عادل حمودة يكتب: فيروس كورونا يختار شخصيات العام الراحل والعام القادم

مقالات الرأي



أمريكا: أسقط ترامب واختار بايدن

بريطانيا: الزوجان الألمانيان اللذان توصلا للقاح بيوتنك يستحقان اللقب

النمسا: شاب من أصل صعيدى يحصل على اللقب

مصر: نرشح الدكتور أحمد اللواح أول شهداء الأطباء شخصية العام


لم يكتف فيروس «كورونا» بتهديد الدنيا بحرابه المدببة وشراسته الشرهة وشهوته القاتلة وإنما فرض نفسه على اختيار شخصيات العام أيضا.

لم يكتف بأن يكون ــ بلا منازع ــ حادث السنة الذى أسقط حكومات ودمر اقتصاديات وأفسد علاقات وإنما فرض نفسه على صعود وهبوط الشخصيات التى أثرت فى العالم أيضا.

فى ديسمبر 1927 بدأت مجلة تايم استفتاءات اختيار شخصية العام بعد أربع سنوات من تأسيسها فى مارس 1923.

الاختيار يقع على من يمتلك الأثر الأكبر فى أحداث العام سواء كان حسنا مثل المهاتما غاندى أو محمد نجيب أو أنورالسادات أوسيئا مثل أودلف هتلر وجوزيف ستالين أو بنيتو موسولينى.

وأحيانا يرمز الاختيار إلى مجموعة غيرت مجريات الدنيا مثل المقاتل المصرى فى حرب أكتوبر أو مثل الأطقم الطبية التى تواجه كورونا.

وتمنح صورة الشخصية الفائزة باللقب المنشورة على غلاف تايم شهرة دولية هائلة تبرز فى سجل سيرتها الذاتية وغالبا ما تحرض شخصيات أخرى غيرها على السير فى نفس الطريق.

مثلا: لم تختلف صورة ياسر عرفات وإسحق رابين وهما يوقعان على اتفاقية أوسلو فى عام 1993 عن صورة السادات وبيجن وهما يوقعان اتفاقية كامب ديفيد فى عام 1978 وإن كان الفارق الزمنى بينهما 15 سنة.

كان متوقعا أن ينال اللقب هذا العام دونالد ترامب إذا ما فاز بفترة رئاسية ثانية وهو أمر بات محسوما بعد نجاحه فى القضاء على البطالة وتخفيض الضرائب وتجنب الحروب الخارجية ولكن استهتاره بالكورونا والسخرية من خطورتها جعلت بلاده تسجل رقما قياسيا فى الإصابة وصل إلى 8.5 مليون شخص كان ترامب نفسه وزوجته منهم وزاد عدد الوفيات عن 140 ألفا.

ولم يصمد العجل الذهبى الذى صنعه ترامب من إنجازاته الاقتصادية أمام الجائحة طويلا وسقط ميتا بإصابة مباشرة من الفيروس فى منتصف مارس الماضى عندما سجلت طلبات إعانة البطالة رقما غير مسبوق وصل إلى 6 ملايين و876 ألفا.

والحقيقة أن ترامب أشبه بممثل مختلف الأداء رفض النص المكتوب فى السيناريو وبدأ يخترع كلاما من عنده وتخانق مع كل ما حوله متصورا أنه يمكن أن ينفرد بتأسيس مدرسة سياسية جديدة يكتب عليها اسمه ولكنه وجد نفسه فى الشارع مطرودا.

فى تلك اللحظات المؤلمة فقد توازنه.. وراح يتصرف مثل ثور فى محل زجاج.. دخل فى معركة سياسية مع الصين.. كثرت استقالات كبار مساعديه.. حرق ما تبقى من جسوره مع الميديا الأمريكية.. فجرت عنصريته المعلنة التظاهرات المليونية ضده.. وانتهى أمره فى الانتخابات الرئاسية.

جاء جو بايدن من منطقة معتمة ضعيفة لم تمنحه خبرة كافية لرئاسة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة ولكنه كان البديل الديمقراطى الوحيد المتاح ضد ترامب ونجح فى إسقاطه.

لم يفز بايدن بالرئاسة الأمريكية فقط وإنما فاز أيضا ــ هو ونائبته كاميلا هاريس ــ بلقب شخصية العام فى استفتاء تايم الذى شارك فيه أكثر من ثمانية ملايين شخص اختاروه من بين ثمانين مرشحا للفوز باللقب.

وجاء فى حيثيات فوزهما: إنهما شىء تاريخى متميز غيرا قصة أمريكا وبينا أن قيمة التعاطف أقوى من قوة التقسيم ونشرا فضيلة المساواة فى عالم جريح.

ولكن اختيار بايدن وهاريس لم ينل إعجاب أحد من المعلقين السياسيين بمن فيهم أنصار الحزب الديمقراطى ذاته وأجمعوا على أن فوزهما باللقب لم يكن حبا فيهما بقدر ما كان كرها فى ترامب ولم يكن إعجابا بهما بقدر ما كان رفضا لترامب.

وكان البديل المتوقع أنتونى فاوتشى مدير المعهد الوطنى للحساسية وعضو فريق عمل البيت الأبيض لفيروس كورونا الذى نبه ترامب إلى خطورة الجائحة مبكرا وظل يعارض سياساته وتصريحاته المتفائلة بشأنها وكاد أن يدفع حياته ثمنا لمواقفه.

تلقى تهديدات بالقتل هو وعائلته وتعرضت بناته إلى مضايقات من التنظيمات اليمينية المتطرفة المساندة لترامب لدرجة أنه استعان بفرق خاصة لحراسته.

وتعجب فاوتشى مما يعانى قائلا: لم أكن أتخيل فى أقسى أحلامى معارضة أشخاص لمبادئ صحية عامة بهذه الشدة.

وفى كتاب بوب وود ورد الأخير: غضب حدد فاوتشى درجة انتباه ترامب إلى ما تحت الصفر حتى أنه لم يستوعب ما سمع عن كورونا قبل إصابة أول أمريكى بها.

ورشح فاوتشى للقب باعتباره المسئول الوحيد الذى اعترض على قرارات ترامب الصحية ولكنه فى الحقيقة لم يرشح بمفرده وإنما رشح هو والأطقم الطبية الشجاعة التى واجهت الجائحة.

وعلى ما يبدو كان اختيار الأطقم الطبية شخصية العام سيرضى الناس ليس فى الولايات المتحدة وحدها وإنما فى العالم كله.

فى السويد أيدت منظمة الحق الدولية اختيار الأطقم الطبية شخصية العام وساندتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

وانضمت إليهما الناشطة السويدية الشابة جريتا توننبرج 17 سنة التى اختارتها تايم شخصية العام الماضى لقدرتها على إلهام المجتمعات بأهمية وخطورة قضية المناخ رغم صعوبة إصابتها بمتلازمة أسبرجر يعانى المصاب بها بأنماط سلوك غير عادية ويوصف بأنه نشيط لكنه غريب أو لطيف لكنه انطوائى أو دقيق الملاحظة لكنه مهووس.

كتبت جريتا على صفحتها: إن الجائحة تمثل حادثاً غير مسبوق فى خطورته ولا نملك منح من يعرضون حياتهم للموت وهم يتصدون إليه سوى الاحترام والتقدير إنهم بالقطع نجوم العام.

وفى فيينا منحت جريدة دى بريسه النمساوية لقب شخصية العام لشاب من أصول مصرية تمتد جذورها إلى جهينة محافظة سوهاج اسمه ميسرة محمود مقلد لا يزيد عمره عن 15 سنة لدوره فى مساعدة كبار السن أثناء انتشار وباء كورونا.

تواصل ميسرة مع كبار السن عبر مجموعة على الإنستجرام عرف من خلالها احتياجاتهم من البنوك والصيدليات والمتاجر العامة وحصل عليها نيابة عنهم ووصلت إليهم حتى بيوتهم حتى يبقوا فيها حماية لهم من الإصابة بالفيروس.

استقبله المستشار النمساوى سباستيان كورتس وسلمه الجائزة بنفسه قائلا: أنتظرك لتعمل معى.

وبسبب الكورونا أيضا اختارت صحيفة فايننشال تايمز الزوجين الألمانيين أوجور شاهين وأوزلام توراجى مؤسسا شركة بيوتنك التى توصلت إلى لقاح فيروس كورونا شخصية العام.

جربت الشركة اللقاح على 22 ألف شخص فى 6 دول ونجحت ــ بمساعدة شركة فايزر الأمريكية ــ فى توصيل فاعليته إلى ما يزيد على 95 فى المائة.

وما دامت كورنا تفرض إرادتها على شخصيات العام فإن أفضل من يحصل على اللقب فى مصر هو الدكتور أحمد اللواح أول شهيد يسقط فى معركة الأطقم الصحية ضد الفيروس اللعين.

كان عمره 50 سنة يوم توفى.. آخر منصب وصل إليه أستاذ التحاليل الطبية فى جامعة الأزهر.. تلقى العدوى من عامل هندى يعمل فى مصنع جنوبى بورسعيد.. أجرى تحليلا للعامل.. تأكد من إصابته.. عزل نفسه ذاتيا حتى ظهرت عليه الأعراض.. نقل إلى مستشفى العزل فى الإسماعيلية.. فقدت رئتيه قدرتهما على التنفس.. لم يصمد طويلا.. توفى سريعا.. تلقت أسرته مجموعة هدايا من الرئيس.. اعتبرتها وساما.

لا يحتاج الأمر أكثر من شهادة من وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد أو من مستشار الرئيس لشئون الصحة والوقاية الدكتور عوض تاج الدين أو من اللجنة العليا للكورونا لتكريم الأطباء الذين يواجهون الجائحة فى شخص الدكتور اللواح.

لن يكلفنا الأمر شيئا لكنه سيكون لفتة راقية تواسى عائلات الأطباء العشرة الذين توفوا بالفيروس وترفع من مناعة الأطباء الذين أصيبوا به 178 طبيبا وتزيد من شعور أطباء العزل فى كل مستشفياتنا بالامتنان ورد الجميل وهو شعور ينتظره كل من يقوم بالخدمة العامة الخطرة.

ولو كانت كورونا اختارت شخصيات هذا العام فإنها على ما يبدو ستختار أيضا شخصيات العام القادم فلم تزل تناور مع اللقاحات وتحاول جاهدة أن تتجنب تأثيرها.

ولكن نأمل أن تموت بالسكتة الفاكسينية قبل أن تختار لنا شخصيات العام للسنة الثالثة.