بطرس دانيال يكتب: ثوب الرياء يَشِفّ
يعلّمنا السيد المسيح قائلاً: «ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا؛ وما زاد على ذلك فهو من الشرير» (متى 37:5). لماذا يكذب الكثيرون؟ كم من مجالات ومواقف ومعاملات لا حصر لها تُبنى على الكذب والخداع؟ كم من مشاريع تجارية ودعاية ينقصها الصدق والشفافية؟ مَن يقبل أن يصفه الناس بــ «الكاذب»؟ هناك موقف طريف لأحد مدّعى الفضيلة والتقوى عندما أراد أن يزور الكاتب الشهير John Bunyan وهو فى السجن، أَمِلاً أن يغيّر حياته حتى يتوب ويرجع إلى الله، فقال له: «أيها الكاتب المبجّل، لديّ رسالة من الله أحضرتها لك، ولكننى تأخرت لمدة طويلة فى إبلاغك إياها، والسبب فى ذلك أننى اضطررت أن أذهب إلى معظم سجون إنجلترا لأبحث عنك، ولكننى وجدتك اليوم فقط». فرد عليه الكاتب بكل سخرية قائلاً: «أخى العزيز، إن كان الله أرسلك إليَّ كما تدّعى، فما كنتَ بحاجةٍ إلى هذه المعاناة وهذه المدة لتبحث عنى، لأن الله يعلم تماماً بأننى فى هذا السجن منذ سبع سنوات». كان هذا الرد كفيلاً بأن يفضح كذب وادّعاء ونفاق ذلك الرجل، حتى أنه عاد يجر أذيال الخزى والعار. هذه نتيجة كل مّن يكذب أو يخدع الآخرين بنفاقه، لن يستطيع أحدٌ منّا أن يخفى الحقيقة وراء قناع الكذب، لأنها لابد أن تظهر يوماً ما للعيان! إذا اكتشف الآخرون كذبنا وخداعنا؛ كيف تصبح النتيجة فيما بعد؟ بالطبع سيضطرون إلى الشك فى إخلاصنا وصدقنا ويفقدون الثقة فينا. فالإنسان الذى لا يقول الصدق، يفقد علاقته مع الآخرين ويفشل فى أعماله وإنجازاته. كم مِن الأشخاص الذين يلجأون إلى آفة الكذب والنفاق للاحتفاظ بمراكزهم فى المجتمع؟ ولكن للأسف سيُفضح أمرهم عمّا قليل، عندما يظهر كذبهم للعيان، وتكون النتيجة الحتمية أن يفقدوا مركزهم الاجتماعى والدينى والأخلاقى. هناك أنواع مختلفة من الكذّابين، نسرد منهم ثلاثة فقط: النوع الأول هم الذين يملكون الكذب فى الدم ويكذبون من أجل تجميل واقعهم؛ والنوع الثانى الذين يكذبون ليتجنّبوا الصراعات والمشاكل؛ والنوع الثالث لهؤلاء الكذّابين العصريين الذين يدافعون عن أنفسهم قائلين: «الآخرون فهمونا خطأ». وللأسف إن آفة الكذب ولاّدة، فالكذبة الواحدة تنجب مئات ومئات من الأكاذيب والنفاق، ويكون الدفاع عنها بمجموعة أخرى من الأكاذيب، ويصبح الإنسان الكذّاب مُحاط بسلسلة لا يستطيع الإفلات منها. وكما يقول Graham Greene: «إن لم تكونوا سبباً عائقاً لأحدٍ أبداً؛ فهذه علامة ودليل على أنكم لم تقولوا الحقيقة فى كل حين». لأننا من الممكن أن نخدع بعض الناس لمدةٍ من الزمن؛ ولكن يستحيل علينا أن نخدع جميع الناس ونكذب عليهم حتى النهاية. ويحثّنا الوحى قائلاً: « لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا يَخْدَعْ أَحَدٌ قريبَه» (أحبار 11:19). مما لا شك فيه أن الإنسان الذى يكذب لن يستطيع أن يخفى هفواته أو يعتذر عن أخطائه بالكذب، لأنه مثل مَن يريد أن يُزيل بقعة عن ثوبه الثمين فيلجأ إلى مقصٍ يقطع به مكان البقعة. ولنتساءل: «ما موقف الكذّاب أمام المجتمع والآخرين عندما ينكشف ويفتضح أمره؟»، مَن يكذب مرةً واحدة، بالطبع سيفقد ثقة الناس فيه، وإن حاول تبرير ذلك، لن يصدّقه أحدٌ ولن يثق فى أى حديث أو كلام يتفوّه به فى أى مناسبة. إذاً، كيف نربح ثقة الناس فينا؟ أن نتحلّى بالصدق والشفافية فى أقوالنا وأفعالنا، ونتدرّب على نبذ العادات الضارة كالكذب والرياء والنفاق الذين يجبرون الناس على عدم تصديقنا أو الثقة فى شهادتنا. كم هو جميل ورائع أن نتعلّم قول الحقيقة فى كل حين ومع جميع الناس، كما يجب أن تكون الحقيقة بدون مبالغة أو نقصان، لأن مَن يتحلّى بها، يصبح شخصاً موضع ثقة للآخرين. فالصدق هو أساس التديّن الحق ومخافة الله واحترام العِباد. ولا سبيل للنجاة إلا بالصدق الذى به تتقوّى علاقتنا بالله ونربح الناس، كما أن الصدق رمز للشجاعة. فالإنسان صاحب القلب الصافى والضمير الحى لا يلجأ أبداً إلى الكذب فى أى ظرفٍ يمر به، لأنه على يقين بأن الله شاهد على ما يقول. وتكون أفكاره ظاهرة للعيان دون تملّق، كما أن أقواله واضحة لا يشوبها التمويه أو الخداع، علاوة على ذلك أن أعماله تتفق مع أقواله ولا تكذّبها، فيقول ما يعتقد، ويعتقد فيما يقوله، ولا يحتاج إلى أن يثبت اليوم ما قاله أمس؛ ولا ينكر غداً ما يقوله اليوم. ونختم بالقول المأثور: «ثوب الرياء يشفّ عما تحته، فإذا اكتسيْتَ به فإنك عَارٍ».