محمد مسعود يكتب: أساطير الدراما 23.. «حلم الجنوبى» فى مقابر «الأمل» وتوابيت «الحضارة»
محمد صفاء عامر كتب المسلسل باسم «حلم الصعيدى» وبعد اعتراض الرقابة أصبح «حلم الجنوبى»
المخرج جمال عبد الحميد اختصر عدد حلقات العمل من 46 حلقة إلى 29 حلقة فقط بموافقة المؤلف
قرار من صفوت الشريف يوصى بمنع المسلسل من العرض على القنوات الأرضية فى رمضان وإدراج «لن أعيش فى جلباب أبى» بدلا منه فى اللحظات الأخيرة
صلاح السعدنى تحمس للمسلسل بعد «أرابيسك» والمخرج يعتبره من أهم أعماله
جمال عبدالحميد قرر تصوير المعابد الفرعونية والآثار المصرية لإظهار الحضارة المصرية لإنعاش السياحة
قصة صلح معالى زايد ومخرج المسلسل فى «حلم الجنوبى» بعد منعها من «أرابيسك»
أسامة أنور عكاشة شاهد الحلقات كاملة وقال عنه «عمل جميل»
راهن أسامة أنور عكاشة على جمال عبدالحميد، بعد أن أثبت جدارته كمخرج، فى سهرة درامية كتبها أسامة بعنوان «تحت الملاحظة» ولعبت بطولتها الفنانة هالة صدقى، بعد اعتذار الفنانة الكبيرة الراحلة معالى زايد عن بطولتها، وبعد نجاح السهرة، والنجاح الطاغى الذى حققه أرابيسك سنة 1994، بات جمال عبدالحميد مخرجا مهما فى صناعة الدراما المصرية.
1- تأكيد النجاح
فى ذلك الوقت كان الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة قد بدأ فى كتابة الجزء الأول من أعز وأهم مسلسلاته فى وجهة نظره «زيزينيا.. الولى والخواجة»، وطلب من جمال عبدالحميد إخراجه، وافق جمال بشرط أن يقوم أولا بإخراج أعمال لمؤلفين آخرين قبل إخراجه، وبالفعل.. وأثناء أحد اللقاءات التى جمعت المخرج الكبير، بالسيناريست والكاتب الكبير الراحل محمد صفاء عامر، تحدثا فى موضوع يهم غالبية المصريين فى ذلك العصر، وهو سرقة الآثار المصرية وتهريبها إلى الخارج.
فاجأ الكاتب صديقه المخرج، بأنه انتهى من كتابة مسلسل بالفعل عن هذه القضية المهمة، بعنوان «حلم الصعيدى»، وبدأ يحكى عن تفاصله ليجد المخرج نفسه وقد عاش العمل بكل حواسه، طالبا أن يقرأ الحلقات التى كتبها المؤلف بواقع 46 حلقة كاملة (كنت متلهفا لقراءة العمل الذى روى لى المرحوم محمد صفاء عامر أحداثه، وحصلت على الحلقات وبدأت فى قراءتها بمنتهى الجدية، ووجدت أن المسلسل يتطرق لخطوط كثيرة خارج موضوع سرقة الآثار، فقررت اختصار جميع الخطوط الزائدة عن الموضوع الأصلى بالاتفاق مع المؤلف، وبعد أن انتهيت من الاختصار أصبح العمل فى شكله الأخير عبارة عن 29 حلقة فقط، أى تم اختصار نحو 17 حلقة كاملة، وطلب منى صفاء عامر أن نجعل المسلسل 30 حلقة، لكننى وجدت أن التكثيف وعرض القضية فقط دون غيرها أفضل، فالقضية كانت مهمة للغاية، وكنت أتمنى أن أروج للسياحة المصرية من خلال التصوير فى المناطق الأثرية والمعابد الفرعونية، ومن فرط اهتمامى كنت أصور المشاهد بالكاميرا بنفسى، فعرض الآثار المصرية فى عمل درامى كان مهما للغاية بالنسبة لى، ولو لاحظتم فإن تيتر البداية بالكامل عبارة عن لقطات من داخل المعابد، وللآثار الفرعونية، وكان اهتمامى زائدا لأننا كنا نوزع أعمالنا الدرامية لجميع الدول العربية، وشمال إفريقيا تونس والمغرب والجزائر، علاوة على بعض الدول فى جنوب إفريقيا، ولعل بعض الدول استغلت تصوير معالمها فى الدراما التليفزيونية للترويج للسياحة ونجحت بالفعل فى ذلك).
2- لا بديل له
عندما أخرج جمال عبدالحميد مسلسله الأول «أرابيسك» بطولة صلاح السعدنى، كان العمدة هو خامس المرشحين بعد عادل إمام، محمود عبدالعزيز، نور الشريف، ويحيى الفخرانى على الترتيب، لكن فى مسلسل «حلم الجنوبى» كان صلاح السعدنى مرشحا لا بديل له للقيام بدور «نصر وهدان القط»، هكذا قال لى المخرج الكبير جمال عبد الحميد، فكان لابد أن أسأله عن السبب (بصراحة مش عارف، معرفتش أفكر فى حد غيره، ومشوفتش نجما غيره يستطيع أن يقدم هذا الدور، وصلاح أمده الله بالصحة والعافية، كان معنا فى المشروع من البداية، بمعنى إننى فى سهراتى معه حدثته عن العمل بالفعل، وقتها كان يقيم بشقة فى شارع أحمد عرابى، بينما كان مكتبى بجاردن سيتى، كنت أحدثه ليلا وأمر عليه لنسهر سويا، وحدثته عن العمل فوجدته متحمسا للقضية بشكل لم يدهشنى، وبات يقرأ ويسأل ويستفسر عن العمل فى جميع الجلسات والمكالمات التليفونية ).
3- الرقابة ترفض الاسم
بعد اختصار الحلقات، وظهور السيناريو فى شكله الأخير، حصل المخرج الكبير جمال عبد الحميد على نسخة وأدخلها إلى ممدوح الليثى رئيس قطاع الإنتاج، باتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، بعدها بفترة اتصل الليثى بجمال عبدالحميد، طالبا منه قراءة نص آخر لمؤلف آخر، لكن جمال رفض، فسأله الليثى ( يعنى أنت عاجبك اللى كاتبه صفاء عامر)، فرد جمال عبد الحميد: (عاجبنى جدا)، ومرت الأمور بصورة طبيعية لحين صدور تقرير الرقابة.
بعد أيام خرج تقرير الرقابة إلى النور يشيد بالحلقات التى كتبها محمد صفاء عامر، ويصف السيناريو بـ«شديد الثراء»، لكن ثمة طلبا أصرت الرقابة عليه، ولم تتنازل عنه، وهو حذف كلمة «الصعيدي» من اسم المسلسل، وقتها وافق المخرج والمؤلف، ولم يجدا أى صعوبة فى استبدال كلمة «الصعيدى» بكلمة «الجنوبى» حتى يدخل العمل إلى مرحلة الإنتاج، فالمسلسل كما قال لى المخرج جمال عبدالحميد إنه من أهم أعماله (أنا عملت المسلسل ده بمزاج، لأننى أحب الصعيد جدا، وسافرت قبل أن أبدأ التصوير، للبلد التى صورنا بها لألتقط الألفاظ والجمل واللهجة، وذهبت إلى المحال التجارية، ومحلات بيع الأقمشة لأتحدث مع أهلها وأكتب التفاصيل، خاصة أن صفاء لم يكتب العمل باللهجة الصعيدى، وكانت أحداثه تقع بين الصعيد والإسكندرية، وهو ما تطلب جهدا كثيرا للإلمام بجميع التفاصيل، وعمل شبكة العلاقات بين المجتمعين فى الحلقات الأولى).
4- فريق العمل
فى الغالبية العظمى من المسلسلات، يتم ترشيح بعض النجوم، لكن نجموما آخرين يحصلون على الدور، أو البطولة، إما لرفض الممثل، أو لاختلافه مع المؤلف، أو المخرج، لكن فى مسلسل «حلم الجنوبى»، كان الأمر مختلفا، فلم يكن هناك ترشيح ثانيا للأدوار، لأن جميع من رشحوا وافقوا على العمل، على رأسهم بالطبع صلاح السعدنى، ومحمود الجندى الذى قدم للمرة الأولى فى حياته دور شر، وحسن حسنى، وشوقى شامخ، وعبدالله فرغلى، والنجمة الكبيرة الراحلة معالى زايد، التى شهدت كواليس هذا المسلسل تصالحها مع المخرج الكبير جمال عبدالحميد.
جمال عبد الحميد عندما أخرج سهرته الدرامية الأولى «تحت الملاحظة» ذهب إلى معالى زايد، وكانا أصدقاء مقربين، وطلب منها أن تلعب بطولة السهرة الدرامية، لكن معالى رفضت رغم إلحاح جمال، وقالت «أنا معملش دور مرات بواب»، فاستعان بصديقة مقربة أخرى هى الفنانة هالة صدقى، وبعد نجاح السهرة وإسناد مهمة إخراج مسلسل «أرابيسك» لجمال عبدالحميد، حاولت معالى الصلح مع المخرج، وتدخل الفنان فاروق الفيشاوى وشوقى شامخ للصلح.. لكن المخرج رفض إسناد دور «توحيدة» لها، رغم أنه كان مناسبا لها.
وعندما سألت المخرج الكبير عن حقيقة ما حدث قال لى (معالى الله يرحمها كانت صديقتى جدا، لكن أنا زعلت منها وصدمت برفضها المشاركة فى سهرتى الأولى، كنت غاضبا منها بشدة، وعندما جاءت هالة صدقى لبطولتها ونجاحها بهالة بالفعل، كان من الطبيعى أن تكون هالة معى فى مسلسل أرابيسك، حتى رغم اعتراض الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة، كونها ستقلب الدور ناحية الكوميديا، لكننى قلت له إننى المسئول عن خروج دورها بالشكل اللائق، وبالفعل كانت هالة موفقة جدا فى دور توحيدة.. وبعد نجاح أرابيسك، كنت ألتقى معالى كثيرا، لم تكن بيننا قطيعة، وقررت أن أسند لها دور نوسة عنبر، وقتها كنا جالسين متجاورين فى إحدى السهرات، قلت لها: بقولك إيه يا معالى، فى دور مهم جدا فى رواية حلوة قوى، هتعمليه؟.. فردت قائلة بُص يا جمال.. أنا معاك فى أى حاجة، لقد كانت صداقتنا كبيرة ولطالما سهرنا معا ومعنا شوقى شامخ رحمه الله، لدرجة أننى أنا وشوقى كنا نبحث لها عن عريس !).
وشاركت النجمة سيمون أيضا فى بطولة المسلسل بدور «رقية»، وأكد المخرج أنه استعان بها فى الدور لأنه كان يتطلب بعض الأغانى، وكشف عن سعادة الموسيقار الكبير الراحل عمار الشريعى بوجود سيمون التى غنت بعض الرباعيات داخل العمل، مثلما غنى الفنان الكبير الراحل محمود الجندى.
5- فكرة عمار الشريعى
لم يكن المخرج الكبير جمال عبدالحميد، والكاتب الكبير الراحل محمد صفاء عامر، قد اتفقا على أن تتخلل أحداث المسلسل وجود بعض الرباعيات لغنائها لتعبر عن أحداث درامية مناسبة للأحداث، لكن المخرج جمال عبدالحميد قال لى ( عمار الشريعى كان مبسوطًا جدا بالجو الصعيدى فى المسلسل، فقال لى هذا العمل لابد وأن يأخذ صبغة الأعمال الملحمية، بإضافة رباعيات وأغانى للأحداث، كانت فكرة مناسبة تماما، وأسندنا مهمة الكتابة للصديق العزيز الراحل الشاعر الكبير سيد حجاب، وغنت الرباعيات سيمون ومحمود الجندى، وقام بغناء التيترات المطرب محمد الحلو).
6- طعنة فى قلب العمل
كان من المفترض أن يعرض مسلسل » حلم الجنوبى» على شاشة القناة الأولى، فى رمضان 1997، وبالفعل عرضت القناة برومو للمسلسل، لكن قبل رمضان بأيام تلقى المخرج جمال عبدالحميد النبأ الصادم من ممدوح الليثى رئيس قطاع الإنتاج الذى أخبره أن المسلسل لن يعرض على القناة الأولى، أو حتى القناة الثانية، بقرار من وزير الإعلام صفوت الشريف، وإدراج عرضه على القناة الفضائية المصرية فقط.
كان الطبيعى وقتها أن تعرض الأعمال على القناتين الأولى والثانية، وأن تحصل الفضائية على أحد المسلسلات من القناتين لعرضه، لكن أن تعرض مسلسلا كعرض أول بمفردها لم تكن قد حدثت من قبل، وهنا ثار المخرج جمال عبد الحميد رافضا قرار وزير الإعلام، وعندما قال ممدوح الليثى (هذا قرار واجب النفاذ)، امتنع جمال عبدالحميد عن مونتاج المسلسل تماما (قررت عدم الذهاب للمونتاج، وعدم استكمال مونتاج المسلسل، كان قرارا مجحفا جدا، فبعد أن تم عرض البرومو، وانتظرنا عرض العمل، يخبروننا بأنه سيعرض على قناة أخرى، فجلست فى منزلى وقلت لهم لن أعرض العمل فى رمضان.. بعد مرور الشهر نتحدث.. وكان الطبيعى وقتها أن الأعمال المعروضة فى رمضان يتم إعادتها بعد انتهاء الشهر الكريم مباشرة، فانتظرت حتى انتهى الشهر وانتهت الإعادة وعرضت المسلسل، ونال إشادات واسعة، منها إشادة الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة).
إلى هنا انتهى كلام المخرج الكبير جمال عبدالحميد، عندها تذكرت حديثى مع المخرجة الكبيرة رباب حسين زوجة المخرج الكبير الراحل أحمد توفيق، مخرج مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» للكاتب مصطفى محرم والفنان نور الشريف، فهو المسلسل الذى عرض بالفعل بدلا من مسلسل «حلم الجنوبى».
وعندما سألت رباب حسين فى حلقة سابقة عن مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» عن العرض الرمضانى قالت لى إن ممدوح الليثى كان يفضل عرض مسلسل «هارون الرشيد» وكنا وقتها لم ننته سوى من 20% من أحداثه، لكننا ثرنا وطالبنا بعرض «لن أعيش فى جلباب أبى».. وهو ما وافق عليه الليثى فيما بعد.