د. رشا سمير تكتب: عام محو الأمية!

مقالات الرأي




الشخص الأُمى فى المُعجم هو الشخص غير القادر على القراءة والكتابة.. ولكن هل تقتصر الأمية على هذا التعريف فقط أم أن الأمية تطول حواسًا أخرى كثيرة؟!

اليوم هو اليوم الأخير فى عام مختلف بكل المقاييس.. عام بدأ بجائحة الكورونا وها هو ينتهى بها، عام ابتهلنا واحتفلنا فى بدايته داعين الله أن يكون عام فرحة ونجاح.

وجاء العام بخلاف كل توقعاتنا، جائحة مرضية.. وفيات.. انهيار اقتصادى.. واكتئاب عالمى.

واليوم نحن على أعتاب توديع عام 2020 بعد ساعات واستقبال عام آخر بنفس الترقب والأمل، فهل يعود الحُلم؟ فهل تعود الحياة؟

الحقيقة أن عام 2020 كان درسا فى محو الأمية الإنسانية، فقط محو أمية من يحاولون التعلم ومن يمتلكون البصيرة حتى لو كانوا من فاقدى البصر.. فالأمية التى أصبح البشر يعانون منها هى أمية إنسانية.. أمية مشاعر.. وهو ما اكتشفناه من خلال عام بطوله.

اكتشفنا أن أحلامنا كانت تسير فى الاتجاه الخاطئ، وعلاقاتنا بالبشر كانت تحكمها أشياء واهية.. تعودنا أن نُحب ونكره بأهواء ليست فى محلها.. والنتيجة!

النتيجة أن العام الماضى أعطانا دروسا لو لم نستفد منها لبقينا نعانى من الأمية ما تبقى من العُمر.

علمتنا 2020 أننا قد نمتلك المال ولا نجد ما نشتريه به، فتذكرة السفر لم تعد تمنحنا مقعدا على الطائرة، والملابس الجديدة لم تعد جواز سفرنا إلى المحافل الاجتماعية!

علمتنا 2020 أن هناك جملة ربما ترددنا فى قولها أو أرجأناها للغد، وإذا جاء الغد ربما يرحل من كان يجب أن يسمعها، وتبقى الكلمة حبيسة الصدور.. وتظل ذكرى تلك اللحظات التى منعتنا فيها حيرتنا هى لحظات الندم للعمر كله.. فكم سقط من الأحباب والأصدقاء والأهل وهم فى شوق ليسمعون كلمة حُب أو اعتذار أو حتى كلمة تشجيع.

راح زميل كان يجب أن نُشجعه، ورحل صديق تأخرنا فى زيارته، وراحت أم وقلبها غاضب على ابن جاحد أو ابنة أغفلت واجبها، ورحل ابن نسينا أن نُعانقه!

رحل من رحل.. وبقى من بقى.. ولم ينته الدرس بعد.. الدرس لايزال متاحا لكل من يريد أن يمحو أمية مشاعره.. الجائحة عادت وبقوة.. والاختبار لايزال قائما.. فمن سيتعلم الدرس؟!

الحقيقة أيضا أن 2020 على الرغم من أنها قبضت أرواح بنى آدم إلا أنها أعادت الروح المشرق لحياة الكائنات الأخرى.. فنتيجة ملازمة بنى آدم للمنازل نتيجة إيجابية، حيث خرجت الكائنات الأخرى إلى الشوارع، الحيوانات التى كانت حبيسة الأقفاص وجدت أخيرا مساحات خالية لتجوب وترتع، ورأينا تلك الصور الحية للأفيال والبط والأوز وهى تجوب شوارع عواصم الدول، لتحتل مكان أقدام بنى آدم، دون فساد ولا تآمر ولا تكسير ولا هدم.

وحين انطفأت أنوار المصانع والشركات الكُبرى بسبب الكساد الاقتصادى، لم تعد النفايات تُلقى فى البحار والمحيطات، ولم تعد أدخنة المصانع والأبخرة السامة تجوب السماء الواسعة، فاختفى التلوث ورحلت السموم، وراق لون البحار.. اختفى السواد وعادت الزرقة.. غاب التلوث وعاد الصفاء هو عنوان الحياة من جديد..

علمتنا 2020 أن أيدى البشر هى من تسببت فى كل ما تكبدته البشرية من معاناة، من حروب ومن تلوث ومن فساد.. ليتنا تركنا الحيوانات والطيور والزهور والأشجار، تحكم وتعمل وتصنع أوكسجينًا نقيا.

بعد ساعات يرحل العام ويأتى العام الجديد لنكتب فيه ما تعلمناه من صفحات كتاب 2020..

وقبل أن تُطوى الصفحة الأخيرة.. نكتب النصيحة الأخيرة..

إلى كل من عاق أمه أو أبيه.. اجرى الآن وأجلس تحت قدميهما واغتنم الفرصة فلاتزال قلوبهما تنبض بالحياة.

إلى كل من كان دوره فى حياة أبنائه هى أوراق البنكنوت.. افتح ذراعيك واحتضن أبناءك، افتح قلبك واستمع إلى دقات قلوبهم وأحلامهم وشاركهم لحظات السعادة القريبة.

إلى كل من خرج من بيته فى الصباح وعقله مشغول بما كسبه وما جمعه، ضع حقيبة الأوراق جانبا، واستمتع بكل دقيقة فى حياة قد تنتهى الآن أو ربما تنتهى غدا..

استنشق عبير الزهور.. استمع إلى صوت العصافير، اجرى مثل الأطفال خلف أوراق الأشجار المتساقطة فى الخريف واصنع منها عقدا.. تأمل السماء والقمر والنجوم ولا تدع الأبراج الشاهقة تمنعك من رؤية الجمال..

كل عام والإنسانية بخير.. كل عام والبصيرة تسبق البصر.. والعشق هو عنوان القلوب.