرص هجومية للرد على الضربة النووية فى حالة تلقيها مما سيسبب دمارا فى منطقة الخليج يعقبه فوضى تؤدى إلى حرب مفتوحة فى المنطقة إلى جانب قيام فرق الاستشهاد الإيرانية بتفجيرات ضد المصالح الأمريكية على أرضها أو خارج أرضها.
ومن جانبها سربت إيران فيديو يصور قواعد تحت الأرض بطول سواحلها وضعت فيها ثلاثة طرز من الصواريخ البالستية المتطورة نصر واحد وقاسم سليمانى والقدس يصل مداها إلى نحو ألف كيلومتر ولا تلتقطها الرادارات ولا تفلح معها ضربات بى 52 ويمكنها إصابة أهداف جوية إلى جانب صواريخ متوسطة المدى موجهة إلى الأهداف البحرية.
وتلك القواعد وضعت فيها المفاعلات النووية أيضا.
لم تتردد بيلوسى فى إفساد العملية حماية لبلادها متجاوزة خلافها الحاد بينها وبين ترامب الذى وصل إلى حد تمزيق خطابه من وراء ظهره.
وطالبت بيلوسى مخابرات البنتاجون بفحص ملفات العسكريين اليمينيين المتشددين حتى لا يقوم أحدهم بعمل متهور فى الأيام الأخيرة لترامب قبل تسلم بايدن السلطة فى عشرين يناير خاصة أن امرأة تحمل رتبة مقدم فى الجيش كانت ضمن مقتحمى الكونجرس.
حدث الاقتحام فى وقت كانت جلسة التصديق على رئاسة بادين فى القاعة البيضاوية منعقدة لكن خوف الأعضاء على حياتهم جعلهم يفرون خارج المبنى قبل التصويت.
لم يكن من الصعب تمييز الجماعات المتشددة المنفذة التى حاصرت الكونجرس قبل اقتحامه بملابسها وراياتها وشعاراتها المعادية للديمقراطية بل أكثر من ذلك رفعت صليبا كبيرا لتدلل على ثقافتها المسيحية رغم عدم تدين أغلبها.
كان ترامب قد نجح فى استنفار تلك الجماعات برفضه لغير المسيحيين البيض وتحريضهم ضد الملونين والمسلمين واليهود باعتبارهم لا يستحقون المساواة المدنية ولو حملوا جوازات سفر أمريكية.
رفع ترامب شعار: أمريكا أولا ليعيد مجد أندرو جاكسون الرئيس السابع للولايات المتحدة والمطبوعة صورته على ورقة العشرين دولاراً الورقة المالية الأكثر تداولا فى ظل سيطرة البطاقات الائتمانية على كافة المعاملات.
يضع ترامب صورة جاكسون فوق مكتبه الرئاسى وزار بيته التاريخى وعرف الكثير عنه من ستيف بانون عقله المفكر الذى أوصله إلى البيت الأبيض.
كان جاكسون أول رئيس أمريكى يولد فى عائلة ليست ثرية لم يمتلك ثروة ولم يتح له دخول الجامعة ويفسر ذلك دفاعه عن المواطن العادى وكراهيته للنخبة السياسية والمالية فى واشنطن ورفضه للتحالفات الدولية والأهم تعصبه للمسيحيين البيض ورفضه لحقوق غيرهم إلا لو كانوا عبيدا وكان الأكثر قتلا للهنود الحمر أثناء رحلتهم إلى الغرب وسميت تلك الرحلة طريق الدموع.
فقدت سياسات جاكسون صلاحيتها فيما بعد حين تبنى رؤساء جاءوا بعده استراتيجية الانفتاح على العالم بحثا عن مزيد من المصالح الأمريكية وحمايتها سياسيا وعسكريا إلى جانب نشر ما يسمى بالقيم الأمريكية الحريات وحقوق الإنسان والتحالفات الرأسمالية المشابهة.
وظلت تلك الاستراتيجية قائمة حتى جاء ترامب لينسفها مستعيدا سياسات جاكسون الذى وصفه باراك أوباما بأنه أصل الشرور وحاول جاهدا إلغاء صورته من على ورقة العشرين دولاراً.
والحقيقة أن ترامب نجح فى إحياء سياسات جاكسون بكل ما فيها من عزلة وأنانية وفاشية وأقنع بها نصف أنصار الحزب الجمهورى وقياداته وسهلت قيام عشرات التنظيمات اليمينية المتطرفة والمسلحة التى تراه مخلص أمريكا من كل الشوائب البشرية التى علقت بها.
وكان يكفى أن يخرج ترامب ليعلن أن الانتخابات سرقت منه حتى يحاصر أنصاره الكونجرس ثم يقتحمونه ويجبرون أعضاء المجلسين على الفرار من الرصاصات المتطايرة فى القاعات والطرقات.
لن ينسى التاريخ الأمريكى ذلك اليوم 6 يناير 2021 الذى سيسجل بأوصاف سيئة أبسطها وصف العار فالكونجرس أو الكابيتول بالقطع أهم مؤسسة دستورية فى البلاد وما حدث له لم يكن ليخطر على بال أحد مهما كان تطرفه وتهوره وجنوحه وجنونه.
ورفض ترامب تعزيز شرطة الكونجرس المستقلة بقوات الحرس الوطنى التى تستدعى فى الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والسياسية مثل هجمات سبتمبر رغم أن شرطة نيويورك كشفت عن وجود 11 قنبلة وصناديق من المسدسات فى مسكن على بعد بنايتين من الكونجرس.
ولم يتردد بايدن فى اتهام ترامب علنا بالبلطجة وأكملت بيلوسى عليه مضيفة إنه مختل.
وأمام ضغوط كثير من النواب الجمهوريين وتهديد غالبية موظفى البيت الأبيض بالاستقالة اضطر ترامب للحديث عبر الفيديو مطالبا المقتحمين والمحاصرين بالانصراف بل طالب بمحاسبتهم جنائيا لينطبق عليه المثل العامى: يقتل القتيل ويمشى فى جنازته.
وسجل الفيديو على صفحة ترامب ترفيك وصل إلى مليونى شخص فى أول ساعة على صفحته ولكن شركات السوشيال ميديا فيسبوك وتويتر وإنستجرام حجبت الخدمة عن ترامب رغم وجود 88 مليون مشترك معه على التويتر فى تليفونه المحمول واستعار ترامب تليفون أحد مساعديه ليواصل إرسال تغريداته ولكن الشركة المختصة منعت خدمتها عنه أيضا.
كانت حجة تلك الشركات أن ترامب بما يبعث من رسائل يحض على الكراهية والعنف مما يخالف سياساتها وقيمها.
كانت سابقة أولى من نوعها عزل رئيس أمريكى إلكترونيا ولكن السؤال: لم فعلت الشركات ذلك فى أيام ترامب الأخير؟ لم تأخرت سنوات بعث فيها ترامب برسائل أكثر سوءاً من قبل؟.
لكن عزل ترامب لم يقتصر على حرمانه من شبكات التواصل الاجتماعى وإنما امتد إلى إبعاده عن اتخاذ القرارات الأمنية والعسكرية ونقلها فعليا وليس رسميا إلى نائبه مايك بنس.
كان بنس وزوجته كارين وابنته شارلوت فى قاعة فرز الأصوات عندما وجدوا أنصار ترامب يفتشون عنه وهم يصرخون باسمه مما أثار مخاوفه.
وأغلب الظن أن ذلك المشهد كان القشة التى كسرت ظهر البعير.
رفض بنس تأييد ترامب فى انقلابه على الشرعية الدستورية الذى دبره رئيس موظفى البيت الأبيض مارك ميدوز ولكنه ظل يدافع عنه حتى جرى له ما جرى فى الكابيتول.
انقلب النائب على الرئيس وأزال صورة ترامب من بروفيل تليفونه المحمول ووضع مكانها صورة بادين كما أنه استجاب إلى تكليف مجلس النواب وتولى إصدار القرارات الأمنية والعسكرية لتأمين كافة المبانى الحكومية بطول الولايات وعرضها ومن جانبها استراحت وكالات الاستخبارات الوطنية 17 وكالة متخصصة ومستقلة إلى التعامل معه ليتأكد بدليل آخر أن ترامب قد عزل فعليا لا دستوريا.
وفى الوقت نفسه تقدم النائب من أصول صينية تاجى يو إلى مجلس النواب بمشروع قرار لمحاكمة ترامب ووضعت مسودة المشروع قائمة بالجنايات والجنح التى ارتكبها ترامب ومنها تعريض المؤسسات الدستورية للتخريب وتهديد الأمن القومى الأمريكى والتحريض على العنف ولكن جلسة التصويت على المحاكمة ستنعقد يوم 19 يناير قبل يوم واحد من نهاية ولاية ترامب.
لكن الإدانة ستحرم ترامب من ممارسة حقوقه السياسية وتحرمه من الترشح للرئاسة فى 2024 على أنها فى الوقت نفسه ستزيد من حدة الانقسام فى الولايات المتحدة حيث يؤمن 86 % من أنصار ترامب ويصل عددهم على الأقل إلى 75 مليونا صوتوا له فى الانتخابات مما يصعب المشاكل الهيكلية أمام بادين الذى يوصف فى الميديا المساندة له بأنه: الرئيس القادم من الموت.
لن يختفى تأثير ترامب فى الحياة الأمريكية سريعا حتى لو اختفى هو نفسه فقد أيقظ الديناصورات من مراقدها ولن يكون من السهل قتلها أو إعادتها إلى الكهف لتنام نوما عميقا من جديد.