بطرس دانيال يكتب: عام جديد.. أمل عظيم
يقول القديس بولس الرسول: «أنسىَ ما هو وراء وأَمتد إلى ما هو قدّام فأَسْعَ إلى الغاية» (فيلبى 13:3). مع مطلع عام 2020 والعالم كلّه يئن ويتمخض من ڤيروس كورونا المستجد، حتى أن غالبية البشر، سئمت هذا العام وترفض أن تتذكره مرّةً أخرى، ولكن يجب علينا أن نتعلّم منه درساً للمستقبل. يُحكى أن أثناء بناء إحدى الكاتدرائيات الشاهقة، قام أحد الحكماء بتوجيه سؤال لثلاثة أشخاص من قاطعى الحجارة: «يا سيد، ماذا تفعل الآن؟» أجاب الأول بمرارةٍ: «كما ترانى، أقوم بقطع الحجارة»؛ ثم أجاب الثاني: «أكسب قوت يومى من أجل معيشة وستر أسرتى»؛ لكن الثالث أجاب والابتسامة تعلو وجهه: «أشارك فى بناء صَرحٍ عظيم». نتعلم من هذا الموقف درساً واضحاً، وهو نظرة كل شخصٍ منّا تجاه الحياة التى يحياها، نجد هنا ثلاثة عمّال يقومون بنفس العمل، ولكن الأمر يختلف من واحدٍ لآخر، ويعود السبب فى أن كل شخصٍ يحمل بصمة خاصة ووجهة نظر مميزة حسب تفكيره وطبيعته البشرية. لذا نجد العامل الأول يتغلّب عليه الواقع المرير الذى يعيشه كل يوم نتيجة المجهود المضنى والشاق الذى يبذله، كما أنه يشعر بالنقص فى المجتمع لأن دوره فى الحياة ووجوده هو العمل فقط. أما الثانى فينظر للناحية المادية والربح اليومى الذى يعود عليه نتيجة الكدّ والتعب، وبالنسبة له لا يوجد مخرج آخر لهذه الحياة، لكن الثالث هو إنسانٌ مُبدع يذهب إلى أبعد من ذلك وله نظرة إيجابية للعمل الذى يقوم به، مكتشفاً المعنى الحقيقى والأخير. فهو يعلم جيداً بأنه بدون دوره المتواضع فى المجتمع لن يتم بناء الكاتدرائية، كما أنه يشعر بأهمية تعاونه ومشاركته فى عملٍ عظيم يتقاسمه مع بعض الأشخاص. هذا هو المعنى الحقيقى للحياة التى نعيشها كل يوم. كل فردٍ منّا له رسالة مهمة وهادفة يجب القيام بها. إذاً يجب علينا أن ننظر إلى الأمام، إلى المستقبل ونستثمر كل يومٍ منحنا إياه الله.. والإنسان الحكيم يعتبر كل يوم فى العام الجديد يحمل معه رجاءً وأملاً من الله ومن الأشخاص الذين يتقابل معهم. فالله يرسل لنا مع صباح كل يومٍ جديد علامةً مضيئة. وهذا يدل على أن الله ينتظر منّا عملاً مميزاً وفعلاً حسناً وقولاً هادفاً، فهو ينتظر منّا أشياء أفضل من الماضى. كما يجب علينا أن نضع فى الاعتبار أن هذا الأمل ينتظره كل واحدٍ نتقابل معه فى حياتنا اليومية، لأن دعوة الإنسان على هذه الأرض ليست عملاً فردياً أنانياً؛ ولكن من أجل خير البشرية، فلذلك جميع من نتقابل معهم ينتظرون منّا كل ما هو صالح للبنيان. إذاً يجب أن نحسن استعمال واستثمار العام الجديد مهما كانت الظروف، بحيث يعود علينا وعلى الجميع بالثمار والمنفعة. ولا يوجد مبرر للكسل مادام الله منحنا الصحة والعافية، كما أن الله يعتنى بطيور السماء حتى أنه يهب لها رزقها وقوتها اليومى، لكنه لا يُلقى لها الرزق فى العش دون أن تبحث عنه، فنجد الطيور تفتش عن طعامها فى كل مكانٍ دون كلل أو ملل، لذلك يجب علينا نحن الذين نتحلّى بالعقل والإرادة أن نسعى ونكدّ للحصول على ما نحتاج إليه، وكل هذا لا يمنعنا أن نفكر فى دُنيانا دون أن ننسى آخرتنا. إذاً يجب علينا أن نستثمر كل لحظة منحنا إياها الله، حتى لا نندم على الوقت الضائع الذى بددناه دون أن نفعل شيئاً من أجل الآخرين. فبالرغم من أن الإنسان استطاع أن يغزو الفضاء ويسيطر عليه لأنه هبة من الله له، إلا أنه لم ولن يستطيع أن يسيطر على الزمن والوقت إطلاقاً. ومهما ابتكر أحدث الأجهزة والتكنولوجيا، لن يستطيع أن يخترع آلةً تُعيد الزمن الذى فُقد أو مضى، أو أن يسترد يوماً انقضى. فالوقت خارج استطاعة الإنسان، لذلك يجب أن نعى جيداً بأن كل لحظة فى حياتنا هى هبة من الله، وإذا ذهبت، لن نستطيع الإمساك بها، وإذا حاولنا إيقاف الزمن، سيفلت من بين أيدينا. كل هذا يجعلنا نقدّر قيمة الوقت الذى يُعتبر ميلادً جديداً لعزيمتنا، ومغامرة فريدة تمنحنا خبرة جديدة وفرصة نادرة لنُضجنا. إذاً يجب علينا فى العام الجديد أن نشعر بقيمة الزمن، ونحاول تعويض ما فقدناه فى الأعوام الماضية. ونختم بالقول المأثور: «يجب علينا أن نحافظ على اليوم الذى بين أيدينا، لأن الأمس ما هو إلا ذكرى والغد حُلم فقط».