محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 24.. «العائلة» رصاصة وحيد حامد وإسماعيل عبد الحافظ فى قلب الإرهاب الأسود
نكشف لأول مرة سر مواجهة صفوت الشريف ومحمود مرسى بسبب مشهد
وحيد حامد رشح عاطف الطيب لإخراجه.. والطيب رشح نور الشريف للعب بطولته.. وفيلم سينمائى يمنع المخرج عن تصوير المسلسل
قطاع الإنتاج لجأ إلى المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ فرشح محمود مرسى بالاتفاق مع المؤلف الراحل
مسلسل «العائلة» أطاح بالجزء الخامس من «ليالى الحلمية» بقرار سيادى
وحيد حامد بدأ فى كتابة المسلسل منتصف عام 1988 واستغرقت كتابته 18شهرا.. والتليفزيون يرصد ميزانية مفتوحة لإنتاجه
محسنة توفيق تطلب زيادة مشاهدها قبل 48 ساعة من التصوير والمخرج لم يخبر المؤلف بطلبها ورشح خيرية أحمد فغضب وحيد حامد قبل أن يعتذر لها
المخرج تلقى تهديدا بالقتل إذا أكمل تصوير المسلسل.. وقوة من الشرطة تحيط بجميع مواقع التصوير
سيد حجاب كتب أغنية التتر والمخرج يحذف الكوبليه الأخير وعمار الشريعى يفاجئ الجمهور بأنغام
«العائلة».. لم يكن مجرد مسلسل تليفزيونى، بل كان سيفا على رقاب الخونة والإرهابيين، وجه الكاتب الكبير الراحل وحيد حامد، والمخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، وكل من شارك معهما فى هذه الملحمة الدرامية.. رصاصة فنية نافذة أصابت قلب الجماعات الإرهابية. وقتها، كان الوضع خطيرا، وجنونيا، دولة كاملة تحارب التنظيمات الإرهابية، التى كشرت عن أنيابها بعمليات إجرامية، ضد مصريين وأجانب، كان الناس فى الشوارع يخشون الحديث عنهم، علهم يسمعون ما يقال فى جحورهم، فينتقمون من القائل، أشد الانتقام.
1- المواجهة بالفن والفكر
فى التاسع والعشرين من مارس 1993 تسببت الجماعات الإرهابية فى انفجار بالقرب من هرم خفرع، وقبل مرور ثلاثة أشهر من الحادث، انفجرت قنبلة فى حافلة سياحية بالقرب من هضبة الأهرام بالجيزة، أسفر الانفجار عن مقتل عدد من السياح الأجانب علاوة على المصريين، وقبل نهاية العام نفسه قُتل عدد من السياح الأمريكيين والفرنسيين فى حادث إطلاق رصاص فى فندق سميراميس بالقاهرة.
بعد هذه الحوادث، كان لابد من مواجهة متعددة الأوجه، لا يغيب فيها دور القوة الناعمة التى يمثلها الفن المصرى، وبات صناع القرار موقنون بأنه تجب مواجهتهم بقبضة أمنية من ناحية، وبالفن من ناحية أخرى.. لذا كان لابد من إنتاج عمل فنى يناهض أفكارهم ويهدمها.
وجد المسئولون بالتليفزيون المصرى ضالتهم فى النص الدرامى المحكم الذى كتبه الشجاع الراحل وحيد حامد الذى كان قد قدمه قبل هذه الحوادث بشهور، وبدأ الكاتب الكبير التفكير فى كتابته فى منتصف عام 1988 حسبما قال فى لقاء تليفزيونى بعد عرض المسلسل الذى استغرق زمن كتابته نحو 18 شهرا بالتمام والكمال، لم يفكر وقتها فى تقديمه إلى أى شركة إنتاج من الشركات الخاصة التى تبيع إنتاجها إلى التليفزيونات العربية، لكون القضية مصرية خالصة، والهم مصريا خالصا، فربما لا يميل إليها الأشقاء العرب، ومن هنا قرر تقديمه إلى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى ليتولى إنتاجه.
2- مفاجأة عاطف الطيب
تعاون وحيد حامد مع المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب فى خمسة أفلام (التخشيبة، ملف فى الآداب، البرىء، الدنيا على جناح يمامة، وكشف المستور)، وقبل تصوير الفيلم الأخير، رشح وحيد حامد عاطف الطيب لإخراج مسلسل «العائلة» الأمر الذى نال إعجاب رئيس قطاع الإنتاج ممدوح الليثى الذى تحدث إلى عاطف الطيب بالفعل.
وبما أن عاطف الطيب كان يستعد لإخراج مسلسله الأول، فإنه كان فى حاجة إلى مخرج منفذ تليفزيونى من العيار الثقيل، فقرر المسئولون فى قطاع الإنتاج الاستعانة بالمخرج المنفذ أمل أسعد، وأمل هى شريكة نجاح المخرج العظيم إسماعيل عبدالحافظ، أستاذها والأب الروحى لها، وبعد موافقة عم إسماعيل على الاستغناء عن أمل أسعد للعمل مع عاطف الطيب، رشح المخرج الكبير الراحل الفنان نور الشريف للعب دور البطولة فى المسلسل بشخصية «كامل سويلم»، ووافق نور الشريف بالفعل على بطولة المسلسل.
وقتها كان عاطف الطيب بنى موافقته على تأجيل تصوير فيلم سينمائى كان متعاقدا على إخراجه، وبعد الاتفاق مع قطاع الإنتاج والاستعانة بنور الشريف، طلب منتج الفيلم من عاطف الطيب تحديد موعد لتصويره بشكل عاجل، فاحتراما لتعاقده اعتذر للمسئولين فى قطاع الإنتاج وقرر تصوير فيلم «كشف المستور» بطولة النجمة الكبيرة نبيلة عبيد.
3- تأجيل الحلمية
باعتذار عاطف الطيب عن إخراج المسلسل قرر رئيس قطاع الإنتاج بعد التشاور مع الكاتب الكبير وحيد حامد الاستعانة بالمخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ لإخراج المسلسل، لكن كانت هناك أزمة أخرى وهى أن عم إسماعيل كما كان يطلق عليه، كان يستعد لتصوير الجزء الخامس من مسلسله الرائع «ليالى الحلمية»، وهنا تدخل وزير الإعلام بقرار حاسم مفاده أن يخرج إسماعيل عبدالحافظ مسلسل «العائلة» على أن يتم تأجيل الحليمة إلى العام التالى، وهو ما حدث بالفعل وأثار حفيظة الكاتب الكبير أسامة أنورعكاشة. وبعد الاستقرار على المخرج، قرر عم إسماعيل بالاتفاق مع الكاتب الكبير وحيد حامد على الاستعانة بالفنان الكبير محمود مرسى، واستبعاد الفنان نور الشريف الذى كان قد رشحه المخرج المعتذر عاطف الطيب، وكان الفنان محمود مرسى كعادته لا يقبل أى عمل إلا لو كان مقتنعا به تمام الاقتناع، وربما لثقته فى وحيد حامد بعد مسلسلهما الرائع «سفر الأحلام» وافق على بطولة مسلسل «العائلة» حتى قبل أن يستكمل قراءة بقية الحلقات.
4- بروفات ترابيزة
سألت المخرجة المنفذة للعمل أمل أسعد، عن اختلاف الشخصيات بين المخرج الكبير إسماعيل عبدالحافظ، الطيب الذى كان يوصف بأنه هليهلى، وبين الفنان الكبير الراحل محمود مرسى، فقالت: (فى بداية كل عمل كنا نقوم ببروفات ترابيزة، وفى مسلسل العائلة خصص لنا المسئولون بقطاع الإنتاج قاعة داخل ستوديو 5 لعقد جلسات العمل التى كانت تبدأ يوميا فى تمام الخامسة وحتى العاشرة مساء بحضور جميع الممثلين، علاوة على الأستاذ الراحل وحيد حامد، وفى بروفات الترابيزة أذاب عم إسماعيل رحمة الله عليه الحواجز بين الجميع وفرض شخصيته المحبوبة على العمل، لدرجة أننا فى أوقات التصوير كنا نتخطى حاجز الـ13 ساعة دون أن يمل أو يعترض أحد من الممثلين، وللعلم كنا نأكل جميعا سواء النجوم أو الفنيون معا، ومن نفس الطعام).
5- مأزق قبل التصوير
قال الأستاذ وحيد حامد إن الفنانة القديرة محسنة توفيق كان من المفترض أن تشارك فى بطولة المسلسل بعد ترشيحها لدور «فاطمة»، لكنها اعتذرت قبل التصوير مباشرة لأسباب هو نفسه لا يعلمها، وترتب على ذلك قيام المخرج إسماعيل عبدالحافظ باتخاذ قرار فردى بترشيح الفنانة خيرية أحمد بدلا منها، وهنا غضب وحيد حامد، لأن خيرية تميل إلى التمثيل الكوميدى، وكانت شخصية « فاطمة» كما كتبها وحيد حامد خالية من الكوميديا تماما، لكن المخرج إسماعيل عبدالحافظ، أصر على ترشيحها، وفى إحدى المرات ذهب الكاتب الكبير وحيد حامد للبلاتوه وشاهد خيرية أحمد تؤدى أحد المشاهد فأعجبه أداؤها جدا، لدرجة أنه اعتذر لها أمام الجميع.
الكاتب الكبير الراحل صدق بالفعل فى أنه لم يكن يعلم سبب اعتذار الفنانة الكبيرة محسنة توفيق عن العمل، وهو ما فسرته المخرجة أمل أسعد بأن المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ رفض إخبار وحيد حامد بحقيقة ما حدث، فمحسنة اتصلت بالمخرج وطلبت منه أن يبلغ الكاتب بأنها لن تدخل البلاتوه للتصوير إلا إن أزاد عدد مشاهدها، لكن المخرج رفض الطريقة رغم الصداقة التى تجمعه بها، خاصة أنها كانت تعمل معه فى ليالى الحلمية بداية من الجزء الثانى بعد اعتذار الفنانة الكبيرة فردوس عبدالحميد لخلافها مع الكاتب أسامة أنور عكاشة، وعلى الفور اتصل إسماعيل عبدالحافظ بخيرية أحمد وأرسل لها الحلقات، فقالت إنها تعلم من الصحف أن الدور أسند بالفعل لمحسنة توفيق، فقال لها عم إسماعيل «محسنة اعتذرت».
وربما توفى الأستاذ وحيد حامد وهو لا يعرف هذا الموقف، فأخلاق عم إسماعيل الرفيعة، حالت دون أن يعكر صفوه بطلب محسنة توفيق.
6- تهديد بالقتل
أثناء تصوير المسلسل كان المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ، يقضى معظم اليوم فى تصوير المسلسل، وعند العودة لمنزله ليرتاح عدة ساعات قبل بداية تصوير اليوم التالى، كان يتفقد رسائل المتصلين على جهاز الأنسر ماشين، فوجد عدة رسائل تطالبه بوقف تصوير المسلسل فورا أو الاعتذار عنه وإلا عرض حياته وحياة أسرته للخطر، وهى نفس التهديدات التى تلقاها الكاتب الكبير وحيد حامد، فوفرت له وزارة الداخلية حراسة أمام منزله، وأخرى تصاحبه أينما ذهب.
وصلت أخبار تهديد المؤلف والمخرج إلى الممثلين، لكن وكما قالت لى المخرجة المنفذة للعمل أمل أسعد، لم يفصح أى منهم عن مخاوفه، بينما أبدى الجميع شجاعة، وتعاملوا مع الكارثة المحتملة بنوع من السخرية، خاصة فى ديكور صحراء سقارة الذى تم فيه تصوير مشاهد معقل الجماعة الإرهابية.
لكن أمل قالت لى أيضا، إن المخاوف كانت كبيرة، عندما ذهبت أسرة المسلسل، للتصوير فى مسجد السيدة نفيسة، رضى الله عنها، والمنطقة المحيطة بها، خاصة أن المقابر تحيطها من جميع الجهات، وكان هناك قوة من وزارة الداخلية لحماية أسرة المسلسل، لكن المسئول عن الإنتاج فكر فى مزيد من الحماية، خاصة أنهم قد يكونون مختبئين فى حوش إحدى المقابر ويباغتوننا ويطلقون علينا وابلاً من الرصاص تنفيذا لتهديداتهم، فقرر النزول إلى المنطقة والتعرف بكبيرها، وكان اسمه «أشرف» وطلب منه أن يعمل معنا فى يومى التصوير بالمنطقة، وكان كل دوره ينصب فى التواجد معنا أينما ذهبنا فى المنطقة، واصطحاب ليلى علوى التى كان يتجمهر الناس لمشاهدتها، وبالفعل مرت ساعات التصوير على خير، لكن الجو فى مجمله كان مرعبا.
7- عمارة تريومف
كان مسلسل «العائلة» يعتمد فى أحداثه على تواجد مجموعة من السكان فى عمارة واحدة، وكان لابد من توفير بيت بالكامل ليتم تصوير المشاهد الخارجية أمامه، وبعد المعاينات استقر الرأى على بيت فى منطقة مصر الجديدة بالقرب من ميدان تريومف، لتكون هى العمارة المنشودة، وأمام هذه العمارة تم تصوير ممارسات التعذيب التى كان يقوم بها أفراد الجماعة الإرهابية ضد الأفراد، وهنا قالت أمل أسعد تفاصيل تصوير مصر الجديدة ( تخيل إننا لما عملنا مشاهد التعذيب فى الشارع الناس بكت وظلوا يرددون حسبى الله ونعم الوكيل فيهم الظلمة، وباتوا بعد أن كنا نسبب لهم الضيق والإزعاج من أصدقائنا، ويقفون فى البلكونات ويشاهدون التصوير، وكان أكثر المشاهد التى أبكتهم وحرصوا على مشاهدتها من الشبابيك والبلكونات مشهد قتل طارق لطفى أمام العمارة، والحقيقة كانوا فى غاية الرقى، لم يزعجنا أحدهم، فقد تعرضنا لإزعاج كبير فى التصوير الخارجى، خاصة عندما صورنا فى فندق بشارع عماد الدين، الناس كانوا يتجمهرون ويصفرون لتخرج ليلى علوى من البلكونة، وطلبوا منها النزول لمصافحتها، لكنها طلبت منهم الهدوء حتى انتهاء التصوير، ووعدتهم بالنزول فور أن تنتهى من مشاهدها ).
8- معركة الأزهر الشريف
فى أحد مشاهد الحلقة الثانية والعشرين من المسلسل، كان «كامل» أو محمود مرسى، يحضر درسا دينيا لداعية متطرف، لعب دوره الفنان توفيق عبدالحميد، وكانت الخطبة عن عذاب القبر، وأنكر كامل صحة الحديث الذى استند إليه الداعية المتطرف، وما إن انتهى عرض الحلقة ثار علماء الأزهر الشريف ضد المسلسل، الذى كان من المفترض أن يخوض حربا ضد الإرهاب لا أن يدخل فى معركة مع الأزهر الشريف.
هكذا قال وزير الإعلام حينذاك، وطلب من رئيس قطاع الإنتاج ضرورة عمل مشهد مرض لرجال الأزهر، ونقل الليثى تعليمات وزير الإعلام لمخرج المسلسل والمؤلف، ووافق وحيد حامد على كتابة مشهد يخمد ثورة علماء الأزهر على المسلسل، وكتب المشهد بالفعل، وكانت المفاجأة أن الفنان محمود مرسى رفض تصويره، لكن أمام إلحاح الجميع صوره بالفعل وتم إدراجه بالحلقة الأخيرة بالمسلسل، وهو المشهد الوحيد الذى تم تصويره من خارج السيناريو الأصلى الذى أجازته الرقابة.
9- اختصار التيتر
كتب الشاعر العظيم الراحل سيد حجاب تيتر العمل ببراعة، موجها رسالة واضحة «ونقوم ولا شىء يوقفنا.. لا أبو جهل جهله يحرفنا.. ولا أبو لهب هيخوفنا.. محناش ضعاف قلالات حيلة.. آه يا جميلة»، وأمام قوة الكلام واللحن الذى صاغه الملحن العبقرى الراحل عمار الشريعى، قرر عمار أن يسند مهمة الغناء إلى صوت جديد على ساحة التيترات واختار المطربة الكبيرة أنغام لغنائه.
وبعد تسجيل التيتر وتسليمه إلى المخرج وجد عم إسماعيل أن التيتر طويل جدا، وهنا قرر حذف كوبليه كامل من التيتر لم يظهر للنور حتى الآن، كما أخبرتنى المخرجة أمل أسعد المخرج المنفذ العظيم لهذه الملحمة الدرامية العظيمة.